بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إجراء انتخابات مبكرة في 6 يونيو (حزيران) 2021، تتزايد التساؤلات حول إمكانية أن يخوض شبان انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) تلك الانتخابات وسط تحديات كبيرة تواجههم، على رأسها تنظيم أنفسهم في قوائم انتخابية والترتيب لتشكيل قوى سياسية تنافس القوى التقليدية، فضلاً عن تحديات كبرى تتعلق بتأثير السلاح المنفلت والمال الفاسد عليها.
يبدو أن قصر الوقت الذي لا يتجاوز عشرة أشهر سيكون أحد عوامل الضغط الكبرى على ناشطي الانتفاضة في ترميم أوضاعهم، للدخول في انتخابات تحت صفة واحدة وجامعة، تسهل الحصول على أكبر عدد من المقاعد.
ويرى ناشطون ومراقبون أن سلوكاً سياسياً بدأ بالتبلور شيئاً فشيئاً من القوى السياسية التقليدية بالدخول على خط شعارات الانتفاضة ومحاولة استقطاب ناشطيها، كونها باتت العنوان الأبرز للانتخابات المقبلة، الأمر الذي يدفع بعض الناشطين للترويج لفكرة مفادها أن هناك ضرورة للتحالف مع قوى سياسية ربما توفر دعماً أمنياً ومالياً يتيح لـ"قوى تشرين" المنافسة في الانتخابات.
انتخابات 2021
في عام 2018 اتخذت القوى الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى في الانتخابات من النصر على تنظيم "داعش" والاحتجاجات المطلبية والاستثمار في "الحشد الشعبي" عناوين رئيسة في الدعاية الانتخابية، فكانت هذه الطرق الثلاث هي المسارات الأبرز للوصول إلى البرلمان، إذ حصد تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر المركز الأول من خلال دعمه الحراك الاحتجاجي آنذاك. أما تحالف "الفتح" المقرب من إيران فحصل على المركز الثاني باعتماده على شعار "الحشد الشعبي"، فيما أتى ثالثاً تحالف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، مرتكزاً على رصيده في النصر على "داعش". لكن تلك القوى تواجه إشكالات كبرى في محاولة الدخول على خط الاستثمار في الاحتجاجات، نظراً لاتهامها من ناشطين بالمسؤولية عن عمليات استهداف ممنهجة للمحتجين.
وعلى خلاف الخيارات الكثيرة المتاحة أمام القوى السياسية في الانتخابات السابقة، يبدو أن طريق الانتخابات المبكرة يمرّ من ساحات الاحتجاج، إذ تضاءل تأثير الاستثمار في "الحشد الشعبي" والانتصار على تنظيم "داعش" أمام انتفاضة أكتوبر.
منافس جديد
لكن منافساً جديداً لتلك القوى الثلاث بدأ يحاول الدخول على خط استثمار الانتفاضة الشعبية، وهو فريق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي تأسس بعد تكليفه، ويضمّ شخصيات من ناشطين وإعلاميين ومدونين وبعض الأصوات المؤثرة في الاحتجاجات. إذ يشير مراقبون إلى أن الكاظمي يعتمد عليها في التأسيس لقائمة انتخابية لا يظهر بها بشكل مباشر، نظراً لقطعه وعداً بعدم الدخول في التنافس الانتخابي.
جملة العوامل تلك تبين مدى صعوبة فرص المحتجين ومحدوديتها في مقابل أطراف سياسية تمتلك إمكانات ونفوذاً وخبرة في التنافس الانتخابي، الأمر الذي ربما يدفع بعض الناشطين للدعوة إلى المقاطعة أو الدخول ضمن تحالفات سياسية توفر لهم مساحة الحماية من الاستهداف والتمويل والترويج الدعائي.
ويرى مراقبون أن هذا المسار يبدو متعسراً أيضاً وغير ممكن، لأن أي أصوات تنادي بالتحالف مع أطراف سياسية ستواجه باستهجان ورفض كبيرين من داخل ساحات الاحتجاج، وستواجه تخويناً وتشكيكاً في النيات.
ويقول الكاتب والصحافي أحمد حسين إن "بعض الناشطين في الاحتجاجات لا يعارضون التحالف مع بعض الأطراف السياسية التي أبدت الدعم للتظاهرات سواء أكان الكاظمي أم غيره، لكنهم سيصطدمون برفض حاد من شريحة كبيرة من المحتجين بخاصة بعدما أفرزته تجربة عام 2018 مع التيار الصدري".
ويوضح حسين لـ"اندبندنت عربية" أن "انخراط بعض المؤثرين على صعيد الحراك الاحتجاجي في تحالفات مع أطراف سياسية قد يؤدي إلى انقسامات أكبر، ويعقد إمكانية تأسيس قائمة تنافس في الانتخابات المقبلة، وتنجح في حصد عدد مقبول من المقاعد يمكّنها من الشروع في عملية الإصلاح السياسي".
بين الثورة والسياسة
ويرى مراقبون أن التأثير الكبير لانتفاضة أكتوبر على مزاج الناخبين سيدفع أحزاب السلطة إلى تأسيس قوائم ترفع شعارات الانتفاضة، ويدفع أيضاً بعض الأحزاب إلى الدخول في قوائم لا تضم شخصيات سياسية بارزة لإعطاء انطباع بأنها تنتمي للحراك الشعبي.
لكن هذا المسار يبدو أيضاً محفوفاً بمخاطر عدة، بينها أن "قوى تشرين" باتت متحسسّة من أن يتم استثمارها في سياقات سياسية متعددة، وتحديداً بعد تحالف جناح من القوى المدنية مع التيار الصدري في الانتخابات السابقة، الأمر الذي أدى لاتخاذ تيار واسع خيار المقاطعة، فضلاً عن انقلاب التيار الصدري على المحتجين في فترة الانتفاضة.
في السياق ذاته، يشير أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر إلى أن "محاولات الاستثمار السياسي قبيل الانتخابات المبكرة تجري على قدم وساق للدخول على خط الانتفاضة"، لافتاً إلى أن "وعي المحتجين هو الذي سيعرقل مساعي الاستثمار تلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع أن "سيناريو دخول الكاظمي باستخدام ناشطين مقربين منه لتأسيس قائمة ترفع شعار الانتفاضة مطروح بقوة، لكن الإشكال يكمن في مدى قدرة هؤلاء الناشطين على تقديم نموذج قادر على إقناع المحتجين من جهة أو التنافس السياسي من جهة أخرى"، مستبعداً "إمكانية تحقيق هذا الخيار، ما يدفع المحتجين نحو خيار مقاطعة الانتخابات وإتاحة الفرصة مرة أخرى للقوى التقليدية للسيطرة على المشهد السياسي".
ويقلّل العنبر من احتمال دخول المحتجين في تحالف موحد، مشيراً إلى أن "الخيارات الثورية في أوساط الانتفاضة أعلى من الخيارات السياسية".
ويرجّح مراقبون أن يدفع الكاظمي بكل الوسائل الممكنة إلى إقامة الانتخابات المبكرة بالموعد الذي أعلن عنه، في محاولة لاستثمار حال التأييد بين أوساط بعض المحتجين، لكن هذا الأمر قد يصطدم بالخلافات السياسية بين الكتل الرئيسة حول قانون الانتخابات، ما يعرقل إقامتها في موعدها.
خيارات ثورية
يقول الباحث في الشأن السياسي هشام الموزاني إن "التحدي الأكبر الذي سيواجه شباب الانتفاضة هو عدم استعدادهم لخوض الانتخابات المبكرة لتركيزهم على الخطاب الثوري"، مبيناً أن "الانتخابات المبكرة كانت ضمن الخيارات الثورية لاعتقادهم بعدم إمكانية إقامتها، الأمر الذي يديم أمد انتفاضتهم".
ويضيف، "قوى تشرين غير مستعدة لتكوين طبقات سياسية أو شبه سياسية ضاغطة، باستثناء تجمعات الطلبة التي كانت تبدو ككتلة واحدة متماسكة ذات خيارات متفق عليها، ما يصعّب إمكانية تكوين كيان سياسي موحد للقوى الفاعلة في الانتفاضة".
ويشير إلى أن "استهداف المحتجين في حال أقدموا على تأسيس حراك سياسي مرتبط بشكل مباشر مع شعور القوى الرئيسة بتهديد لأسس النظام السياسي، وهذا أمر غير متوفر حالياً".
ويختم أن "عدم الخبرة والانجرار وراء الموقف الثوري، ولّدا مواقف المقاطعة، وقد يعاد سيناريو 2018، ما سيدفع الأحزاب السياسية الرئيسة باتجاه الترويج لهذا الخيار لغير ناخبيها"، مشيراً إلى أن "مزاج المقاطعة بالنسبة إلى شبان الانتفاضة هو الأكثر ثورية وقد يلجأون إليه".
استراتيجيات مواجهة حراك المحتجين الانتخابي
ولعل الإشكالات التي ستواجه محتجي انتفاضة أكتوبر لا تقتصر على التفاصيل التنظيمية والسياسية فحسب، وتقترب من احتمالات اتخاذ القوى السياسية المناهضة للانتفاضة استراتيجيات متعددة لإسقاطهم، وتصل إلى حدود التصفيات الجسدية. وهو الأمر الذي يشير إليه رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، قائلاً "بعض القوى المناهضة للانتفاضة ستتخذ استراتيجيات متعددة لمواجهة أي حراك انتخابي يشتمل على محتجين، ابتداء بمحاولات إسقاطهم أمام الرأي العام باتهامات مختلفة". ولم يستبعد الشمري أن "تشمل تلك الاستراتيجيات التلويح باستخدام السلاح أو استخدامه عملياً".
ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "العملية الانتخابية المقبلة مفصلية ومهمة وستكون منطلقاً لتأسيس حراك سياسي مختلف".
أعظم التحديات التي تواجه "قوى تشرين"
من جانب آخر، يرى الناشط والصحافي علي رياض أن "الانخراط في العملية السياسية يتطلب كثيراً من الواقعية وبعد النظر والإلمام بالمعطيات الخارجية والداخلية السابقة والحالية. وهو ما يحضّر في ساحات الاحتجاج، ويغيب عن وسائل التواصل"، مبيناً أن "الأمل الوحيد هو تشكيل قوى من داخل الساحات بشكل مباشر، ومن شخوصها الذين مروا بكل متغيرات الحراك، وتكيّفوا مع أجوائه المتقلبة، مع تبني أسس متينة قبل طرح المشاريع للرأي العام".
ويحدد رياض أن أعظم تحدٍ يواجه شباب الانتفاضة هو "اعتماد تلك القوى على مرجعيات إعلامية بعضها يفتقر للنضج والواقعية، وبعضها الآخر مشبوه بولاءاته السياسية".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية"، "هذه المرجعيات ليست كتاباً وصحافيين، بل مدونون عبر وسائل التواصل، ولهم تأثير كبير بين أوساط الانتفاضة".
ويختم أن "هناك محاولات من بعض الشخصيات البارزة داخل الاحتجاجات لجر قوى الانتفاضة إلى إعادة سيناريو التحالف مع قوى سياسية كما حصل خلال انتخابات 2018 في تحالف سائرون"، مبيناً أن "نتائج هذا الأمر ستكون وخيمة على المحتجين، فضلاً عن احتمال تسببها بضياع أصوات مؤيدي الانتفاضة".