على ماذا تراهن امريكا لابقاء قواتها بالعراق؟

آخر تحديث 2020-09-12 00:00:00 - المصدر: المعلومة

كتب / محمود الهاشمي…

لا يمر اسبوع دون ان نسمع تصريحا لمسؤول امريكي بشان بقاء او جلاء قواتهم من العراق بدء من الرئيس ترامب وصولا الى وزير الخارجية بومبيو كما لا يمر يوم دون ان نسمع او نقرأ بيانا او تصريحا لنائب او رئيس كتلة سياسية بالعراق بشان القوات الاجنبية فيما “الصامت” الوحيد هو “الحكومة العراقية”!!.

لاشك ان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي كان اطلع المسؤولين الامريكان واعضاء الكونغرس خلال زيارة التفاوض الى واشنطن على هذا الملف وابلغهم بالتفاصيل، الامريكان من جهتهم يدركون جيدا ان المعادلة السياسية بالعراق لا تحكمها الاملاءات الخارجية بقدر ما يمليه الواقع لذا اكتفوا بالقول ان “قواتنا ستخرج من العراق على مدى ثلاثة اعوام وقد شرعوا باخلاء الموقع الثامن في منطقة التاجي الذي يضم 2000 جندي من التحالف”.

رغم الانسحاب المتواصل من (٨)مواقع خلال اقل من عام فان ما بقي من المقياس العسكري لا يساوي شيئا، اعلى رقم تم الاعلان عنه عن عدد القوات الاجنبية المتبقية في العراق هو( 5000) جندي لما كان عددهم قبل عام (2011) (150000) الف جندي ما عدا الشركات الامنية وغيرها، والسؤال: ماذا يعني ان تسحب (5000 )جندي على مدى ( ٣) اعوام، ؟

لا شك انها مجرد مناورة سياسية اكثر مما هي حقيقية!!.

كانت “ضربات” المقاومة تستهدف فقط المواقع العسكرية التي يتواجد بها الجنود الاميركان، اما الان الاستهداف يشمل قوافل الدعم اللوجستي القادمة من الكويت او من موقع لاخر كما يشمل رشقات الصواريخ على السفارة الامريكية نفسها.

نصب مضادات جوية قرب السفارة الامريكية ببغداد تمثل “خيبة” كبيرة لامريكا لانها دليل اهتزاز وجودها وانخفاض شعبيتها ليس لدى العراقيين انما لدى بلدان الشرق الاوسط عموما،وربما العالم ايضا.

تحاول امريكا ان تراهن على الامور الاتية:

١- رفع منسوب العمليات الارهابية ضد مواقع الحشد الشعبي والقوات الامنية الاخرى.

٢- دفع المزيد من الارهابيين المتواجدين في سوريا باتجاه الاراضي العراقية والتنسيق مع الحواضن للقيام بالعمليات الارهابية.

٣-استخدام الاعلام ولو عبر المنظمات الدولية للضغط على العراق كما صرح نائب الامين العام للامم المتحدة بان هناك عشرة الاف داعشي يتنقلون بين سوريا والعراق.

٤- الاستفادة من تشكيل الحكومة الجديدة لما فيها من عناصر تعاهدت معهم على خدمتها.

٥- الاستفادة من القيادات التي صنعتها المنظمات الامريكية العاملة في العراق بتاجيج الشارع.

٦- الدفع بالقوات التركية داخل الاراضي العراقية للضغط على الواقع الامني والاجتماعي في البلد.

٧- الدفع بالحكومة العراقية باتجاه الدول المرتبطة بامريكا مثل الاردن ومصر ودول الخليج لابعاده عن العمق الايراني.

٨- الضغط على حكومة الكاظمي لاجراء تغييرات ادارية في الوزارات و المناصب الامنية محصورة بكتل قريبة من الكاظمي.

٩- محاولة خلق توازن ضد المقاومة عبر الاعلان عن تشكيلات متخصصة بالاغتيالات وتدريبهم خارج العراق كما حدد عددهم الشيخ قيس الخزعلي ب(23)مجموعة وهؤلاء تدربوا على اغتيال شخصيات بفصائل المقاومة وشيوخ العشائر وغيرهم.

١٠- محاولة اجراء ترتيبات واجراءات سواء عبر صناعة قانون انتخابات جديد او عبر استخدام الهويات والاجهزة الالية بما يؤمن فوز حكومة امريكية حتى وان حافظت على عناوينها الطائفية او العرقية اي “شيعي امريكي” “كردي امريكي” “تركماني امريكي” وهكذا …

هذه الاجراءات الامريكية لم تعد كافية لتامين التواجد الامريكي على قلة عدد الجنود، فقد باتت امريكا غريبة هي وجنودها و سفارتها بالعراق بعد حادثة اغتيال “ابطال النصر “حيث كان خطأً استراتيجيا لامريكا لانه صنع واقعا “صعبا” بالعراق، وحكومة “شبحية” لا يمكن لاحد ان يتكهن ردود الفعل، فيما شخصية الكاظمي ومستشاريه وكابينته واصدقائه في حيرة من امرهم واراؤهم شتات وباتوا في دائرة الاتهام.

الولايات المتحدة تريد ان تخرج من منطقة الشرق الاوسط عموما، ما عادت تحتمل الضربات ولا المفاجآت، ولا الانفاق الكبير، فقد اعلنت التفاوض مع “طالبان” في افغانستان وكذلك شددت على ضرورة خروجها من الصومال، وان الاعداد القليلة لجيوشها في العراق وسوريا غير قادر على حماية مصالحها ومخططاتها اذاً تفكر الان:

١- التفاهم مع تركيا لان ترعى مصالحها في المنطقة مقابل توفير فرص لها للحصول على مصادر الطاقة في العراق وسوريا والبحر الابيض المتوسط وبحر ايجه وليبيا ، وفعلا باشرت تركيا بنشر قواتها في هذه المناطق واعلن اردوغان عن العمل على استعادة “الوطن الازرق” الحدود السابقة للدولة العثمانية التي تشمل شواطئ افريقيا واليونان وقبرص و بحر ايجه و بلاد الشام الخ…

توزيع القوات التركية والطموح التركي اصطدم بامور كثيرة منها الذاكرة السيئة للشعوب التي كانت واقعة تحت الاستعمار العثماني تسمى هذه المرحلة من التاريخ “الفترة المظلمة” كما اصطدمت باوروبا التي وقفت مع اليونان ضدها كما قال رئيس وزراء تركيا السابق داوود اوغلو “اردوغان يلعب بالنار”.

خاصة وان تركيا لا تملك اقتصادا متينا يساعدها بهذه المهمة ولا تقوى ان تنهض في مثل هكذا مشروع دون تمويل كبير، فامريكا تعاني من ازمة اقتصادية و اوروبا خصم لها، والعرب غير مرحبين بها، وعلاقتها مع دول الخليج قلقة.

نعتقد ان امريكا لا يمكن لها ان تضمن مصالحها دون ان تتفاهم مع ايران وهذا الامر مكلف عليها، حيث ان الشروط الايرانية لا تبقي لامريكا واصدقائها الا ما يُلحس من “الاناء” بعد ان تحملت وزر حصار دام (41) عاما ، كابدت ما كابدت فيه، ناهيك ان عمق ايران تعدى حدودها حيث باتت تشكل قطبا موازيا مع الصين و قوة اقتصادها، وروسيا وقوة اسلحتها، والمقاومة و شراستها، فيما بدات امريكا ينزاح عنها اصدقاؤها الغربيون الواحد تلو الاخر. اما دول الخليج فقد تكون وديعة عند اسرائيل الى حين !!