رد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بقوة على تهديد الميليشيات العراقية الموالية لإيران، بعدما أطلقت فرق الاغتيال التابعة لها في بغداد والبصرة لتصفية نشطاء يعارضون الهيمنة الإيرانية على القرار السياسي والأمني والاقتصادي للعراق.
وفور وصوله إلى مطار بغداد عائدا من الولايات المتحدة، توجه الكاظمي إلى البصرة، وزار منزل الناشطة ريهام يعقوب التي تعرضت للاغتيال يوم الأربعاء حيث قدم تعازيه لذويها.
وعرفت ريهام يعقوب، وهي طبيبة لم تكمل عامها الثلاثين، بنقدها الجريء لسلوك الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في البصرة، ودعت علنا إلى تمتين العلاقات مع الخليج والغرب والولايات المتحدة.
ومن منزل يعقوب أقسم الكاظمي “بدم الشهيدة أن المجرمين لن يفلتوا من العقاب مهما طال الزمن، وأن دماء الشهيدة والشهيد هشام الهاشمي، والشهيد تحسين أسامة لن تذهب هدرا”.
وقتل هشام الهاشمي، وهو خبير بارز في شؤون الجماعات الدينية المتطرفة، أمام منزله في بغداد قبل نحو 45 يوما برصاص مسلحين يُعتقد أنهم ينتمون إلى ميليشيا كتائب حزب الله، دون أن تقدم السلطات أيا من المتورطين في اغتياله إلى العدالة، في حين قتل الناشط تحسين أسامة في الرابع عشر من الشهر الجاري على أيدي مجهولين في البصرة أيضا.
وأكد الكاظمي من البصرة أن “أمد المعتدين والمجرمين قصير”، مشيرا إلى أن “كلمات الشهيدة ريهام يعقوب قد أدخلت الرعب على قلوب المجرمين الجبانة، وأن أعمالها المجتمعية الخيرية قد أرجفتهم، وجعلتهم يركبون العار، فأي دناءة أشد من هذه البشاعة، لكن فألهم الخائب قد انقلب مندحرًا، وتحولت الشهيدة الشابة في ربيع عمرها إلى أيقونة للبصرة”.
واعتبرت مصادر سياسية عراقية زيارة الكاظمي إلى منزل الضحية في البصرة، سابقة ستؤسس عليها علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم في العراق.
وقالت المصادر، في تصريح لـ”العرب”، “بعد كل صنوف التعالي التي مارستها الأحزاب والميليشيات والمؤسسات الدينية في علاقتها مع الشعب يلقي رئيس الوزراء خطوة في الطريق المعاكس، حيث يتصرف باعتباره موظفا يقف من خلال خدمته الرسمية مع الشعب ويخاطب الآخرين من الموقع الذي يجعله قريبا من هموم الشعب”. وأكد إعلامي مقرب من مكتب رئيس الوزراء العراقي على أن تلك الخطوة لا تنطوي على شيء من شراء العاطفة الشعبية بقدر ما تعبر عن تحول خطير في المزاج السياسي، مشيرا إلى أن هذا المزاج سيعمل على سحب بساط السلطة من تحت أقدام زعماء الأحزاب وقادة الميليشيات وحتى رجال الدين المدافعين عن شرعية استعمال العنف ضد المتظاهرين.
وأوضح الإعلامي “سيُقال إن الكاظمي كان ذكيا وكان سياسيا من طراز رفيع. كل ذلك صحيح، غير أن الصحيح أيضا أن الرجل كان حازما في سلوكه باعتباره رجل دولة. وهو ما افتقد إليه العراقيون بعد انهيار الدولة العراقية بسبب الغزو الأميركي”.
وأعلن وزير الداخلية عثمان الغانمي عن إرسال قوة لاعتقال قتلة الناشطين في محافظة البصرة، فيما أعلنت شرطة البصرة عن حصيلة حملة أمنية نفذتها على مدى الـ72 ساعة الماضية ووصفتها بالكبرى لملاحقة متهمين مطلوبين للقضاء في عدد من مناطق المحافظة في أعقاب توجيهات وزارية.
وقالت الشرطة إنها نفذت أوامر قبض بحق مطلوبين في البصرة أسفرت عن إلقاء القبض على متهمين اثنين وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، فضلا عن إلقاء القبض على 304 مطلوبين قضائيا وفق مواد جنائية مختلفة، فيما ضبطت 12 بندقية كلاشنكوف وبندقية من نوع RBK وبندقيتين من نوع GC وأعتدة مختلفة ومسدسات شخصية.
ويقول مراقبون إن حملة البصرة الأمنية التي تزامنت مع وصول الكاظمي إلى المحافظة، تتضمن رسائل داخلية شديدة اللهجة للميليشيات العراقية التابعة لإيران، كما تتضمن رسائل الولايات المتحدة بشأن قدرة بغداد على ردع الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، التي تعمل تحت مظلة طهران.
وقال أعضاء من الوفد الذي رافق الكاظمي إلى واشنطن إن رئيس الوزراء العراقي تعهد خلال لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على ردع النفوذ الإيراني الهدام في بلاده.
ويقول مراقبون إن الكاظمي الذي سيتوجه إلى الأردن للمشاركة في قمة ثلاثية إلى جانب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين والرئيس المصري عبدالفتاح السياسي، قبل أن يزور السعودية، بحاجة إلى إقناع الشركاء العرب والإقليميين بقدرة حكومته على حفظ سيادة البلاد والتصدي للأنشطة الإيرانية السلبية.
ولا يوجد أفضل من البصرة، حيث تغلي المدينة على صفيح ساخن بسبب موجة الاغتيالات التي تنفذها الميليشيات العراقية الموالية لإيران، مكانا لطمأنة المنطقة والعالم بأن حكومة الكاظمي عازمة على الوفاء بوعدها الذي تشكلت على أساسه، وهو ردع النفوذ الإيراني السلبي في البلاد.
وكشفت مصادر سياسية، لـ”العرب”، في بغداد عن ترتيبات لزيارة مرتقبة سيقوم بها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى السعودية، مشيرة إلى أن الزيارة قد تتم في بحر الأسبوع المقبل.
وذكرت المصادر أن زيارة الكاظمي إلى السعودية تأتي في ختام جولة عربية وإقليمية ودولية شملت وتشمل إيران والولايات المتحدة والأردن، الذي من المفترض أن يصل إليه اليوم الاثنين.
وسيكون الملف الاقتصادي وملف الربط الكهربائي مع الخليج على رأس جدول أعمال زيارة الكاظمي إلى الرياض، حيث من المنتظر أن يلتقي خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. لكن السياسة والأمن لن يغيبا عن جدول أعمال هذه الزيارة، في ظل حرب الرسائل المشتعلة بين الحكومة العراقية والميليشيات الموالية لإيران.