تستمر الانتهاكات التركية للسيادة العراقية، بقصف أهداف عدة تابعة لحزب العمال الكردستاني، فضلاً عن توغل قوات من الكوماندوس التركية داخل الأراضي العراقية، في مقابل رد عراقي لم يتجاوز حدود مذكرات الاحتجاج، فيما انضمت إيران أيضاً للهجمات لتنفذ هي الأخرى عمليات عسكرية على الحدود بين البلدين.
ولعل استمرار العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية يعطي انطباعاً بأن الحكومة العراقية غير قادرة على اتخاذ مواقف صارمة إزاء هذا الاعتداء، فيما يرى مراقبون أن تركيا تعتمد على اتفاقات سابقة بين البلدين تتيح لها القيام بعمليات عسكرية على الحدود.
وكانت وزارة الدفاع التركية، قد أعلنت عن إطلاق عملية عسكرية جديدة شمال العراق. وقالت في بيان إن العملية التي أطلقت عليها اسم (المخلب-النمر) بدأت، مضيفة أن عناصر وحدات الكوماندوس دخلوا إلى منطقة "هفتانين".
تركيا واختلال الأمن بالمنطقة الحدودية
وللمرة الثانية، استدعت وزارة الخارجية العراقية، الخميس 18 يونيو (حزيران)، السفير التركي في البلاد فاتح يلدز، وسلمته مذكرة احتجاج ثانية على خلفية تجدد الانتهاكات التركية.
وذكرت الخارجية، في بيان، أن "العراق يستنكر بأشد عبارات الاستنكار والشجب معاودة القوات التركية يوم 17 يونيو الحالي انتهاك حرمة البلاد وسيادتها بقصف ومهاجَمة أهداف داخل حدودنا الدولية".
وأضافت "فيما نؤكد رفضنا القاطع لهذه الانتهاكات التي تخالِف المواثيق والقوانين الدولية نشدد على ضرورة التزام الجانب التركي بإيقاف القصف، وسحب قواته المعتدِية من الأراضي العراقية التي توغلت فيها أمس ومن أماكن وجودها في معسكر بعشيقة وغيرها".
وأردفت، أن "الحكومة العراقية تؤكد أن تركيا كانت السبب في زيادة اختلال الأمن بالمنطقة الحدودية المشترَكة في ما بيننا؛ إذ تسببت (مبادرة السلام) التي اعتمدتها مع حزب العمال الكردستاني عام 2013 بتوطين الكثير من عناصر هذا الحزب التركي داخل الأراضي العراقية من دون موافقة أو التشاور مع العراق؛ مما دعانا إلى الاحتجاج حينها لدى مجلس الأمن".
وأشارت إلى أنها "استدعت السفير التركي في العراق مجدداً اليوم، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة داعية إلى الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية، والخروقات المرفوضة"، مطالبة الحكومة التركية أن "تستمع إلى صوت الحكمة، وتضع حداً لهذه الاعتداءات وكذلك احتفاظ العراق بحقوقه المشروعة في اتخاذ الإجراءات كافة التي من شأنها حماية سيادته وسلامة شعبه بما فيها الطلب إلى مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية والدولية على النهوض بمسؤوليتها".
وكانت قيادة العمليات المشتركة قد استنكرت في وقت سابق، اختراق أجواء البلاد من قبل الطائرات التركية، مضيفة أنها استهدفت مخيماً للاجئين قرب مخمور وسنجار.
أما البرلمان العراقي، فقد استنكر الحادثة، معتبراً أن "القوات التركية ما زالت تمارس اعتداءاتها وقصفها المتكرر، في خرق واضح للسيادة الوطنية، وتهديد سافر ومتكرر لأمن المدنيين وممتلكاتهم".
زيارة رئيس الاستخبارات التركية
وبالتزامن مع الهجوم التركي، أفادت وسائل إعلام محلية، الثلاثاء، أن بلدة في قضاء العمادية شمال العراق شهدت قصفاً تركياً وإيرانياً، استهدف مقرات لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا "إرهابياً"، فيما قامت إيران باستهداف الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض.
ولعل الأمر اللافت في العمليات العسكرية الأخيرة هو أنها جرت بعد التسريبات التي تحدثت عن زيارة سرية لرئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان لبغداد الأسبوع الماضي، إذ أشارت التسريبات إلى أن الزيارة ناقشت ملف حزب العمال الكردستاني.
ولعل الإشكالات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعاني منها البلاد في الفترة الحالية تعقد حسم ملف الانتهاكات للسيادة العراقية بالنسبة إلى حكومة مصطفى الكاظمي، فضلاً عن قضية المياه العالقة بين بغداد وأنقرة.
تناغم بين أربيل وأنقرة
وفي مقابل نفي الحزب الديمقراطي الكردستاني الأقاويل المتعلقة بتعاونه مع أنقرة في قصفها معاقل حزب العمال الكردستاني، يرى مراقبون أن أربيل تغض النظر عن التدخلات التركية لأنها تعزز إمكانية سيطرتها على قضاء سنجار في محافظة نينوى، ولعل سيطرة بعض الفصائل داخل هيئة الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني على القضاء، يعزز تلك الفرضية.
في السياق، قال أستاذ الجغرافيا السياسية دياري الفيلي إن "حديث السيادة يجب أن لا يقتصر على الطرف الأميركي، بل يجب أن يشمل جميع الانتهاكات الإقليمية أيضاً".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "تعاطي الحكومة العراقية مع الانتهاك التركي أوصل رسائل سلبية ستعطي ضوءاً أخضر لكل الدول الإقليمية لتصفية حساباتها على الساحة العراقية"، مبيناً أن "هذا الأمر قد ينعكس سلباً على الجولة المقبلة للحوار مع واشنطن".
وأشار إلى أن "أربيل تعتبر نشاط حزب العمال الكردستاني تهديداً حقيقياً لدورها المستقبلي في الإقليم، وهناك رغبة معلنة لديها في تصفية قواعده، تحديداً في سنجار"، مردفاً "هذا الأمر يتناغم مع الرؤية التركية التي ترى أن حزب العمال يشكل خطراً على المجال الحيوي للنفوذ التركي في نينوى".
وتابع أن "ما يجري يعطي انطباعاً بأن هناك نوعاً من الترتيب بين أربيل وأنقرة للقيام بعمليات كهذه".
تقسيم محافظة نينوى
ولفت الفيلي إلى أن "العلاقة بين بعض الفصائل داخل هيئة الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني والتي انتجت جناحاً عسكرياً تحت عنوان قوات حماية سنجار، يهدد مصالح أنقرة وأربيل في المحافظة".
وأشار إلى أن "هناك أطرافاً تسعى إلى تقسيم محافظة نينوى إلى أربعة أجزاء هي: الموصل وتلعفر وسهل نينوى وسنجار"، مستدركاً أن "أربيل وأنقرة تدفعان باتجاه تحول سنجار إلى محافظة تلتحق بإقليم كردستان والعائق الرئيس أمام هذا هو الحشد الشعبي والعمال الكردستاني".
وختم أن "انهيار وحدة محافظة نينوى ستكون بوابة تشظي الوحدة الجغرافية للعراق".
"أكاذيب ملفقة"
من جانبه، قال ريبين سلام، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني في تصريحات صحافية، إن "حزب العمال الكردستاني يتحمل رد الفعل التركي، لأنه يتخذ من أراضي الإقليم مقراً لانطلاق عملياته"، مبيناً أن "ما يقال حول تعاون الحزب الديمقراطي الكردستاني مع تركيا أكاذيب يتم تلفيقها من قبل جهات سياسية كردية".
وتابع أن "حزب العمال مدعوم من إيران، ويراد جعل منطقة قنديل منطقة صراع يدفع ضريبته الإقليم والمواطن الكردي، ولولا حزب العمال لما تجرأت تركيا بالتقدم خطوة واحدة"، مردفاً "كلما رفضنا القصف يقولون أوقفوا هجمات حزب العمال ضدنا".
وبين سلام أن "تركيا تستند بقصفها وتوغلها إلى اتفاقية سابقة مع الحكومة العراقية في فترة حكم صدام حسين عام 1988 تتيح لها التقدم داخل الحدود لحماية أراضيها".
ضغط متزامن مع حوارات بغداد- واشنطن
إلى ذلك، قال الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني إن "الاعتداءات الأخيرة التي حصلت من قبل تركيا وإيران في وقت متزامن، تبين أن البلدين يسعيان للضغط على العراق في ما يتعلق بالحوارات بين بغداد وواشنطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "أنقرة تسعى إلى تحييد الملف الكردي وتحديداً ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني ونفوذها في محافظة نينوى عن الحوارات بين الولايات المتحدة والعراق".
ولفت إلى أن "غياب الموقف الأميركي عما يجري يعد رسالة منها بأنها لن تقوم بمساعدة العراق في الدفاع عن السيادة من دون اتفاقات ملزمة وحقيقية"، مردفاً "تحسن العلاقة بين بغداد وواشنطن لا يعني وضع خطط للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين من دون اتفاقات".
وأشار إلى أن "الكاظمي لا يمتلك أوراق ضغط حقيقية على إيران وتركيا وليس أمامه سوى تقديم مذكرات احتجاج".
اتفاقات حكومة عبد المهدي
أما الكاتب والصحافي مصطفى ناصر فرأى أن "الاتفاقات بين حكومة عادل عبد المهدي وتركيا وإيران حول ملاحقة حزب العمال الكردستاني هي التي أعطت المجال للهجوم الأخير"، مبيناً أن "حكومة الكاظمي تتحمل خرق السيادة لكنها عاجزة في الوقت الحالي عن التعاطي بأكثر من البيانات".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "واشنطن لن تتدخل في هذه القضية لأن حزب العمال ليس على وفاق معها ولا يخدم مصالحها في المنطقة".
وأشار إلى أن "حزب العمال يشكل عائقاً أمام مصالح إقليم كردستان العميقة والاستراتيجية مع تركيا، ما يدفع الإقليم لغض النظر عن العمليات الأخيرة".