على الرغم من استمرار موقف تحالف "الفتح" الصارم وبعض القوى الشيعية الأخرى برفض المكلّف بمنصب رئيس الوزراء العراقي عدنان الزرفي، يبدو أن الأخير يقترب من الوصول إلى حدود التأييد التي تؤهله لنيل ثقة البرلمان، حيث أن محاولات قاآني المستمرة للضغط على القوى الشيعية لاختيار بديل للزرفي، لم تأت بنتائج عملية، ويبدو أنه بات يحظى بتأييد عدد كبير من نواب التحالفات الشيعية فضلاً عن عدم وجود رفض واضح من الكتل السياسية السنية والكردية.
ولعل أبرز الكتل السياسية الشيعية الرافضة للزرفي، هي تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، كتلة صادقون التابعة لـ"عصائب أهل الحق" و"ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، فضلاً عن تيار "الحكمة" الذي يرى مراقبون أنه ما يزال متذبذباً في إعلان موقف واضح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يحظى رئيس الحكومة بتأييد ائتلاف "النصر" الذي ينتمي له، فضلاً عن عدم رفضه من قبل تحالف "سائرون" أكبر كتلة برلمانية شيعية، فيما لم يصدر موقف رافض للزرفي من قبل الكتل السنية والكردية.
في غضون ذلك، أوردت وكالة الأنباء الرسمية أن "الزرفي يطلب من البرلمان تحديد موعد لانعقاد جلسة استثنائية للتصويت على المنهاج الحكومي والتشكيلة الوزارية".
وكان الزرفي قد سلّم، السبت الرابع من أبريل (نيسان) الحالي، المنهاج الحكومي إلى رئاسة البرلمان.
الصدر يرفض لقاء قاآني
وعلى وقع الحديث عن محاولات قاآني توحيد الموقف الشيعي برفض الزرفي، تحدث مصدر سياسي لمواقع إخبارية محلية، بأن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رفض لقاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني.
وقال المصدر إن "لقاء الصدر كان مدرجاً على جدول أعمال قائد فيلق القدس، لكن الأول، رفض هذا اللقاء، وأوصل رسالة بضرورة عدم التدخل في الشأن العراقي". وتابع أن "المستشار العسكري للصدر أبو دعاء العيساوي، أوصل رسالة خطية من الصدر تحمل رفضه القاطع لأي تدخل خارجي بشأن مسألة اختيار الحكومة العراقية".
الإبقاء على عبد المهدي
وعلى الرغم من كل الاعتراضات التي قدمتها القوى الشيعية الرئيسية، فضلاً عن وصف القوى القريبة من إيران تكليف الزرفي بأنه جاء خارج "السياقات الدستورية"، واتهامات أخرى بأنه "مقرب من أميركا"، لم يبد تحالف "سائرون" الذي يتزعمه الصدر رفضه حكومة الزرفي، حيث تشير كل المؤشرات إلى أن التحالف يسعى لتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن.
إلى ذلك، قال النائب عن التحالف رياض المسعودي، في تصريحات صحافية "المشكلة تتعلق بالثغرات الدستورية التي يستغلها البعض والمماطلة والتسويف وانتقاء العبارات مثل الجدلية والمقبولية لدى الشارع العراقي في عملية إفشال الزرفي" . وأوضح أن "سائرون لديه أولويات أهمها تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، لوجود تحديات كبيرة يمر بها البلد في جميع المجالات". وتابع أن "بعض الكتل السياسية تتعمد رفض جميع المرشحين لرئاسة الحكومة للإبقاء على حكومة تصريف الأعمال لعادل عبد المهدي لاعتقادهم أنهم حققوا مكاسب كبيرة في ظلها".
الفصائل تصعّد والصدر يرد
وبالتزامن مع الحراك السياسي الرافض تكليف الزرفي، صعّدت الفصائل المسلحة الموالية لإيران خطابها، حيث أصدرت ثمانية فصائل بياناً موجهاً إلى القوى السياسية، معلنة رفضها إمرار "مرشح الاستخبارات الأميركية المدعو عدنان الزرفي"، فيما دانت دعم بعض أعضاء البرلمان له، واصفة إياه بـ"العميل".
ولعل هذا التصعيد يعطي انطباعاً بفشل مساعي قاآني في الحصول على إجماع شيعي لعدم إمرار الزرفي، إضافة إلى أنه قد يكون رسالة إلى القوى السياسية السنية والكردية للتراجع عن موقفها، بحسب مراقبين.
وبعد ساعات قليلة من صدور البيان، كتب حساب المقرّب من زعيم التيار الصدري، صالح محمد العراقي على "فايسبوك"، "اعلموا أن الكثير من السياسيين وبعض ما يسمون بفصائل المقاومة، لا تتعظ من البلاء والوباء، وما زالت تنتظر المكاسب". وأضاف "عجبي من تقديم المقاولة على المقاومة، كفاكم حباً للدنيا، فشعبكم يصارع الموت والحرب المرتقبة لا سمح الله والوباء".
تراجع الدور الإيراني
في السياق ذاته، قال الباحث والأكاديمي عقيل عباس إن "الدور الإيراني تراجع بعد اغتيال سليماني والمهندس فضلاً عن أزمة فيروس كورونا وهذا أسهم في فشل مهمة قاآني في العراق"، مبيناً أن "هذا التراجع ليس السبب الوحيد في فشل مهمة قاآني، حتى عندما كان النفوذ الإيراني قوياً لم يستطع فرض إرادته في جميع الأحيان على الفرقاء الشيعة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "العقوبات الاقتصادية وأزمة كورونا جرأت بعض اللاعبين الشيعية على تحدي الإرادة الإيرانية"، مشيراً إلى أن "رفض الصدر لقاء قاآني ليس مستغرباً، حيث كان يرفض أحياناً لقاء ساسة إيرانيين، وقيل أيضاً أنه رفض لقاء سليماني في سياقات مختلفة"، مردفاً "الصدر يظهر نوعاً من التحدي الناعم لقوة إيران، لكنه تحدٍ ليس عدائياً".
ورجح أن تكون فرص الزرفي جيدة في نيل تشكيلته الوزارية ثقة البرلمان، لافتاً إلى أن "إمرار حكومته مرتبط بصفقات الساعات الأخيرة". وأوضح عباس أن "هجوم الفصائل المسلحة على الزرفي وتهديداتها العلنية تعطي انطباعاً بأنها لا تمتلك القوة البرلمانية لإفشاله". وتابع أن "الوضع العراقي الحالي من انخفاض أسعار النفط وأزمة كورونا فضلاً عن وجود حكومة تصريف أعمال مرفوضة شعبياً وشبه مشلولة، تعد عوامل ضاغطة على النخبة السياسية لإمرار حكومة الزرفي".
وعبر عن اعتقاده أن "الانتظار والإصرار على المماحكات السياسية بخصوص رئاسة الوزراء كانت استراتيجية كسب وقت للجهات المؤيدة لاستمرار عبد المهدي في منصبه"، مشيراً إلى أن "الشارع العراقي فسر هذا السلوك على أنه شكل من أشكال اللامبالاة بما يمر به البلد، وهذا قد يترجم بزخم احتجاجي أعلى في حال تراجع تهديد فيروس كورونا".
ورقة تفاوض
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني، أن "نموذج الصدر الأيديولوجي مخالف للمدرسة الإيرانية، والشيعة في العراق بشكل عام بعد مقتل سليماني اختلف تعاطيهم مع الأزمة السياسية". وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الصدر يحاول ترسيخ صورة جديدة عنه من خلال طرح نفسه كبديل شيعي معتدل ومقبول غربياً وشرقياً".
وتابع أن "تغيّر الاستراتيجية الأميركية إلى المواجهة المباشرة هي التي أدت إلى فشل مهمة قاآني في لملمة الوضع الشيعي وليس غياب سليماني"، مردفاً "هذا التغيّر في الرؤية الأميركية هو الذي خلق التصدعات في الموقف السياسي الشيعي بما يتعلق بدعم الزرفي".
وأشار إلى أن "أعلى مخاوف الجبهات الشيعية التقليدية هو بأن تصبح تلك القوى نقطة تفاوض إيرانية مع أميركا وبالإمكان التنازل عنها، فضلاً عن المخاوف من استهداف مباشر"، لافتاً إلى أن "جعل تلك القوى ورقة تفاوضية بيد إيران أسوأ بالنسبة لها من الضربات الأميركية المباشرة التي قد تكسبها نوعاً من الشرعية الثورية داخلياً".
قلق وتشظٍ داخل القوى الشيعية
أما الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي، فيعتقد أن "كل المؤشرات تقول إن الزرفي يحظى بدعم أغلب القوى السياسية وبعضها لا تعلن ذلك خوفاً من الأذرع المسلحة غير المنضوية في الحشد الشعبي". ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "إيران تعتبر العراق مكان الحريق الذي تفاوض من خلاله أميركا، والآن كل الظروف تضغط على إيران وهي تنتظر رفع جزء من الحظر وثمنه التنازلات".
ويشير إلى أن "أغلب القوى السياسية الشيعية داعمة لحكومة الزرفي حيث يحظى بموافقة تحالف دولة القانون بزعامة المالكي وائتلاف النصر، أما عمار الحكيم فيحاول أن يمسك العصا من المنتصف، لكنه في النهاية سيدفع باتجاه إمراره"، لافتاً إلى أن "الصدر أيضاً سيدفع باتجاه إمرار حكومة الزرفي نكاية بمن يسميهم بالميليشيات الوقحة". ويختم أن "المخاوف الرئيسية تتعلق بالقلق من احتمالية أن ينقلب الزرفي على تلك القوى بعد وصوله للسلطة"، مستدركاً "القوى الشيعية تشظت وتحولت من مرحلة الصراع إلى مرحلة التآكل".