هل ستعترف "حماس" بفشل سياساتها؟

آخر تحديث 2020-05-20 00:00:00 - المصدر: الحرة

ترتفع أرقام الإصابات بفيروس كورونا في الكويت بمقدار ألفي بشكل يومي تقريبا، الأرقام منذ أيام تتراوح بين 800 إلى ألف يوميا، أغلبية هذه الأرقام للأجانب المقيمين في الكويت. بذات هذا المعدل تقريبا، ترتفع أرقام دول الخليج التي تمتلئ بالمقيمين من الجنسيات الأخرى. 

كنت قد أشرت في المقال السابق إلى الآثار المرضية النفسية لجائحة كورونا والتي تتمثل في منطقتنا الخليجية تحديدا في علاقتنا بالأجانب المقيمين في بلداننا وهي العلاقات المتسمة بالتوتر أصلا، والتي قد تأخذ انحناءة حادة مرعبة هذه الأيام.

منذ بداية ظهور الجائحة، كان هناك تمييز، أقل ما يقال عنه أنه أغبى أنواع التمييز، حول العالم كله ولكن بكثافة في أميركا تحديدا، تجاه الشرق آسويين، حيث تعرض الأشخاص من الأصول الشرق آسيوية لمضايقات لفظية وصلت حد التعدي الجسدي جراء النظر لهم على أنهم حملة و"موزعي" الفيروس، وكأن الفيروس هذا يتوارث جينيا، أو يتأصل في الجسد طبقا لشكل العينين ولون الشعر. 

الخوف والصراع من أجل البقاء يعمي العينين ويحيل البشر كائنات بدائية غريبة ليس بينها وبين المنطق أي حبال وصل. فإذا كان البشر مستعدون لتبني تمييزا وعنصرية بغباء تلك الموجة تجاه الشرق آسيويين بناءً على أشكالهم حتى ولو أنهم ولدوا في بلدان أخرى ولم يضعوا قدما في يوم في بلدانهم الأم، فما هي إمكانية تبينهم لعنصريات أكثر "منطقية" وأقدر في "المساعدة" على المحافظة على البقاء؟

كلما ارتفعت أعداد المصابين بين الأجانب ذهبت معه مشاعر النفور والكراهية صعودا هي الأخرى، ولازمته عنصرية مقيتة لا نملك سوى أن نتفهم منابعها، ونقدر المخاوف الكامنة وراءها

مرعبة الفكرة. اليوم كل الأمل معلق على انتهاء الجائحة قبل أن تتصاعد وتيرة الكراهية بيننا حد اللاعودة عن حد العنف، الذي ربما سيشكل تهديدا لوجودنا أكثر من الجائحة بحد ذاتها. لقد بات بيان وزارة الصحة الكويتية الصباحي، بالرغم من هدوء المتحدث باسم الوزارة الدكتور عبدالله السند وجميل كلامه، مصدر توتر كبير بالنسبة لي، ليس بسبب ارتفاع الأرقام، فهذه متوقعة، بل ونحن نعلم منطقيا أننا لم نصل الذروة بعد، إنما تحديدا بسبب ارتفاع أرقام الأجانب عن الكويتيين. 

هذا الارتفاع الذي كلما ذهب صعودا، ذهبت معه مشاعر النفور والكراهية صعودا هي الأخرى، ولازمته عنصرية مقيتة لا نملك سوى أن نتفهم منابعها، ونقدر المخاوف الكامنة وراءها. هذا الوضع الداخلي الكويتي، على ما يصل من خلال وسائل التواصل، متشابه مع حال جيراننا في منطقة الخليج، فأي طريق خطر تأخذنا إليه مخاوفنا؟ 

وعلى قدر ما تخدمنا وسائل التواصل هذه في التعامل مع قضايانا الإنسانية والاجتماعية، على قدر ما هي تنشر مشاعر الكراهية والنفور صوتا وصورة بين الناس. يتداول أهل الخليج الآن صور وفيديوهات لتصرفات بعض المقيمين التي تخرج عن نطاق السيطرة العصبية، حين يذهبون للتشابك مع الشرطة أو التصادم والأوامر الإدارية أو القوانين المحلية. ما أن تنتشر هذه الصور والفيديوهات حتى تبدأ حفلة الكراهية المرعبة، ليأتي نتاجها ليس فقط بالمزيد من الكراهية والنفور والتباعد، ولكن كذلك بطرح مقترحات و"حلول" لا يمكن لعاقل أن يستوعبها. فهل يمكن، على سبيل المثال لبعض المقترحات اللامعقولة، تصور إمكانية "شحن" كل المقيمين إلى بلدانهم دفعة واحدة؟

لقد بات من متطلبات الأزمة أن يكون كل مقيم في منطقة الخليج مثالي، لا يخطئ منهم أحد، لا يخرج عن أعصابه أحد، لا ينهار أحد، لا يظهر كبرياء وعزة نفس أحد، كل مقيم عليه أن يكون مطيعا ملتزما خلوقا طيعا بل وغاية في الامتنان والشكر للدولة التي "تستضيفه".

باختصار، يجب أن يكون كل المقيمين فوق البشر، ملائكة لا تخطئ، وفي حال أتى أحدهم خطأ، أو انهارت أعصابه تحت الضغوط، أو ارتفع صوته بالشكوى، أو أظهرت كلماته كبرياء وعزة نفس فوق ظروفه، انصبغ كل البقية بلحظة خطأ أو انهيار أو "استعلاء" هذا المقيم، وأصبح الجميع أقران "التفاحة الفاسدة" التي هي مصدر خطر مهيمن سيسحب المجتمع بأكمله إلى القاع.

ولأن المقيمين فعليا بشر، بينهم الطيب وبينهم الحكيم وبينهم المتهور وبينهم الخبيث، فإن النوعيات السلبية لا بد أن تظهر على السطح بين الفينة والأخرى كما تظهر النوعيات السلبية بين المواطنين بحد ذاتهم، إلا أن الأخيرين محميين بمواطنتهم لدولهم الثرية، في حين أن الآخرين (الأجانب) مكشوفون. هم مكشوفون بغربتهم، مكشوفون بانتمائهم لدولهم الأم الضعيفة أحيانا ماديا وأحيانا سياسيا، مكشوفون بأقليتهم الأجنبية النفسية وسط أغلبية مواطنية تلعب على أرضها، الحَكم حَكمها والظروف كلها في صفها، مكشوفون بظروفهم الصعبة وأماكن إقاماتهم المكتظة وأصواتهم الضائعة. 

عسانا نجد نهاية هذه الجائحة قريبا قبل أن يأخذ الوضع انحناءة حادة لا نعود بعدها لسابق عهدنا لا في علاقاتنا مع الآخرين

هؤلاء المكشوفون مطلوب منهم أن يلزموا المثالية دائما وفي كل الأوقات، حتى وهم خائفين، جوعى، محبوسين في غرف مكتظة، معدومين من المداخيل، معرضين للأخطار، مطلوب منهم ألا ينسوا الامتنان، وألا يتوقفوا عن الطاعة، وألا يستسلموا لضعف أو غضب، فأوحدهم يمثلهم كلهم، وأي زلة من شخص، ستصبغ الآخرين جميعا بصبغة الشيطنة وستثير الشارع بغضبه المستثار أصلا من ظروف الحجر ومن مخاوف الوباء ومن القلق المستمر.

عسانا نجد نهاية هذه الجائحة قريبا قبل أن يأخذ الوضع انحناءة حادة لا نعود بعدها لسابق عهدنا لا في علاقاتنا مع الآخرين، ولا داخليا مع نفوسنا وضمائرنا. في اللحظات المظلمة، تمسك بقلبي فكرة مرعبة أشبه بما يحدث في أفلام الديستوبيا القاتمة، فإذا بنا نتوحش من أجل البقاء، نرمي خلف ظهورنا في لحظات قوانين ومبادئ إنسانية احتاجت مئات، إن لم تكن آلاف، السنوات لبنائها، ليصبح الشعار البشري بعدها: أنا ومن بعدي الطوفان. من سيبقى منا عندها؟ من سيستطيع الاستمرار؟ 

الحقيقة الساخرة هي أن حتى أبناء البلد الواحد المأخوذين بوحدتهم الوطنية الآن سيقصلهم سيف هذا الشعار، ولن يبقى سوى أقوى الأقوياء وأغنى الأغنياء. هل هذا هو العالم الذي نود أن نعيش فيه؟ لا نتكبر على الأضعف حتى لا تدور الدوائر علينا. إنه قانون الحياة البسيط.