يبدو أن مسلسل اغتيال ناشطي الحركة الاحتجاجية في العراق مستمر، حيث أضيف إلى قائمة الضحايا الممثل المسرحي والناشط في احتجاجات محافظة ميسان عبد القدوس قاسم وزميله المحامي كرار عادل على يد مسلحين مجهولين.
ويقول شهود عيان إن مسلحين يستقلون دراجة نارية أطلقوا النار على سيارة كانت تقل كرار وعبد القدوس ما أدى إلى مقتلهما.
في غضون ذلك، أطلق مسلحون مجهولون النار على سيارة الناشط رضا العقيلي وهي مركونة جانب منزله، فيما كتب العقيلي على صفحته في "فيسبوك"، "أتى الرد سريعاً بعد الوسم الذي كتبته "أنا المغدور القادم، وخلال ساعتين فقط من خلال رصاص حي أطلق على سيارتي وأمام منزلي".
وتعد هذه الحوادث استمراراً لمسلسل طويل من اغتيال ناشطي الاحتجاجات على يد "مسلحين مجهولين"، فيما يتهم الناشطون ميليشيات مسلحة بالقيام بتلك الاغتيالات.
ولم يكن هذا الاغتيال الأول في محافظة ميسان، حيث شهدت عدداً من الحوادث كان أبرزها اغتيال الناشط أمجد الدهامات في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، فيما هرب عدد من الناشطين البارزين إلى خارج المدينة نتيجة التهديدات المستمرة لهم.
أيقونات "الثورة"
وبشكل موازٍ للاحتجاجات الشعبية العراقية، تمتلئ صفحات المدونين العراقيين بمرثيات لضحايا الانتفاضة الذين وصل عددهم إلى نحو 600 قتيل، و25 ألف جريح، فضلاً عن 54 محاولة اغتيال قتل فيها 26 شخصاً وأصيب 16 آخرون.
فبين الناشط صفاء السراي الذي يعد أيقونة "ثورة أكتوبر" العراقية، والذي قتل في بداية الموجة الثانية للتظاهرات في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وعبد القدوس قاسم وكرار عادل، عشرات الناشطين والمحتجين الذي قضوا على أيدي قوات حكومية أو مسلحين مجهولين.
ولم تفض التحقيقات الرسمية للوصول إلى نتائج بخصوص عمليات الاغتيال تلك، من "دراجات الموت" التي تغتال الناشطين بكواتم الصوت، حتى العبوات الناسفة وعمليات الخطف و"الأطراف الثالثة"، بحسب ناشطين.
مدينة العمارة أسيرة "الميليشيات"
في السياق ذاته، يقول ناشط مقرّب من المغدور عبد القدوس، أنه "تم تهديد عبد القدوس أكثر من مرة، وكان من أبرز الشخصيات في احتجاجات ميسان الممثلين للقوى المدنية في المحافظة".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "نحن نتهم جميع الفصائل المسلحة في محافظة ميسان ونحمل قائد الشرطة مسؤولية اغتيالهم".
ويتابع أن "هذه الاغتيالات لن تنتهي، وأغلبنا هاجر قسراً رغماً بسبب التهديدات الكبيرة التي وصلت لنا وسبق أن حاولوا قتلنا".
ويشير إلى أن "مدينة العمارة في محافظة ميسان أسيرة للعصابات والميليشيات وتخلو من الناشطين المدنيين". ويحمل الحكومة مسؤولية ما يحصل في المدينة.
مشهد مستمر على وسائل التواصل الاجتماعي
يكاد المشهد في مواقع التواصل الاجتماعي العراقية لا يختلف عن مشاهد ساحات الاحتجاج، ففيما يعبّر الناشطون عن تمسكهم بثورتهم، مترقبين من سيكون التالي في قائمة طالت وازدحمت من قتلى الانتفاضة، تمتلئ صفحاتهم بغضب عارم ومطالبات بمحاسبة القتلة ومرثيات لزملاء الاحتجاج الذين قضوا بطرق مختلفة، في حين لم تتوقف تساؤلاتهم حول من سيكون التالي في مسلسل الاغتيالات، الذي لم يهدأ منذ اندلاع الانتفاضة العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
إلى ذلك، قال الناشط عمار الربيعي إن "استمرار هذه الاغتيالات بحق الناشطين وآخرها شهيد ميسان عبد القدوس تهدف إلى التخلص من أعمدة الاحتجاج، خصوصاً مع استمرار التهديدات لكل من له رأي واضح وملتزم بالسلمية ولا يخضع للإغراءات من قبل الجهات السياسية".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "لا أعتقد أن ينتهي مسلسل الاغتيالات في ظل هذه المنظومة الفاسدة"، محملاً الحكومة العراقية "مسؤولية ما يحدث وعلى رأسها رئيس الوزراء".
وأوضح أن "الاحتجاجات باقية على الرغم من الاغتيالات والتهديدات والبقاء والاستمرار بالاحتجاجات هو عهد ألزم الأحرار به أنفسهم، والأحرار لا ينكثون العهود".
ميليشيات تهدد حق الحياة
في السياق ذاته، يرى الكاتب والباحث هشام الموزاني أن "الهدف من استمرار الاغتيالات هو لإعادة هيبة فصائل مسلحة تم كسر قوتها ووجودها في بعض المناطق وتحديداً في محافظتي ميسان وذي قار بعد الحركة الاحتجاجية الأخيرة"، لافتاً إلى أن "ما يجري ليس اغتيالات بل أوامر إعدام"، مضيفاً أن "التقصير الحكومي على أقل تقدير هو في توفير الحماية، حيث أنها تفقد شرعيتها إن لم تستطع توفير هذا الركن"، مبيناً أن "ما يمنع الحكومة من أداء واجباتها في توفير الحماية هو وجود توافق في الرؤى بينها وبين تلك الفصائل المسلحة".
وأشار إلى أن "شكل الدولة بعد عام 2003 أخذ طابعاً ميليشياوياً بالاستعانة بالهويات الفرعية المسلحة لإقامة الشرعية، وهذا التأسيس يعني أن القوى الفاعلة لا تريد دولة حقيقية تبنى على أسس ديمقراطية وهويتها الرئيسية المواطنة".
وتابع الموزاني أن "كل الفاعلين بالشأن العام في العراق يشعرون بتهديد وجودي على جميع المستويات وأهمها حق الحياة"، مردفاً "هذا الوجود الميليشياوي الذي يهدد حق الحياة يضرب جميع القطاعات الأخرى منها التعليم والصحة والاقتصاد".
مساعٍ لإنهاء الاحتجاجات
في المقابل، يرى رئيس النقابة الوطنية للصحافيين ياسر السالم، أن "مسلسل الاغتيالات سيستمر ما دامت الحركة الاحتجاجية فاعلة ونشطة، وما زال هناك ناشطون أصواتهم عالية إزاء كل مظاهر التخلف والتراجع في الدولة والقمع الوحشي الذي يتعرضون له".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "كل المؤشرات تدلل على أن الاغتيالات ستستمر وهناك مساعٍ لتصفية رموز اجتماعية وثقافية وصحافيين وناشطين، وهذا أمر يدركه جميع الناشطين والفاعلين الاجتماعيين".
ويتابع أن "الدولة منهارة عملياً في ظل هذا الوضع، حيث أن هناك أزمة سياسية وغياب لرئيس الوزراء وتعطيل متعمد للبرلمان، فضلاً عن كون رئيس الجمهورية بلا صلاحيات وغير قادر على اتخاذ أي موقف"، مبيناً أن "تعطيل كل مؤسسات الدولة يأتي من أجل أن تستفرد القوى السياسية والفصائل بالوضع العراقي وتنفيذ ما تريد تنفيذه".
صراع مخيف
ويعتقد السالم أن "الصراع المخيف الآن هو حول شكل الدولة، بين المحتجين من جهة، ومن جهة أخرى القوى النافذة في السلطة التي استهوتها الجريمة والفساد وغياب أطر الدولة المؤسساتية القادرة على إدارة الأزمات والتعامل مع مقدرات البلد وتوزيع الثروات"، مشيراً إلى أن "استمرار الأوضاع على ما هي عليه يعني أننا ذاهبون إلى خيار اللادولة لفترة طويلة".
ويلفت إلى أن "الحكومة ضعيفة منذ تشكيلها عام 2018، لم تظهر حزماً في مواجهة السلاح المنفلت أو الجماعات المسلحة التي ترتكب الجرائم ولم تفعل شيئاً في إطار تعزيز وتقوية عمل المؤسسات الأمنية، وهي الآن تقف موقف المتفرج وكأن الأمور لا تعنيها، بينما هي تمتلك صلاحيات فرض الأمن والقانون وحماية المحتجين".
وعن النظرة إلى الحكومة العراقية محلياً ودولياً، يبيِّن السالم أن "هذه الحكومة مدانة بقتل أكثر من 700 متظاهر وجرح وإعاقة أكثر من 23 ألفاً آخرين، سواء بشكل مباشر أو بالتغاضي عن أفعال جماعات مسلحة، وبالحالتين هي مدانة وصورتها مشوهة سياسياً وشعبياً وعلى الصعيد الدبلوماسي الدولي".
جرائم إرهابية
من جانبه، قال عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي، إن "واقع حقوق الإنسان في العراق بتراجع، بخاصة في فترة الاحتجاجات، وهناك ضغوط من قبل المفوضية والمجتمع الدولي لإدامة التظاهرات والحفاظ عليها على الرغم من كل العنف المستخدم ضدها".
وأضاف البياتي لـ"اندبندنت عربية"، "تم إضعاف المؤسسات الأمنية، وهي غير قادرة على أداء واجباتها لا في حماية المحتجين أو اعتقال وعزل من يقوم بأي نوع من التخريب والاعتداء سواء على المحتجين أو القوات الأمنية"، مبيناً أن "ضعف أداء القوات الأمنية وراءه قرار سياسي".
وأشار إلى أن "استمرار الجرائم لمدة خمسة أشهر وشمولها مناطق واسعة من العراق يعد مساساً بأمن الدولة لا يختلف عن الإرهاب بحسب كل المقاييس".