تحقيق ثلاثي الأبعاد يدين حكومة عبدالمهدي.. هل يستطيع الزرفي محاكمته؟

آخر تحديث 2020-03-19 00:00:00 - المصدر: الترا عراق

الترا عراق - فريق التحرير

في تحقيق جديد حول أعمال العنف التي طالت المتظاهرين في العراق، أكدت منظمة العفو الدولي أن قوات الأمن العراقية كانت تعتزم قتل عشرات المحتجين أو التسبب بتشوهات شديدة لهم عندما أطلقت قنابل من النوع العسكري مباشرة على الحشود في شوارع بغداد، منذ انطلاق الاحتجاجات في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

أدان تحقيق دولي جديد قوات الأمن العراقية بقتل المتظاهرين في بغداد عبر قنابل الدخان 

ويعزز التحقيق الاتهامات الموجهة إلى رئيس الحكومة المستقيلة، عادل عبد المهدي، وسط مطالبات بمحاكمته من قبل الأوساط الشعبية وبعض الأطراف السياسية.

وتعهد رئيس الوزراء المكلف، عدنان الزرفي، في خطابه الأول بمحاسبة المسؤولين عن عمليات العنف التي طالت المتظاهرين، لكن تلك التعهدات تبدو بعيدة عن التحقق، في ظل سيطرة أطراف تتهم بالمشاركة في قمع الاحتجاجات على البرلمان، مع امتلاك أجنحة مسلحة تتهم هي الأخرى بالوقوف وراء عمليات الاختطاف والاغتيال التي طالت الناشطين.

وفيما يلي نص التحقيق الذي أعدته المنظمة الدولية:


يُظهر تحقيق مرئي جديد وحصري أجرته منظمة العفو الدولية وفريق البحوث SITU Research أن قوات الأمن العراقية كانت تعتزم قتل عشرات المحتجين أو التسبب بتشوهات شديدة لهم عندما أطلقت قنابل من النوع العسكري مباشرة على الحشود في شوارع بغداد اعتبارًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي فصاعداً.

ويتضمن الموقع التفاعلي على الإنترنت للمنظمتين الستار الدخاني – استخدام العراق لقنابل الغاز المسيل للدموع العسكرية لقتل المتظاهرين – إعادة تركيب ثلاثية الأبعاد لحوادث مميتة التُقطت بالفيديو حول ساحة التحرير وجسر الجمهورية في العاصمة، ومن المعروف أن هذه القنابل المميزة قد أصابت عشرات المتظاهرين بجروح مميتة في تلك المنطقة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وتُبين عمليات المحاكاة الباليستية (عمليات محاكاة المقذوفات) والتحليل الحيزي المعروض في الموقع الإلكتروني "ما وراء الدخان" كيف أُطلقت المقذوفات كي تقتل أو تتسبب بأذى جسدي جسيم.

اقرأ/ي أيضًا: من "القنّاص" إلى مرشح الحكومة.. القصة الكاملة لتحركات إيران ضد احتجاجات العراق

وقال برايان كاستنر، كبير مستشاري برنامج الأزمات المختص بالأسلحة والعمليات العسكرية في منظمة العفو الدولية إن "أدلة دامغة تشير إلى نمط تتعمد فيه قوات الأمن العراقية استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الدخانية الثقيلة هذه لقتل المتظاهرين بدلاً من تفريقهم وذلك في انتهاك مباشر للقانون الدولي لحقوق الإنسان"، "وقد كانت قوات الأمن على علم بمدى القدرة الفتاكة لهذه الأسلحة المقيتة، لكنها استمرت في إطلاقها كما يحلو لها، ما أسفر عن وقوع سلسلة من عشرات الوفيات الشنيعة."

وقال براد ساميويلز الشريك المؤسس لفريق البحوث SITU Research إن "مقاطع الفيديو التي حُللت من أجل هذا التقرير تبين وجود نمط من الانتهاكات والاستخدام المميت للقوة ضد المدنيين العراقيين. ومن الأهمية الحاسمة تحليل هذه الأسلحة من منظور صلتها بالمساحات المدنية التي استُخدمت فيها – ويتابع هذا التحقيق المرئي أداء السلاح من زاوية علاقته بالشوارع، والساحات وأماكن التجمع حيث قُتل عدد كبير جدًا من الأشخاص.

تصميم مميت

يؤسس التحليل الجديد على تحقيق سابق لمنظمة العفو الدولية كان سبّاقاً في التعرف على هذه القنابل  المميزة – التي يُطلق عليها المحتجون أحيانًا تسمية "الدخانيات" – كنوعين يستندان إلى القنابل العسكرية شديدة الانفجار المصصمة للقتال. وهي تشمل القنابل إم 99 M99 التي تصنعها الشركة الصربية سلوبودا تساتساك، علاوة على قنابل الغاز المسيل للدموع إم 651 M651 والقنابل الدخانية إم 713 M713 التي تصنعها مؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية. وقد أكد محققو أسلحة مستقلون هذا الأمر فيما بعد.

كانت قوات الأمن على علم بمدى القدرة الفتاكة لهذه الأسلحة المقيتة، لكنها استمرت في إطلاقها كما يحلو لها

ويزيد وزن هذه القنابل - التي تزن الواحدة منها حوالي 250 غرامًا - بعشرة أضعاف على عبوات الغاز المسيل للدموع المعيارية. بيد أنها تُطلق بالسرعة الاندفاعية ذاتها تقريبًا – وهي السرعة التي تنطلق فيها من قاذفة القنابل – ما يعني أن لها قوة أكبر بشكل ملموس عند الارتطام، لاسيما عندما تُطلق بزاوية منخفضة.

وقد أسفرت هذه القوة عن وقوع إصابات مروّعة؛ إذ اخترقت الطلقات المعدنية الثقيلة جماجم المحتجين وأجسادهم، غالبًا مع استمرار انبعاث الدخان من الجروح النازفة. وكانت الوفيات من ضمن أكثر الحالات المؤثرة الصارخة التي شاهدها المحققون المتمرسون لدى منظمة العفو الدولية، الذين تفحصوا مقاطع الفيديو.

اقرأ/ي أيضًا: "يقتلون الشبان ويرقصون".. "أمنيستي" تصف عمليات قمع المتظاهرين على يد السلطة

وقد استخدم فريق البحوث SITU Research نموذجًا رقميًا لمحاكاة إطلاق إحدى هذه القنابل على جيلاتين باليستي – وهو تحليل يشيع استخدامه من جانب خبراء الأسلحة والخبراء الجنائيين لاختبار نوع ومدى خطورة الجروح التي تسببها الرصاصات وغيرها من المقذوفات. وتترك القنبلة على الهلام تأثيرًا مشابهًا بشكل لافت لتأثير طلقة بندقية عيار 12 مصممة خصيصًا للصيد. وبعبارة أخرى عندما تطلق مباشرة على هدف بزاوية منخفضة فإن هذه القنابل التي يُزعم أنها "أقل فتكًا" لا تقل فتكًا بتاتًا عن الذخيرة الثقيلة المصممة صراحة للقتل.

غايتها القتل وليس التفريق

في سياق استعراض مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية وفريق البحوث SITU Research لمقاطع فيديو شهود العيان التي تم التحقق منها والتقاطها من مسرح الأحداث اكتملت لديهما الصورة بشأن كيفية استخدام قوات الأمن العراقية لهذه الأسلحة.

ففي مقاطع فيديو متعددة التُقطت من نقاط مناسبة مختلفة على جسر الجمهورية أو بالقرب منه يمكن مشاهدة أفراد ملثمين من قوات الأمن عند الحواجز وعلى متن زورق دورية وهم يطلقون القنابل بزاوية منخفضة مباشرة نحو حشد من المتظاهرين على مقربة منهم. وفي لقطات أخرى يمكن رؤية القنابل التي تُحدث أزيزًا وهي تمر أمام رؤوس المحتجين بسرعة اتجاهية عالية.

وقد ثقت منظمة العفو الدولية - من خلال استعراض مقاطع فيديو شهود العيان، فضلاً عن أخذ شهادات المحتجين والعاملين في المجال الطبي - عشرات حالات وفاة ناجمة عن هذه القنابل اليدوية الثقيلة منذ بدء الاحتجاجات في أكتوبر/تشرين الأول. ولما كانت البحوث قد اعتمدت على التحقق من أدلة الفيديو المتوفرة وعلى تأكيدها بأقوال الشهود على الأرض فإن العدد الحقيقي ربما يكون أكبر بكثير.

ومما يبعث على القلق أنه – عقب توقف مؤقت عن استخدامها في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول – ظهرت صور تبين تجدد استخدام القنابل في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020.

الاستخدام المفرط للقوة

وثّقت منظمة العفو الدولية – منذ 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وطيلة فترة الاحتجاجات التي اندلعت في بغداد والمحافظات العراقية الجنوبية – استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة، وفي مئات الحالات للقوة المميتة لتفريق المحتجين مستخدمةً مجموعة متنوعة من الطرائق الأخرى. وهذا يشمل إقدام رجال مسلحين ملثمين وقناصة على استخدام الذخيرة الحية وبنادق الصيد والبنادق الأخرى التي تُطلِق كريات الخرطوش وأعيرة اصطياد الطيور، والهراوات التي استُخدمت للاعتداء على المحتجين بالضرب المبرح، ومجموعة من الحالات الأخرى للاستخدام غير السوي وغير القانوني للأسلحة.

ولم يُتخذ أي إجراء تقريبًا لمساءلة قوات الأمن العراقية برغم هذا الاستخدام الواسع والتعسفي للقوة، بما فيه المئات من عمليات القتل.

طالب التحقيق السلطات العراقية بسحب القنابل المسيلة للدموع التي استخدمتها قوات الأمن ضد المتظاهرين فورًا 

وقال برايان كاستنر إن "هذا التحليل الجديد يعزز اعتقادنا بأنه ليس لهذه الذخائر أي استخدام مشروع في الحفاظ على الأمن خلال المظاهرات. وينبغي على السلطات العراقية أن تسحب هذه القنابل اليدوية من الاستخدام فورًا، ويتعين إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في استخدامها وفي النمط الأعم للانتهاكات التي أسفرت عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى خلال الاحتجاجات".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أمنيستي تروي تفاصيل "ليلة المجزرة" التي أطاحت بعبدالمهدي: القناصة مرة أخرى

قصة احتجاجات العراق في صورة.. فتاة و"جلاوزة"!