خلافات "الحشد الشعبي" هل تعجّل بنهايته؟

آخر تحديث 2020-04-30 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

منذ إعلان انفكاك الألوية التابعة للمرجعية الدينية عن هيئة الحشد الشعبي في العراق، لا يزال الحديث عن مستقبل الهيئة يشغل الرأي العام في البلاد، في ظل حالة التوتر السياسي الذي تعيشه على وقع التصعيد الأميركي ضد فصائل عدّة، قريبة من إيران داخل الحشد.

وفيما يشير مراقبون إلى أن الانفكاك "العملياتي والإداري" لا يعني خروج تلك الفصائل من الهيئة عملياً، إلّا أنّ آخرين يرون أنه نهائي وسيحفّز بقية الفصائل غير الولائية على الخروج أيضاً، ملتحقةً بركب ألوية المرجعية.

خلافات عميقة

يبدو أن الخلافات داخل هيئة الحشد الشعبي ليست وليدة اللحظة،  ودفعت التداعيات السياسية والأمنية الأخيرة إلى هذا الانفكاك، إذ يعود إلى الأعوام الأولى لتأسيس الهيئة، وترتكز على نقاط عدّة، أبرزها التباين الفقهي بين الفصائل المختلفة داخل الحشد، إذ تخضع الألوية التي أعلنت انفكاكها للمرجعية الشيعية في النجف وتحديداً لمرجعية السيستاني، فيما تتبع قيادات عددٍ كبيرٍ من الفصائل الأخرى مرجعية الولي الفقيه في إيران.

أما الخلافات الأخرى، فتتعلّق بمشكلات مالية وتنظيمية، حصلت بين ما يُطلق عليه "حشد السيستاني"، منذ الأعوام الأولى لتأسيس الحشد الشعبي، فكان قائد فرقة العباس القتالية ميثم الزيدي، قد اتَّهم قيادة الحشد أثناء المعارك مع تنظيم "داعش"، بالتمييز بين الفصائل المسلحة في ما يتعلّق بالتخصيصات المالية والدعم اللوجستي.

ولعل إحدى النقاط الرئيسة للخلاف، دفع الهيئة إلى الصراع السياسي، فضلاً عن تعيين أبو فدك المحمداوي، القيادي في كتائب حزب الله بدلاً من أبو مهدي المهندس من دون التشاور مع فصائل المرجعية، أدى إلى تفاقم الإشكالية.

مخاوف من الانفكاك

وتعود أبرز المخاوف من قبل قيادات الفصائل المسلحة، إلى اعتمادها على غطاء السيستاني ودعمه للحشد في شرعنة حراكها ومساندته، إلّا أنّ هذا الانفكاك، يشير إلى أن الغطاء الشرعي الذي كانت تتّخذه تلك الفصائل لم يعد موجوداً، وقد يحفّز فصائل أخرى على اللحاق بركب "حشد المرجعية".

ولا ينحصر الخلاف على جناحَيْ السيستاني والفصائل الولائية داخل الحشد، إذ إن هذا الأمر قد ينعكس على "سرايا السلام" التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي قد يتّخذ خياراً مشابهاً نظراً إلى الخلافات العميقة بينه وبقية الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

استغلال سياسي وانتخابي

في غضون ذلك، رأت النائب في البرلمان العراقي عن "ائتلاف النصر" هدى سجاد، في مقابلة متلفزة، أن انسحاب ألوية المرجعية من هيئة الشعبي "مؤشر إلى تحزّب هيئة الحشد واستغلالها سياسياً وانتخابياً". 

وأضافت، "25 في المئة من منتسبي الحشد الشعبي تابعين إلى كتلة سياسية واحدة لديها نواب في البرلمان"، في إشارة إلى تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري وبقية قادة الفصائل القريبة من إيران، مشيرةً إلى أن "هذا الأمر لا مساواة فيه، فالمنتسبون إلى حشد المرجعية أحسّوا بالظلم نتيجة الاستغلال السياسي للحشد".

وتابعت "من الظلم أن لا نفرّق بين حشد سياسي له برنامج سياسي ووزراء يبحثون عن حصص، ويستخدمون اسم الحشد لنيل مكاسب انتخابية، وبين حشد مقدس جاء بناءً على فتوى المرجعية، ضحى بدمائه وقدم الكثير من التضحيات".

وأكدت سجاد، أن "هناك ألوية أخرى من الحشد تحاول الانضمام إلى حشد المرجعية الذي انفصل أخيراً عن مؤسسة الحشد الشعبي". 

المهمة انتهت

في السياق ذاته، قال الباحث والأكاديمي طالب محمد كريم إن "خروج ألوية المرجعية بهذه الطريقة مع عدم وجود تنسيق بينها وبقية الفصائل الأخرى من حيث التوقيت، قد يربك مؤسسة الحشد كهيئة تنضوي تحتها جميع الفصائل التي قاتلت داعش"، مبيناً أن "هذا قد يدفع الحشد إلى دراسة خيارات استراتيجية أخرى".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "انفكاك الألوية التابعة للمرجعية، أحرج بقية الفصائل داخل الهيئة، ولعل زيارة العامري الأخيرة إلى النجف كانت محاولة للملمة الموضوع".

وتابع أن "قيادات الحشد، تحديداً الفصائل القريبة من إيران تعتقد أن هذا التوقيت غير ملائم، لعدم حسم ملف وجود القوات الأميركية، وترى ضرورة تأجيله إلى ما بعد حسم هذا الملف"، لافتاً إلى أن "هذا الخيار قد يضعف موقف الفصائل المناوئة للوجود الأميركي".

وأشار كريم إلى أن "الضربات الأميركية الأخيرة، خصوصاً ضرب مطار تابع للعتبات في كربلاء، أعطى تصورات لفصائل المرجعية بأن ما حدث رسالة أنها غير مستثناة من الاستهداف وهذا قد يكون أحد عوامل التحفيز للانفكاك".

وختم أن "ما حصل من انفكاك لألوية المرجعية، فتح أفقاً جديداً للكاظمي في التعاطي مع قضية الحشد، لكن ذلك مرهون بحسم ملف الوجود الاجنبي في العراق".  

مؤسسة رديفة للدولة

في المقابل، قال صحافي رفض الإفصاح عن هويته، إن "انفكاك ألوية المرجعية عن هيئة الحشد الشعبي، جاء على إثر عدم استشارتهم في تعيين القيادي في كتائب حزب الله أبو فدك المحمداوي، نائباً لرئيس الهيئة".

وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "حشد المرجعية يريد أن يكون عنصراً فاعلاً في صناعة القرار داخل الهيئة، لكنه استشعر محاولات إبعاده عن صناعة القرار الإداري والعسكري داخل الهيئة من قبل العناصر الولائية فيها".

وبيّن أن "مكمن الصراع هو تحوّل الحشد إلى مؤسسة رديفة للدولة تتّخذ مواقف سياسية، فضلاً عن تعريف هوية الحشد بعد تحرير البلاد من داعش"، مردفاً أن "حشد المرجعية يرى ضرورة الانضمام إلى لواء القيادة العامة للقوات المسلحة، ويخالف بهذا الأهواء السياسية للفصائل الولائية".

وأشار إلى أن "من ضمن الإشكالات الأخرى، التفرقة بالدعم المالي والعسكري، فضلاً عن إضفاء صفة مرجعية أخرى على الحشد، فيما يرى السيستاني أن له الفضل في تأسيسه"، لافتاً إلى أن "هذا الانشقاق كاد أن يحصل في السابق، وكان يتم وأده في اللحظات الأخيرة، تحت يافطة خطر داعش ودعم الدولة والقوى المذهبية الواحدة".

وأوضح أن "ما حدث سيؤدى إلى قيام حشدين، الأول ولائي يمسك بهيئة الحشد الشعبي بما لها من موارد مالية وسلطة، وآخر تابع لمرجعية النجف، يحاول كسب رضا الجمهور ويمثل الهوية العراقية ويتماهى مع قرارات الدولة"، مبيناً أن "توحيد الحشد معتمد على مساعي الحكومة المرتقبة في إمكانية حلّ تلك الإشكالات".

مواجهة محتملة

أما الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي، فاعتبر أن "ولاءات الفصائل المسلحة داخل هيئة الحشد إلى إيران هو الذي أوجد الإشكالية داخل الحشد، خصوصاً كون السيستاني هو المحفز الرئيس لتأسيسه".

وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "ما جرى هو عملية عزل بين الأجنحة التابعة للسيستاني عن بقية الفصائل الولائية، خصوصاً مع الخلاف بين مرجعية النجف وإيران"، مردفاً "ما حصل سحب البساط من تحت أقدام الفصائل الولائية".

وأشار إلى أن "ما حدث جرس إنذار لبدء مواجهة في الأشهر المقبلة بين الفصائل أو بينها والحكومة"، متوقعاً، "حصول احتكاك بين سرايا السلام وبقية الفصائل الولائية في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وعدم وجود رواتب".

وتابع أن "الصدر لطالما وصف الفصائل المسلحة بأنها ميليشيات وقحة، وقد يستغل هذا الأمر في اتّخاذ مسار مشابه لمسار المرجعية في موقفها الأخير".