حزب الله يتراجع في لاسا اللبنانية.. ويترك "الأهالي" في مواجهة الكنيسة 

آخر تحديث 2020-05-27 00:00:00 - المصدر: الحرة

عادت بلدة لاسا في قضاء جبيل إلى الواجهة، الملف القديم الجديد نفسه النواع بشأن الأراضي، فيوم أمس الثلاثاء، وبحسب بيان صادر عن أبرشية جونية المارونية، منع بعض أهالي البلدة أشخاصا من أن يصلوا إلى أراضٍ في المنطقة، كانوا ينوون زرعها ضمن مبادرة أطلقتها المطرانية بالتعاون مع شركة جرجي الدكاش وجمعية أرضنا، في سياق حملات التكافل الاجتماعي في مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان، والذي ازداد نتيجة جائحة "كوفيد - 19". 

والخلاف حول العقارات في لاسا ليس بجديد، بل تعود جذوره إلى أيام السلطنة العثمانية، وتبلور أكثر في سبعينيات القرن الماضي، بسبب طريقة توزيع الأرض، واعتراض أهالي البلدة، من الطائفة الشيعية، على طريقة المسح التي حصلت والتي اعتبروها ظالمة بحقهم، بينما ترى الكنيسة أن المسح عادل ولا غُبار عليه. 

دخول حزب الله طرفاً في هذا الخلاف أعطاه بعداً آخر. صار الخلاف سياسياً ووجودياً للطرفين، واستفاد قسم من أهالي البلدة من سطوة حزب الله على البلد ليحاول أن يستعيد ما يقول إنها حقوقه. 

لكن طريقة تعاطيهم في هذا الملف، حوّلهم من "أصحاب حق" كما يقولون إلى سلطويين يستفيدون من سلاح حزب الله وقدراته ليمارسوا سطوتهم على من يُخالفهم الرأي، ولم يعترض الحزب على هذا التصرف بالرغم من تحالفه مع التيار الوطني الحر الذي يقول أنه يُمثل جزءاً وازناً من المسيحيين. 

استفاد الحزب من هذا الواقع ليُعيد أهل لاسا إلى بيت طاعته، فقدم لهم الدعم في كُل ما يطالبون به، من دون أن يكون للتيار العوني أي موقف منذ أن وقع تفاهمه الشهير مع الحزب عام 2006 الذي عُرف بتفاهم مار مخايل. 

الأخير، أي الحزب، استغل الأهالي في معركته مع النائب السابق فارس سعيد، وما كان يُعرف بقوى 14 آذار. كانت لاسا وأهلها فرصة للحزب استغلها إلى أقصى ما يمكن كما يقول أحد أبناء البلدة لموقع "الحرة". 

يروي بعض أهل لاسا المعترضين ما حصل، يقولون: "تُقدم الكنيسة الأرض ليستثمرها أناس من خارج لاسا وهذا ما شكل امتعاضا لدى الأهالي، فحصل اتفاق مع الكنيسة والمسؤولين عن المشروع بأن يحصل أهل لاسا على حصة مثلهم مثل غيرهم ليزرعوا الأرض، وهذا ما حصل، إلا أنه تبيّن أن الحصص التي قُدمت لأهالي البلدة هي أراضٍ متنازع عليها، وبالتالي هذا الأمر سيؤدي إلى خلاف بين أهل البلدة أنفسهم وهذا ما جعل أهالي القرية، وعلى رأسهم الشيخ محمد العيتاوي، يعترضون وبالتالي قرروا الوقوف بوجه المشروع ككل". 

في المقابل، هناك رواية أخرى يرويها النائب في القوات اللبنانية شوقي الدكاش وهو أحد القيمين على مشروع زراعة الأراضي، يقول لموقع "الحرة": "نحن نقوم بمشاريع زراعية لأهالي المنطقة منذ 20 سنة، وأردنا بالتعاون مع أبرشية جونية أن نُقدم أرضاً لمواطنين من المنطقة ليزرعوا ويستفيدوا منها في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لنفاجأ منذ أكثر من 10 أيام بأن البعض لم يسمح لهم الوصول إلى الأرض. تواصلنا مع المعنيين وحاولنا أن نحل الأمور بهدوء، وتعبيراً عن نيتنا الحسنة، قمنا بزيادة الحصص من 50 إلى 62، والـ12 حصة كانت لأهالي لاسا". 

يضيف الدكاش: "هذا الاتفاق كان نتيجة لقائنا بممثلين محليين لأهل لاسا وموفدين من خارج المنطقة انتهت إلى توافق وشبك الأيدي. لكن، مع الأسف الشديد، تفاجأنا مجدداً بالأمس بالاعتداء على الناس الذين توجهوا لمباشرة العمل بالأرض. فانتشر أطفال يحملون السكاكين وشبان مسلحين بالعصي والحجارة انهالوا بها على الناس وسياراتهم مهددين ومتوعدين".

من جهته، قال راعي أبرشية جونية وضواحيها المطران، نبيل العنداري، "في كلّ مرّة كنّا نواجه هذه الأمور بالتعقّل واللجوء إلى القضاء والقانون، ولا نبادل الاستفزاز بمثله، لكن الأمور بلغت إلى حدّ مأزوم لا يمكن السكوت عنده، بخاصّة بعد الاتصالات بالمرجعيّات الحزبيّة والدينيّة، الّتي تنصّلت من المسؤوليّة".

وأكّد في مؤتمر صحافي في مطرانية جونية: "نحتاج إلى تدخّل المراجع القضائية والأمنيّة سريعًا، وعدم التهرّب من المسؤوليّة كي لا تتفاقم الأمور". 

وقال العنداري: "حريصون على السلم الأهلي والعيش المشترك، نحن أهل هذه الأرض ولسنا غزاة كما تقولون. لا تزوّروا التاريخ، ولا تحرجونا فتخرجونا"، مناشدا "المجلس الشيعي الأعلى وكلّ المرجعيّات والأحزاب والقيادات الأمنيّة لضبط التصرّفات الشاذّة، والاستمرار في حفظ السلم الأهلي".

وتقول المعلومات من مصادر مختلفة بعضها قريب من حزب الله أن الأخير طلب من رئيس البلدية رمزي المقداد أن يكون متعاوناً، لأن الحزب لا يريد في هذه الظروف بالذات أي خلاف في المنطقة، وهم أوعزوا لعناصرهم بأن يلتزموا الحياد ولا يتدخلوا، بعد ما جرى يوم أمس، وبالتالي انسحب عناصر الحزب، فيما أيضاً وبحسب المعلومات، لعب المفتي الجعفري دوراً في تهدئة الناس والوصول إلى اتفاق مُشترك كي لا تتطور الأمور. 

تراجع حزب الله عن تغطية الأهالي يأتي في وقت يُعطي المكون المسيحي المتحالف معه إشارات كثيرة بأنه بدأ يُهدد بفك ارتباطه بالحزب المسلّح، لكنه اليوم لم يعلق على ما جرى في قضاء جبيل، وهناك من يضع تكتيك التيار العوني في إطار ابتزاز حليفهم لقضايا لها علاقة بالسياسة وباستثماراتهم في مؤسسات الدولة وليس لاستشعارهم بخطر العقوبات الداهم عليهم، وهو نقاش يبدو أنه بدأ يُفتح في أوساط تكتل لبنان القوي لكن بشكل محدود إلى الآن. 

يقول النائب السابق فارس سعيد: "المكوّن المسيحي في البلد هو اليوم في الحكم ويقول إن العهد قوي وهو حريص على المسيحيين. فليتفضل هو ومن دعمه للوصول إلى بعبدا بحماية أرزاق وأراضي الكنيسة المارونية". 

أما النائب زياد حواط، فيقول: "أما أن يكون لدينا دولة وقضاء وإما نحن نفتح الباب لتحكمنا شريعة الغاب. نحن لن نتعاطى في هذا الموضوع إلا من خلال الدولة. فائض القوة أوصل البلد إلى انهيار. لا يُمكن لهم أن يستمروا بهذا النهج".