قدّمت الحكومة العراقية رسالة اعتراض على قرار مفوضية الاتحاد الأوروبي بإدراج العراق على القائمة المنقحة للدول عالية المخاطر بشأن غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وأعرب وزير خارجيتها فؤاد حسين لنظرائه الأوروبيين عن خيبة أمل العراق الذي "حقق تقدمًا كبيرًا أدى إلى شطبه في عام 2019 من قائمة البلدان التي تعاني من قصور ستراتيجي" في مكافحة هذا الملف.
بسبب القصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أظهرت وثيقة من المفوضية الأوروبية شمول العراق في قائمة الدول التي تشكل تهديدًا على النظام المالي للاتحاد
وقال وزير الخارجية إن العراق "استوفى المعايير التي وضعتها مجموعة العمل المالي (FATA) والمعايير المنصوص عليها في توجيه الاتحاد الأوروبي سنة 2015 وعالج جميع أوجه القصور والثغرات التي أبرزتها المفوضية ولم يتلقَ أي رد سلبي من الهيأة حتى اعتماد اللائحة المذكورة في 7 آيار/مايو".
اقرأ/ي أيضًا: بيروت تبحث عن "طوق نجاة ووساطة".. ماذا سيجني العراق في المقابل؟
وأظهرت مسودة وثيقة من المفوضية الأوروبية في آيار/مايو الماضي تؤكد شمول العراق إلى جانب أفغانستان وسوريا واليمن وإيران وكوريا الشمالية ودول أخرى في قائمة الدول التي "تشكيل تهديدًا كبيرًا على النظام المالي للاتحاد" بسبب أوجه قصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وقال نائب الرئيس التنفيذي للمفوضية فالديس دومبرو فيسكيس في 7 آيار/مايو الماضي إن الاتحاد "بحاجة إلى وضع حد للأموال القذرة التي تتسلل إلى نظامه المالي ومواصلة تعزيز دفاعاتنا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
كانت المفوضية الأوروبية قد أقرت العام الماضي عدم تنفيذ بنوك الاتحاد الأوروبي "القواعد بشكل سليم"، وقالت المفوضة القضائية فيرا جوروفا إن هناك "قواعد صارمة لمكافحة غسل الأموال على مستوى الاتحاد الأوروبي لكننا نحتاج من جميع الدول الأعضاء تنفيذها على أرض الواقع".
وجاء اقتراح المفوضية لتلك القواعد عقب هجمات الإرهابية على العاصمة الفرنسية في 2016 من أجل منع عمليات تمويل الإرهاب وتحجيم الجرائم المالية.
مالذي حدث؟
تصدر المفوضية تقريرًا سنويًا حول قضايا غسل الأموال ومكافحة الإرهاب وتراعي عوامل ومتغيرات منها الوضع الأمني، وفي حالة العراق، ملف الميليشيات المرتبطة بإيران الذي كان سببًا أساسيًا في إدراجه على القائمة بحسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني الذي قال إن "مقتل الخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي أدى إلى خروج التقرير بهذه السرعة".
لفت المشهداني في حديث لـ"ألترا عراق" إلى أن واضعي التقرير الذي يضم 28 دولة "يعتبرون العراق الساحة الخلفية لإيران حيث تجري عمليات غسل الأموال لصالحها وتجارة المخدرات والتهريب وتمويل العمليات الإرهابية كجزء من تخفيف الضغط المالي الذي بدا تأثيره واضحًا بفعل العقوبات الاقتصادية على طهران".
دخل العراق بمفاوضات مع منظمة (الافتا) بحسب المشهداني، وكان في المنطقة الرمادية، واضطر إلى تشريع قانون جديد لغسيل الأموال وتطبيقه لتجنب الدخول بالمنطقة السوداء.
خبير اقتصادي: مقتل الخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي أدى إلى خروج التقرير بهذه السرعة
وشرّع قانون 30 لسنة 2015 وبدأ بتطبيقه في الأول من كانون الثاني/يناير 2016 لكنه "غير مؤهل لتطبيقه" برأي المشهداني كون "الكثير من المصارف أفلست لعدم وجود ضمانات من البنك المركزي قبل أن يشكّلوا الآن شركة ضمان الودائع".
اقرأ/ي أيضًا: آخر بحوث الهاشمي: كابوس الجماعات المنشقة.. من صولة المالكي إلى ليلة الكتائب
يقول المشهداني: "مضت ثلاثين سنة من الانقطاع عن التعامل مع المصارف". هناك 70% من العملة المصدّرة (نحو 41 تريليون دينار) عند الجمهور في بيوتهم وليست في المصارف لـ"عدم ثقة العراقيين بالمصارف". بالتالي فأن المصارف تسأل عن الأموال حين يودعها المواطن، لذا "لم يفعّل القانون ولم يزد عدد المتعاملين مع المصارف، ناهيك عن الكذبة الكبرى المسماة توطين الرواتب التي أجبروا الموظفين عليها، حيث تُسحب فور نزولها".
الوزير يستغرب!
رغم ذلك، أكد وزير الخارجية فؤاد حسين اتخاذ العراق "التدابير لتعزيز إطاره القانوني منذ اعتماده اللائحة السابقة من قبل المفوضية الأوروبية عام 2016".
وأشار إلى تقرير لمجموعة العمل المالي (FATF) يصف إجراءات العراق الوقائية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بـ"القوية والراسخة"، وطالب حسين المفوضية "بالشفافية وضرورة الاستماع إلى ما أبداه العراق من التزام واضح بالمعايير ذات الصلة"، مبديًا استغرابه من "تبرير اللجنة لقرارها بشأن العراق".
لكن خبيرًا اقتصاديًا دعا الوزير إلى عدم الاستغراب كون "الأزمة المالية اللبنانية قد كشفت وجود مليارات الدولارات من أموال النفط العراقي موضوعة من قبل حكومة إقليم كردستان في بنوك لبنان دون علم الحكومة العراقية، وهذه العملية ربما قد ألقت بمزيد من علامات الاستفهام على ملف العراق المالي، والوزير كان مديرًا لمكتب رئيس الإقليم".
أولى التبعات.. القروض
لقرار المفوضية الأوروبية تأثير اقتصادي واجتماعي ضار على العراق كما حذّر وزير خارجية الأخير، ويتعين على المصارف والشركات المالية بذل المزيد من التدقيق والفحص والحذر في تعاملاتها مع الدول المندرجة في اللائحة.
تعطي مؤسسات التصريف الدولية كصندوق النقد الدولي و(S&P) المعنية بتصنيفات الدول والمؤسسات المالية تصنيفًا دوليًا للعراق (B-)، ووفق هذا التصنيف يمكن للعراق الاقتراض بشروط غير ميسّرة، بمعنى سعر فائدة أعلى وفترة سداد قصيرة مقارنة بشريحة (A)، بحسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، ومن المحتمل أن ينخفض المؤشر الآن إلى (C-) بسبب النظام المالي العراقي، ومن شأن هذا أن يجعلنا "لا نجد من يُقرضنا".
يوضح المشهداني لـ"ألترا عراق" الفارق بالقول: "حصل ذلك عندما كان هوشيار زيباري وزيرًا للخارجية وطرحت سندات (الفرات) في السوق الدولية لحاجة الحكومة إلى ملياري دولار ولم نستطع بيع سندًا واحدًا، وهي سندات حكومية سيادية ومضمونة وبسعر فائدة يفوق 14%.. لكن بعد توقيع اتفاقية (افتا) والدعم والمساندة مع صندوق النقد الدولي بيعت نفس السندات باسم (دجلة) في 3 أيام وبفائدة 6,5%"، وهي مشاكل ستعود الآن لمواجهة العراق.
وكان مجلس النواب قد صوّت في 24 حزيران/يونيو الماضي على مشروع قانون الاقتراض تضمّن الخارجي منه 5 مليار دولار لتمويل العجز المالي.
ثاني التبعات.. الاستثمارات
مع معاناة العراق في أزمته الاقتصادية بتردي أسعار النفط وضعف البنى التحتية وسعي حكومته إلى جذب الاستثمارات الخارجية، يقضي الالتزام بقرار (افتا) "عدم تعامل البنوك الأوروبية مع الحكومة العراقية"، ويقول الخبير المشهداني لـ"ألترا عراق" إنها "لن تمول استثمارات ولا مشاريع مباشرة أو غير مباشرة حتى لو كانت أسعار الفائدة والأرباح عاليتين".
قرار المفوضية الأوروبية سيدفع الشركات إلى إعادة النظر باستثماراتها في العراق مع علامة عدم ثقة من قبل المؤسسات المالية
ويقول خبير اقتصادي آخر إن قرار المفوضية الأوروبية "سيدفع الشركات إلى إعادة النظر باستثماراتها مع علامة عدم ثقة من قبل المؤسسات المالية منها البنوك العشرة التي تسيطر على رأس المال في العالم".
اقرأ/ي أيضًا: النزاهة النيابية: أموال العراق المهربة كثيرة في الخارج.. معلوماتنا بالأسماء
سيترتب على القرار بحسب المشهداني "إعادة التدقيق والفحص المشدد في أية معاملة مالية للأفراد والمؤسسات والحكومة متجهة إلى أوروبا أو إلى العراق لمعرفة إن كانت ناتجة عن عملية غسل أموال أو تمويل إرهاب، وهو ما سيربك وضع التجار والحكومة".
مع أن العراق لا يعتبر معاقبًا في التعامل التجاري وفق التقرير الأوروبي، لكن التصنيف سيؤثر على استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تعقد الحكومة آمالها عليها وتعتزم تسهيل عملية دخول المستثمرين والإجراءات الخاصة بهم. سيكون هناك "التزام أدبي" من قبل المستثمرين ولن يذهبوا إلى العراق.
تبعات جانبية وإجراءات ضرورية
يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني إن العديد من التبعات السياسية والاقتصادية ستنتج عن تقرير المفوضية الأوروبية منها أن شركة الخطوط الجوية العراقية "قد لا يمكنها الهبوط في المطارات الأوروبية ليس لأسباب تتعلق بالسلامة والصيانة، كما لن يسمحوا بإعادة فتح خطوط جديدة مع الدول الأوروبية".
ومن المحتمل أن تتبنى دول كبيرة مقررات الاتحاد الأوروبي بما فيها دول في الشرق الأوسط من أجل "تحسين الصورة" بحسب المشهداني، خاصة وأن الدول التي وردت في التقرير هي "الأكثر هشاشة" في العالم.
ويرى المشهداني في حديث لـ"ألترا عراق" أن على الحكومة العراقية "اتخاذ إجراءات فعلية باتجاه مكافحة عملية غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتبيان تقييدها للميليشيات التي يتحدثون عنها وتحييد نشاطها"، مبينًا أن "اعتراضات وزارة الخارجية لن تأتي بنتيجة".
ويعتقد متخصصون أن إقحام ملف الميليشيات هو من أجل الضغط والمضايقة خاصة وأن المفوضية الأوروبية وضعت العراق في المؤخرة وليس في البداية.
خبير اقتصادي: شركة الخطوط الجوية العراقية قد لا يمكنها الهبوط في المطارات الأوروبية، كما لن يسمحوا بإعادة فتح خطوط جديدة مع الدول الأوروبية
ويعرّف القانون العراقي 93 لسنة 2004 عملية غسل الأموال بأنها كل من يدير تعاملًا ماليًا يوظّف لنشاط غير قانوني أو يرسل مبالغ تمثل عائدات لنشاط غير قانوني. ويعاقب المذنب بغرامة مالية أو السجن لمدة لا تزيد عن 4 سنوات أو كلاهما.
اقرأ/ي أيضًا:
وزير المالية: الحكومة ستقدم برنامج "إصلاح اقتصادي" خلال 3 أشهر
تقرير: إيران تدفع بغداد إلى فم "التنين" عبر صفقات نفطية ضخمة