يواجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تحديات سياسية واقتصادية وأمنية عدة، وبالتزامن معها تبرز قضية المغيبين والمختفين قسرياً، التي تتطلب إجراءات حقيقية وسريعة لطمأنة ذويهم، إذ باتت ملفاً متشعباً يحوي آلاف المغيبين منذ بداية المعارك مع تنظيم "داعش" عام 2014.
وتشكِّل هذه المعضلة عقبة أمام استقرار المدن المُحررة من التنظيم، وإضافة إلى هذا الملف يبرز ملف مختطفي احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الذين لم يُكشف عن مصير معظمهم حتى الآن.
وكان الكاظمي أصدر قبل أيام توجيهاً إلى وزارة الداخلية بالكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، لكن ما يزيد تعقيد الأمر أنه يصطدم بعدة عراقيل، أبرزها أن اتهامات عدّة طالت جهات حزبية وفصائل مسلحة موالية إيران، بالقيام بعمليات خطف منظّمة سواء في المعارك مع تنظيم "داعش"، أو في التعامل مع ملف الاحتجاجات الأخيرة، ما يزيد من الأعباء الواقعة على حكومة الكاظمي، وينذر ببداية صدام مع الجهات السياسية الداعمة تلك الفصائل في حال اتخذت الحكومة إجراءات حقيقية بهذا الصدد، حسب مراقبين.
مناشدات ذوي المختطفين بلا استجابة
وتستمر الحملات الإعلامية للناشطين في إطار الكشف عن مصير المختطفين في أثناء انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولقضية الناشط والمحامي المختطف علي الهليجي خصوصية، كونه اُختطف مطلع أكتوبر مع انطلاق الموجة الأولى للاحتجاجات.
فضلاً عن تنظيم مثقفين وكتّاب حملات تطالب بالكشف عن مصير الناشر والكاتب مازن لطيف، والصحافي توفيق التميمي الذي يعمل في جريدة "الصباح" شبه الرسمية، إضافة إلى آخرين مجهولي المصير، في حين يتهم ناشطون فصائل تابعة للحشد الشعبي بالقيام بتلك العمليات بتسهيل حكومي.
في المقابل، قال جاسب الهليجي، والد المُختطف علي الهليجي، "عندما أصبح الكاظمي رئيساً للوزراء استبشرنا خيراً، خصوصاً نحن ذوي المفقودين"، مردفاً "مناشداتنا وصلت إلى مكتب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، إلا أنهما حتى الآن لم يستجيبا".
واتهم، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، ميليشيات مسلحة بخطف ابنه، مضيفاً، "الخاطفون جزء من الدولة، لأن كثيراً من الأحزاب المُسيطرة على الدولة تمتلك ميليشيات مسلحة".
وكشف عن توصّل الجهات المعنية إلى معلومات عمّن اتصلوا بابنه واستدرجوه للقيام بخطفه، قائلاً "الدولة تهاونت في التعامل مع القضية، على الرغم من صدور أوامر قبض بحق هؤلاء الخاطفين"، بينما طالب "الجهات المعنية بالكشف عن مصير ابنه سواء كان مقتولاً أو لا يزال على قيد الحياة".
آلاف المغيبين والغالبية قتلوا
وبالتزامن مع هذا الملف، تتحدّث شخصيات وكتل سياسية سنية عن 12 ألف مغيّب منذ سنوات، في محافظات ديالى والأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك، فضلاً عن مناطق حزام بغداد، في حين لم تحسم هذه القضية على الرغم من تعاقب عدة حكومات في السنوات الماضية.
من جانبه، قال النائب في جبهة الإنقاذ والتنمية عبد الكريم عبطان، "لدينا قاعدة بيانات تضم أسماء غالبية المغيبين، وفاتحنا الجهات الرسمية بهذا الأمر".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "بعض الأطراف المسؤولة عن هذا الملف معروفة، وهذا ما أيّدته الجهات الرسمية"، مردفاً "لم نعلن الجهات المسؤولة. بانتظار إجراءات الحكومة"، متوقعاً "عدم تراجع رئيس الوزراء عن هذا الملف".
واتهم جهات مسلحة لم يسمها بالقيام بهذا الأمر، مبيناً أن "بعض القوات الأمنية الممسكة بالأرض تعرف تفاصيل التغييب".
وأشار إلى أنه "في حال عدم الكشف عن مصير المغيبين والجهات المسؤولة عن تغييبهم سنعلن التفاصيل الكاملة للقضية"، معرباً عن اعتقاده أن "غالبية المغيبين قتلوا".
وعن مختطفي احتجاجات أكتوبر، قال عبطان "الدفاع والمطالبة بالكشف عن مصير مغيبي الاحتجاجات واجبٌ وطنيٌّ، وأصدرنا بحدود عشرة بيانات حول الأمر، والملفان مرتبطان ببعضهما بعضاً".
ثمانية آلاف شكوى
في السياق ذاته، قال علي البياتي، عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، "المفوضية تتعامل مع حقوق الإنسان على أساس الاتفاقات الدولية التي وقّعها العراق في ما يخص حماية الأشخاص من الاختفاء القسري"، مبيناً "ملف المغيبين كان أبرز الملفات التي عملت عليها المفوضية منذ بداية تشكيلها عام 2017".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "عدد الشكاوى بلغ 8615 منذ بداية عام 2017، في حين وصل عدد من كشف عن مصيرهم إلى نحو 125 حالة فقط، كانوا بين معتقلين لدى جهات أمنية ومحكومين بقضايا إرهاب، وبعضهم تُوفِّي داخل السجون"، مبيناً أن "هذا تغييب للضمانات القانونية".
وكشف البياتي، أن "المفوضية كانت تأخذ الشكاوى ونفاتح الجهات الرسمية، وهي وزارة العدل والجهات الأمنية، ولا تأتي الإجابة من تلك الجهات".
وتابع، "عدم توفر قاعدة بيانات للمعتقلين والموقوفين والنازحين يعقّد إمكانية الوصول إلى نتائج بهذا الصدد، فضلاً عن عدم حسم ملف المقابر الجماعية وتفاصيل الضحايا في فترة سيطرة تنظيم داعش الذي يحوي على الأقل 12 ألف ضحية".
وعن توثيق حالات الاختطاف في فترة الاحتجاجات، لفت إلى أن "حالات الاختطاف الموثقة بلغت 75 حالة، أُطلق سراح 22 منهم، والباقون لا يزالون مجهولي المصير"، مبيناً أن "وجود هؤلاء ضمن مناطق داخل سلطة الدولة يعني أن هذا تغييب، ويدخل في سياق الاختفاء القسري".
وأشار البياتي إلى أنه "ضمن الاتفاقية الدولية التي وقّع عليها العراق، فإنه في حال عدم قيام الجهات الوطنية بإجراءات المساءلة والمحاكمة والإنصاف فمن حق الجهات الدولية التدخل بشكل مباشر".
مصداقية على المحك
ويترقب الناشطون جدية تعاطي الكاظمي مع ملف قمع الاحتجاجات، معتبرين أن هذا يعد الاختبار الأول لحكومته، حول جديتها بتلبية مطالب المحتجين.
وفي المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر، "توجد تساؤلات عدة حول ملف المغيبين في فترة المعارك مع تنظيم داعش، ومشكلة هذا الملف أنه بات خاضعاً للمزايدات وحالات الابتزاز السياسي، وحتى الآن لا نعرف إذا ما جرى التعاطي معه بطريقة مؤسساتية أم أنه يتوقف عند حدود التصريحات الإعلامية".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "لا يمكن الدمج بين المغيبين في فترة الاحتجاجات وحرب (داعش)، إذ إنّ فتح ملف مغيبي فترة الحرب مع التنظيم ربما يؤدي إلى فتح ملفات أخرى تتعلق بإشكالات في إدارة الملف الأمني"، مبيناً "هذه قد تخضع للضغوط والمساومات، ولعل التسويات السياسية لا تسمح بفتح ملفاتها".
وأشار العنبر إلى أنّ "ملف المخطوفين في فترة الاحتجاجات يضع مصداقية رئيس الوزراء على المحك، لأنه حدث في فترة قريبة، وكان الكاظمي يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات".
وتابع، "هذا الملف يحتاج إلى مصداقية ومكاشفة، فضلاً عن تبيان طريقة الاعتقال، وهل جرت بأوامر قضائية أم بمزاجات شخصية؟"، لافتاً إلى أن "حسم هذا الملف سيُعيد الاعتبار إلى المؤسسة الأمنية".
وختم، "حسم الملف يتطلب إعادة تفعيل دور المؤسسات، ويجب تشكيل هيئة قضائية للنظر في دعاوى المتضررين"، مبيناً أن "إحالته إلى هيئة قضائية بعيداً عن التجاذبات السياسية سيكون نصراً للدولة العراقية ومقدمة لإعادة ثقة المواطن بالدولة".
قرار سياسي
أمّا الناشط علاء ستار فيعتقد أن "الميليشيات هي المسؤولة عن عمليات الاختطاف، وهذا يُعقِّد إمكانية كشف الأجهزة الأمنية عن مصيرهم، لأنّ الخاطفين ينتمون إلى مجموعات خارج أجهزة الدولة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "الدولة لا تمتلك الأدوات اللازمة لمعرفة مصيرهم بسرعة، رغم أن عمليات الاختطاف حدثت تحت أنظار الجهات الأمنية".
وتابع، "إخراج أي ناشط مغيب أو مختطف يعتمد على القرار السياسي، وحسم الملف متعلق بمدى إمكانية تسليط الضغط على الجهات المسؤولة".
وأشار إلى أن "حكومة الكاظمي حتى الآن تعتمد الترويج الإعلامي فقط، ويجب وضع جدول زمني لحل تلك الإشكالية"، لافتاً إلى أن "المحتجين أعطوا مهلة 25 يوماً للحكومة للبدء بإجراءات جدية في هذا الإطار. وعدم وضع سقوف زمنية لعمل هذه اللجان يعني أنها محاولات للتسويف والمماطلة".