يستمر تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري وبقية القوى الرافضة تكليف عدنان الزرفي لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، بقيادة حراك محموم لإجهاض مساعي إمراره في البرلمان العراقي، وإقناع بقية الأطراف الشيعية بالتخلي عن دعمها له.
وتتخذ تلك القوى الموالية لإيران مبررات عدة لرفض الزرفي، أبرزها أن آلية التكليف لم تعتمد السياقات الدستورية بحسب وجهة نظرهم، فضلاً عن رؤيتهم أنه خيار أميركي لا يؤيد خروج القوات الأجنبية من البلاد، ومخاوف أخرى تتعلق بإمكانية استهداف الفصائل المسلحة وعزمه حصر السلاح بيد الدولة.
في المقابل، تفيد تسريبات بأن القوى الشيعية الأخرى الداعمة للزرفي تتحرك باتجاه محاولة إقناع قيادات في تحالف "الفتح" القبول بتمريره.
سجالات مستمرة
ويرى المؤيدون للزرفي أن الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، من انتشار فيروس "كورونا" وتدهور الوضع الاقتصادي للبلاد، تتطلب وجود رئيس حكومة بكامل الصلاحيات.
ولعل ما يسهل موقف الزرفي تحديداً لدى القوى الداعمة، توافر الدعم الأميركي له، مقابل تضاؤل حجم التأثير الإيراني في الفترة الأخيرة، ما قد يُسهم في تسهيل مهمته في البرلمان، لكن الفريق المعارض يرى أن المسار السياسي للبلاد غير مرتهن بتلك المعطيات، وأنهم سيستمرون بالضغط لضمان عدم إمراره.
وتحاول القوى القريبة من إيران الضغط على الزرفي لينسحب من دون ذهابه إلى البرلمان، ويشير مراقبون إلى أنه يحظى بدعم نيابي كبير خارج إطار قادة الكتل، ما قد يسهل عملية منحه الثقة.
تفاهمات تقترب من الإعلان
في غضون ذلك، أكد النائب عن تحالف "سائرون" أمجد العقابي، "استمرار تحالف الفتح رفض تكليف عدنان الزرفي لرئاسة الحكومة"، لافتاً إلى أن ترشيحه تم من قبل جمع تواقيع مجموعة من النواب وليس من قبل اللجنة السباعية التي تضم الكتل الشيعية الرئيسية".
وأضاف في تصريحات صحافية، "اللجنة السباعية توصلت إلى تفاهمات نهائية في وقتها لقبول تكليف نعيم السهيل، إلا أن الساعات الأخيرة أنهت تلك التفاهمات".
وأشار إلى أن "تحالف الفتح ما زال أكثر الكتل معارضة لتكليف الزرفي، في حين توصل المكلف إلى مراحل متقدمة مع الكتل السياسية الأخرى وسيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة".
موقف ثابت لتحالف "الفتح"
في المقابل، دعا رئيس كتلة "الفتح" في البرلمان العراقي محمد الغبان، في وقت سابق، الزرفي للاعتذار عن تشكيل الحكومة. وقال في تغريدة على "تويتر"، إن "موقف كتلة الفتح ثابت، برفض الآلية التي كلف بها الزرفي بتجاوز رئيس الجمهورية الدستور والأعراف السياسية السائدة منذ 2003".
وأضاف الغبان "ننصح الزرفي أن يعتذر عن التكليف، كي لا يكون سبباً في تضييع حق الغالبية".
سيناريو الانقلاب
في سياق متصل، تستمر ميليشيات "كتائب حزب الله" بالترويج لفكرة أن الولايات المتحدة تسعى للقيام بانقلاب عسكري بمساعدة جهاز أمني وآخر عسكري محليين لم تسمهما.
فيما هددت "الكتائب" في بيان، أنها سترد "بقوة على جميع المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية التابعة للقوات الأميركية فيما لو أقدمت تلك القوات على تنفيذ الانقلاب".
وحذرت الأطراف العراقية من المشاركة بما أسمته بـ "المخطط التآمري"، مشيرة إلى أنه "سيتم التعامل معه كعدو ولن تغفر خيانته".
الأذرع المسلحة ومساعي إفشال الزرفي
من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي عزيز جبر شيّال، إن "من غير المستغرب رفض الزرفي من قبل تحالف الفتح، حيث يحاول الظهور بأنه الكتلة الأكبر في البرلمان"، مبيناً أن "الاشكالية التي تقف في طريق تحالف الفتح هو افتقارها للقاعدة الجماهيرية المؤثرة مقابل الكتلة المناوئة لها وهي سائرون التي تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة ومؤثرة".
وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "قوة تحالف الفتح تكمن في الفصائل المسلحة، وامتلاكه الدعم الإيراني"، لافتاً إلى أن "نجاح مساعي الفتح بإفشال إمرار الزرفي مرتبط بإمكانية تحريك الأجنحة المسلحة بطريقة تجعل القوى الأخرى تتخوف من صدامات مسلحة مستقبلية".
وتابع أن "تأييد الصدر للزرفي أحد مقومات نجاحه المحتملة، لكن هذا الموقف قد يتغير في أية لحظة نظراً لتذبذب مواقف الصدر".
وأشار إلى أن "الزرفي قد يستفيد من تضاؤل النفوذ الإيراني للمرور في البرلمان، لكنه أمام تحديات كبرى تتعلق بالوضع الاقتصادي وأسعار النفط التي لم تعد تغطي كلفة إنتاجها"، مبيناً أن "مهمته ستكون صعبة إن لم يحظ بدعم دولي كبير".
وعن الحديث حول اتهامات بعض الفصائل المسلحة للولايات المتحدة بعزمها القيام بانقلاب عسكري، بيَّن شيَّال أن "موضوع الانقلاب مقدمة تبرير للفشل في إيقاف استمرار الزرفي وامكانية نجاحه".
ضغوط ومخاوف
من جهة ثانية، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "رفض تحالف الفتح للزرفي مرتبط بأيديولوجيات سياسية، ومع ذلك ثمة أطراف داخل التحالف تحاول الحصول على مكاسب من خلال هذا الضغط"، مبيناً أن "المكاسب هي الأهم لتلك القوى، وإذا وجدت تأميناً لمصالحها قد تتغير مواقفها في الفترة المقبلة".
وأضاف لـ "اندبندنت عربية"، "طرح أسماء بديلة للزرفي قد يأتي في إطار الضغوط أو محاولات إفشاله، لكن الاتفاق الذي جرى بين الزعماء يقضي بأن يكمل المكلّف مدة الشهر وانتظار إمكانية نجاحه من عدمها".
وأوضح أن "طرح سيناريوهات الانقلاب يتزامن مع رؤية الزرفي الذي يدفع باتجاه تقويض السلاح خارج إطار الدولة، فضلاً عن أن تلك الأطراف تعتبره ضمن المظلة الأميركية، واحتمالية أن تستهدف حكومته هذه الفصائل".
ولفت إلى أن "العراق يشهد انهياراً سياسياً واقتصادياً وصحياً، ومن الضروري إيجاد بديل لعبد المهدي للحفاظ على العراق كدولة"، مردفاً "هذه العوامل ضاغطة لمنح الثقة للزرفي، لكن بعض القوى السياسية قد لا تجدها مبرراً لذلك".
إشارات غير مطمئنة
أما الباحث في الشؤون الاستراتيجية معن الجبوري، فيعتقد أن "حالة الرفض للزرفي مرتبطة بالطروحات التي بدأ بها برنامجه، بما يتعلق بإنهاء دور الميليشيات والإشارة إلى حتمية حصر السلاح بيد الدولة"، مشيراً إلى أن "معظم هذه القوى اعتبرت ذلك إشارة ليست في صالحها، ولا تنم عن علاقة ودية مستقبلية بين الزرفي وقيادات الحشد الشعبي".
ويوضح لـ "اندبندنت عربية"، أن "احتمالية أن يكون الزرفي حاملاً أجندات أميركية تُقرأ بأنها معادية للأحزاب الموالية لإيران يعقد موقفه بالنسبة لتلك القوى".
ويتابع أن "الكثير من الأمور تشير إلى أنه يحاول تطبيق نموذج جديد للحكم بأن تكون الدولة خارج نطاق تلك الأحزاب المتنفذة، ما استفز تلك القوى وأعطى انطباعاً لها بأنها ستخسر في حال وصوله للسلطة".
ويرى أن "سيناريو الانقلاب خُلق لبث حالةٍ من الرعب لدى المواطن العراقي، لأن الأحزاب الإسلامية الشيعية المتنفذة فقدت بريقها وقاعدتها الجماهيرية، فضلاً عن انتهاء تأثير الوتر الطائفي الذي كانت تلعب عليه، ما دفعها لمحاولة خلق خصم كبير ترهب به الجمهور".
ويستبعد الجبوري أن تقوم الولايات المتحدة بالقيام بانقلاب عسكري، مبيناً أن "النظام العراقي الحالي هو صنيعة أميركا ولن تقدم على فعل كهذا"، مشيراً إلى أن "إيران لم تعد فاعلة في العراق والشرق الأوسط بعد مقتل سليماني، والأحزاب الموالية لها، لم تعد قادرة على ضبط إيقاع العملية السياسية، ما أدى إلى تحجيم الدور السياسي لها في العراق".