تعليق من الخارجية الأميركية حول أنباء ’إغلاق’ سفارة واشنطن في بغداد

آخر تحديث 2020-09-28 00:00:00 - المصدر: وكالة ناس

ناس - بغداد

علقت وزارة الخارجية الأميركية، على تقارير صحفية أشارت إلى نية الإدارة الأميركية إغلاق السفارة في العاصمة العراقية بغداد، على خلفية هجمات مستمرة بالصواريخ.

ونقل موقع صحيفة "واشنطن بوست" تصريحاً عن متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تابعه "ناس"، فجر الإثنين (28 أيلول 2020)، قالت فيه، إن "واشنطن أوضحت من قبل أن الجماعات المدعومة من إيران التي تطلق الصواريخ على السفارة الأميركية في بغداد تشكل خطرا على حكومة العراق والبعثات الدبلوماسية المجاورة".

ورفضت المتحدثة باسم الوزارة، وفق الموقع الأميركي، الرد على هذه التقارير الصحفية، مؤكدة "لا نعلق أبداً على المحادثات الدبلوماسية الخاصة للوزير مع القادة الأجانب".

لكن المتحدثة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، بيّنت، "أوضحنا من قبل أن الجماعات المدعومة من إيران وتطلق الصواريخ على سفارتنا تشكل خطراً ليس علينا فقط بل على حكومة العراق والبعثات الدبلوماسية المجاورة وسكان المنطقة الدولية السابقة والمناطق المحيطة بها".

وأضافت، "بينما تعمل الولايات المتحدة على تأمين الدعم المالي للعراق من المجتمع الدولي ومختلف شركات القطاع الخاص يظل وجود الميليشيات الخارجة عن القانون والمدعومة من إيران أكبر رادع منفرد أمام الاستثمار الإضافي في العراق".

وقالت تقارير إخبارية متعددة إن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، حذر رئيس الوزراء العراقي من أن واشنطن قد تغلق سفارتها في بغداد وتسحب موظفيها بسبب تكرار الهجمات على السفارة، فيما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين عراقيين لم تسمهم تأكيدهم بأن "الاستعدادات بدأت بالفعل لإغلاق السفارة".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن المتحدث باسم الحكومة العراقية أحمد ملا طلال قوله، "نأمل أن تعيد الإدارة الأميركية التفكير في الأمر".

وأطلقت السفارة الاميركية، الأحد، تنبيهاً إلى سكان المناطق المحيطة بمبنى البعثة في بغداد.

وذكرت السفارة في بيان تلقى "ناس" نسخة منه (27 ايلول 2020)، "خلال اليومين القادمين، ستُجري السفارة الأميركية سلسلة من الاختبارات التي تشمل معدات وإجراءات الطوارئ خاصتنا".

وأضاف البيان، "سيصل صوت الإنذارات بالخطر وصفارات الإنذار وغيرها من أنواع الضوضاء الى السكان المقيمين في المناطق المُحيطة بالسفارة عند إجراء هذه التدريبات".

وتابع البيان، "تتقدم السفارة باعتذارها عن أي ازعاج قد ينجم عن ذلك".

وأكدت الرئاسات الأربع، في اجتماع لها، الاحد، على حصر السلاح بيد الدولة وحماية البعثات الدبلوماسية والتصدي للأعمال الخارجة عن القانون ضد أمن البلاد وسيادتها.

وذكر المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية في بيان، تلقى "ناس" نسخة منه، (27 أيلول 2020)، أن "رئيس الجمهورية برهم صالح، ضيف، اليوم الاحد، في قصر بغداد، اجتماعاً ضم رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي و رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي و رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، ناقش المستجدات الامنية والسياسية والتداعيات الخطيرة المترتبة على الأوضاع الحالية".

وأكد الاجتماع بحسب البيان أن "التطورات الأمنية التي حدثت في الآونة الأخيرة من استمرار استهداف المراكز والمقرات المدنية والعسكرية، وتواصل أعمال الاغتيال والخطف بحق ناشطين مدنيين انما تمثل استهدافاً للعراق وسيادته وللمشروع الوطني الذي تشكلت على أساسه الحكومة الحالية لتحقيق الاستقرار وحفظ هيبة الدولة تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة على أسس عادلة، كما أنه ينال من سمعة العراق الدولية ومن علاقاته الخارجية".

وأشار المجتمعون إلى أن "استمرار أجواء الاضطراب الأمني والتداعيات التي تترتب عليه سيمثل إضراراً بالغاً باقتصاد العراق وسعيه الى تجاوز الازمة التي ترتبت على انتشار جائحة كورونا وانخفاض اسعار النفط وعائداته، ويقوّضُ فرص الخروج بالبلد الى بر الأمان في مواجهة الأزمات".

وشدّدَ المجتمعون على أن "العراق ليس في حالة حرب الا مع الإرهاب، الذي قطع الشعب العراقي وطليعته من القوى العسكرية والأمنية بكافة صنوفها وتنوعاتها اشواطاً حاسمة في دحره والانتصار عليه".

وأكد الاجتماع أن "إعلان الحرب هو من اختصاص مؤسسات الدولة العراقية التشريعية والتنفيذية المستندة الى القانون والدستور، وانه ليس من حق أي طرف اعلان حالة الحرب او التصرف على أساس حالة الحرب داخل الأراضي العراقية".

وتابع، أن "العراق وهو يؤكد بإصرارٍ رفضَهُ التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة ويرفض تدخل الآخرين في شؤونه، فإنه يرفض تحويل أرضه الى ساحة تصفية حسابات او منطلقاً للاعتداء على غيره من الدول، وأن الوطنيين العراقيين متفقون على ترسيخ الدولة الوطنية ذات السيادة الكاملة بعيداً عن مفاهيم القيمومة الخارجية او التدخل او التبعية".

وأشار المجتمعون إلى أن "المنحى الذي تتجه إليه أعمال الجماعات الخارجة على القانون ضد أمن البلاد وسيادتها، يمثل منحىً خطيراً يعرّض استقرار العراق الى مخاطر حقيقية، ما يستدعي تضافراً للجهود على كل المستويات وحضوراً فاعلاً لموقف القوى السياسية المختلفة من أجل التصدي لهذا التصعيد ودعم جهود الحكومة العراقية لضمان أمن وسيادة العراق".

ودعا الاجتماع إلى "رصّ الصفوف واتخاذ مواقف موحدة وجادة وحاسمة لمنع المزيد من التداعيات، واتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بضمان الاستقرار الامني".

ودعم الاجتماع - بحسب البيان - "جهود الحكومة العراقية في حصر السلاح بيد الدولة، ومنع استهداف البعثات الدبلوماسية التي تقع مسؤولية حماية أمنها وسلامة منشآتها وأفرادها على الجانب العراقي ضمن التزاماته الدولية المعمول بها".

الحوار الاستراتيجي

وأكد المجتمعون "تمسك العراق بمخرجات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة واتفاق إعادة الانتشار من العراق خلال مراحل زمنية متفق عليها، ومن ضمن ذلك التعاون طويل الأمد مع الولايات المتحدة في شتى المجالات، وخصوصاً التعاون في مجال تدريب وتسليح القوات الأمنية والعسكرية العراقية والحرب على تنظيم داعش"، معربين عن "أملهم بان يكون التعاطي الاميركي والدولي مع التطورات الامنية الاخيرة من خلال دعم الحكومة العراقية لاستكمال جهودها في تعزيز سلطة الدولة وتوفير الأمن لإجراء الانتخابات"، مشددين على "احترام التوصيات الهامة التي تضمّنها بيان سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني خلال استقبال سماحته لممثلة الامم المتحدة في العراق، كونها تُعدُّ خارطة طريق كفيلة بنزع فتيل الازمات والمضي الى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة وتوفير مقوماتها".

وأشار البيان إلى أن "اجتماع الرئاسات ناقش التصريحات التي استهدفت مقام المرجع الاعلى سماحة السيد السيستاني الذي كان ولا يزال صمام الأمان للعراق وشعبه، واعتبر الاجتماع أن التطاول على مقام المرجعية مرفوض ومدان، وأن مكانة المرجعية الروحية لدى الشعب العراقي ولدى المسلمين والإنسانية محفوظة ومعتبرة، داعين لسماحة السيد السيستاني بدوام الصحة والعافية".

ويشهد العراق أجواء مشحونة، مع تصاعد هجمات الفصائل المسلحة ضد المصالح الأجنبية وقوات التحالف، بالتزامن مع تسريبات عن تهديد أميركي بإغلاق السفارة في بغداد ثم "الانتقام"، وهو ما دفع أطراف رسمية وسياسية إلى إعلان رفض تلك الهجمات والتبرؤ منها.

ويمثل تهديد واشنطن، "خياراً سياسيّاً مثيراً للجدل للغاية، على الرغم من فائدته الفورية في إثارة انتباه العراق بشأن قضايا الفصائل"، وفق الباحث الأميركي مايك نايتس، إلا أنه قد يجر إلى من "عواقب وخيمة" على العراق والولايات المتحدة الأميركية على حد سواء.

وقدم الباحث في معهد "واشنطن" للدراسات، في تقرير تابعه "ناس"، (27 أيلول 2020)، إحصائية لأنواع الهجمات التي طالت القوات الأميركية ومعداتها ومبنى السفارة، كما استعرض خيارات الرد المتوفرة لدى واشنطن وبغداد.

وتالياً نص التقرير:

في 20 أيلول/سبتمبر، أفادت بعض التقارير أنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حذّر الحكومة العراقية من أنّ [استمرار] هجمات الميليشيات غير الخاضعة للرقابة قد يدفع الولايات المتحدة إلى إغلاق سفارتها، وشن ضربات قويّة على قادة الميليشيات المدعومة من إيران.

ومنذ ذلك الحين، سارع المسؤولون العراقيون وحتى بعض رموز الميليشيات إلى استرضاء واشنطن، حيث نأت جماعات مسلحة مختلفة بنفسها علناً عن الهجمات على المنشآت الدبلوماسية. ولكن في الوقت نفسه، أذهل هذا التحذير الحكومة العراقية المحاصرة التي كانت قد وجهت بعض الضربات القوية ضد وكلاء إيران في الأسابيع الأخيرة، من بينها اعتقال مموّل الميليشيا المشتبه به بهاء عبد الحسين في 17 أيلول/سبتمبر، الذي يسيطر على خدمة دفع ألكتروني بقيمة مليارات الدولارات.

ويسلّط هذا الحدث الضوء على أثر التآكل الذي يمكن أن تحدثه حتى هجمات التحرّش غير الفتّاكة للميليشيات على العلاقة الثنائية، وهي قضية سبق للكاتب أن قدّم عنها تحليلات وتحديثات في تموز/يوليو وأذار/مارس وشباط/فبراير. وقبل الأحداث الأخيرة الموضحة في القائمة أدناه، كانت العلاقات تتحسن بشكل ملحوظ، حيث زار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واشنطن في آب/أغسطس، ووافقت إدارة ترامب على البدء في خفض عدد القوات الأمريكية من 5,200 عسكري إلى مستوى مستدام يبلغ حوالي 3,000 عنصر. ولنزع فتيل أي توترات قد تنشأ من تحذير بومبيو الصارم، (تقضي) الخطوة التالية الموافقة على اتخاذ إجراءات عملية لطمأنة واشنطن بأن الحكومة العراقية تقوم بتوفير أكبر قدر ممكن من الحماية التي تستطيع حشدها واقعيّاً في هذا الوقت - مع الأخذ في الاعتبار أنه حتى أنه ليس بإمكان الجيش الأمريكي إيقاف مثل هذه الهجمات تماماً عندما كان لديه 165,000 جندي في الميدان.

تدوين الهجمات الأخيرة للميليشيات

في الآونة الأخيرة توسّع عدد العمليات ونطاقها ضد الأهداف الأمريكية وتلك التابعة لقوات التحالف، وضد الأهداف العراقية:

القوافل اللوجستية. تُعوّل السفارة الأمريكية والقوات العسكرية التابعة للتحالف على استيراد العديد من قطع المعدات والمواد الاستهلاكية، بعضها مخصص للإنفاق على قوات الأمن العراقية. وزادت الهجمات على قوافل الشاحنات العراقية التي تنقل هذا العتاد من 14 في الربع الأوّل من عام 2020 إلى 27 في الربع الثاني و25 في الربع الثالث. وتحسّنت نوعية هذه الهجمات أيضاً، حيث شملت استخدام مشغلات الأشعة تحت الحمراء السلبية من أجل استهداف أكثر دقة، وفي الأيام الأخيرة، استخدام العبوات الناسفة الخارقة الموصولة في سلسلة تعاقبية.

تفاصيل الأمن الأجنبي. في 26 آب/أغسطس، ألحقت قنبلة مزروعة على جانب الطريق أضراراً بمركبة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، في منطقة عمليات تابعة لميليشيا مدعومة من إيران في شرق الموصل، مما أدّى إلى إصابة أحد الركاب بجروح. وفي 15 أيلول/سبتمبر، انفجرت قنبلة أخرى على جانب الطريق بالقرب من عربة مصفحة تابعة للسفارة البريطانية في بغداد، ولكنها لم تسفر عن وقوع إصابات. وجاءت هذه الهجمات بعد مرور ما يقرب من عام على القيام بآخر تفجيرات من هذا القبيل، والتي كانت سلسلة من هجمات الميليشيات على قوافل شركات النفط في البصرة في عام 2019.

الصواريخ والطائرات بدون طيار. عانت الأهداف الأمريكية من 27 هجوماً صاروخياً وهجمات بطائرات بدون طيار في الربع الثالث من العام الحالي، وهو عددٌ فاق ما سجّله الربع الثاني (11 هجوماً) والربع الأوّل ( 19 هجوماً). ولم تتسبب الهجمات في هذا الربع في سقوط ضحايا أمريكيين. وقد وقع آخر قتلى في صفوف الأمريكيين في 11 آذار/مارس. ومع ذلك، كانت الضربات الأخيرة أكثر دقة، حيث استهدفت الهبوط داخل أراضي السفارة الأمريكية. وفي 15 أيلول/سبتمبر، دمّر النظام المضاد للصواريخ وقذائف المدفعية وقذائف الهاون الخاص بالسفارة الأمريكية وابل من القاذفات التي كان يُتوقع أن تضرب المجمّع. أما بالنسبة للطائرات المسيّرة، فقد تم العثور على أحدها على سطح بالقرب من السفارة في 22 تموز/يوليو، وكانت على ما يبدو مجهّزة للهجوم بقنبلة تعادل قذيفة هاون متوسطة (81-82 ملم). وفي 2 أيلول/سبتمبر، استُخدمت تركيبة مشابهة لمهاجمة شركة "جي فور أس" (G4S) الأمنية في مطار بغداد، عبر ضربة دقيقة للغاية ولكن الهجوم لم يسفر عن وقوع إصابات. واتهمت بعض الجماعات المسلحة هذه الشركة الأمريكية البريطانية بتقديم معلومات استخبارية حددت موقع الجنرال الإيراني قاسم سليماني وزعيم الميليشيات أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة جوية أمريكية بالقرب من المطار في 3 كانون الثاني/يناير.

خيارات الرد الأمريكي

يرسم الاستعراض أعلاه صورةً عن التهديد الناشط للغاية الذي تطرحه الميليشيات المدعومة من إيران والذي يتطور بطرق مثيرة للقلق. ولا تريد الولايات المتحدة أن تمر بفترة أخرى مثل تلك التي شهدتها في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير، عندما كانت سفارتها محاصرة، وكان لا بد من نشر عمليات انتشار جديدة كبيرة في المنطقة، وكان خطر نشوب صراع أوسع مع الميليشيات وإيران حقيقياً تماماً. وتريد إدارة ترامب بشكل مفهوم كسر الزخم الحالي، ومنذ المرة الأخيرة التي حدثت فيها مثل هذه الزيادة في الهجمات، كانت النتائج مقتل أمريكي في كانون الأول/ديسمبر، وشن غارات جوية أمريكية، وقيام عصابات بشن هجمات على السفارة، واتخاذ القرار الحازم بل المحفوف بالمخاطر باستهداف سليماني والمهندس، واقتراح مجلس النواب العراقي الداعي إلى إخراج القوات الأمريكية. وربما كان تحذير بومبيو مدفوعاً أيضاً بمعلومات سرية.

ومهما كانت دوافع التهديد الأمريكي بإغلاق السفارة، فإنه يمثل خياراً سياسيّاً مثيراً للجدل للغاية، على الرغم من فائدته الفورية في إثارة انتباه العراق بشأن قضايا الميليشيات. إن إغلاق السفارة هو بالذات النتيجة التي تحلم كل ميليشيا مدعومة من إيران بتحقيقها. وسيكون ذلك انتصاراً دعائياً ذو أبعاد أسطورية لطهران ووكلائها، مما يقوّض كل التقدم المحرز في العراق منذ مقتل سليماني والمهندس. كما سيمثل أيضاً انسحاباً كاملاً من العراق حتى أكثر من الانسحاب الذي قامت به إدارة أوباما في عام 2011، مما ساعد على تمهيد الطريق لعودة ظهور تنظيم «القاعدة» تحت اسم تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبعد ذلك سيطرة الميليشيات على مساحات واسعة من الدولة العراقية. ولن يؤدي ذلك إلى انتهاء كافة العمليات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في العراق فحسب، بل إلى توقّف جميع عمليات التحالف الأخرى أيضاً نظراً لاعتمادها على الوجود الأمريكي. ومن المرجح أن تقوم العديد من القوى الأجنبية بخطوات مشابهة لرحيل واشنطن الكامل - باستثناء إيران وروسيا والصين. ولن تخدم هذه النتيجة المصالح الأمريكية بأي سيناريو.

لذلك يجب على واشنطن أن تتجنب اللجوء إلى مثل هذا الإجراء المتطرف في المستقبل، وأن تعمل بدلاً من ذلك مع حكومة الكاظمي على أنواع أخرى من خيارات الرد المشدد. وعلى وجه الخصوص، عندما تشير تحذيرات التهديد التي توفّرها الولايات المتحدة إلى تنفيذ هجمات وشيكة، بإمكان القوات العراقية إغلاق أجزاء من المنطقة الدولية مؤقتاً وتعزيز الحماية هناك من أجل حماية السفارة الأمريكية بشكل أفضل. ويمكن إجراء ترتيبات مماثلة في المطار وعلى طريق المطار الرئيسي في ظل ظروف معينة. وعلى الرغم من أن وقف إطلاق المدفعية بشكلٍ كاملٍ ليس أمراً واقعيّاً في أي وقت قريب، فقد تم بناء السفارة للصمود أمام مثل هذه الهجمات وهي محمية بالنظام الفعال المضاد للصواريخ وقذائف المدفعية وقذائف الهاون، الذي يسمح للحكومة العراقية بتشغيله فوق العاصمة رغم الضجة الهائلة التي يُحدثها والقذائف الطائشة االتي يُطلقها في بعض الأحيان.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كان لدى المسؤولين الأمريكيين معلومات استخباراتية محددة حول أي تهديد جديد تطرحه إحدى الميليشيات - على سبيل المثال، إدخال أنظمة صواريخ دقيقة متقدمة - فعليهم مشاركة هذه البيانات بشرط أن ينفّذ العراق بسرعة عملية ضدّ هذا التهديد. ولا يزال رئيس الوزراء الكاظمي هو الرئيس الفخري لـ "جهاز المخابرات الوطني العراقي" ذي القدرات العالية، وأن الدول الشريكة تثق به باستمرار وكذلك بدائرة المقرّبين منه (معظمهم من أفراد "جهاز المخابرات الوطني")، فيما يتعلق بالمعلومات الحساسة.

وإذا احتاجت الحكومة الأمريكية إلى رؤية علامات واضحة تشير إلى مقاومة العراق للميليشيات، فيجب أن يكون تَحرّك بغداد هادفاً بمعنى أوسع نطاقاً من مجرّد استرضاء واشنطن. فبدلاً من حث المسؤولين العراقيين على "الاندفاع نحو الفشل" ذو الطموح المفرط (على سبيل المثال، محاولة التغلب العسكري على ميليشيا رئيسية)، يتمثّل النهج الأذكى في مساعدتهم على استعادة المنطقة الدولية. وستكون إزالة الميليشيات بشكل تدريجي من هذه القطعة العقارية الرئيسية رمزية جدّاً على المستوى الوطني، والأهم من ذلك، [تساعد على] حماية المنشآت العراقية والأمريكية ومنشآت التحالف الأكثر حساسية. أما التخلص التدريجي من آلاف رجال الميليشيات والأسلحة الثقيلة من المنطقة فقد يتّسم بمجابهة كبيرة، لكنه على الأقل يستحق المخاطرة - على عكس اعتقال عدد قليل من قادة الميليشيات، الذي سيكون له تأثير محدود. وبالفعل، يقوم الكاظمي بإجراء العديد من التغييرات الإيجابية على الترتيبات الأمنية في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة، لذا فقد حان الوقت لبذل جهود "الانتقال من حيٍّ إلى آخر" لإزالة المقاتلين والأسلحة. يجب على واشنطن حشد الدعم الصريح لمثل هذه الخطوة، ليس فقط بين الجهات الفاعلة الدولية التي لديها سفارات في المنطقة، بل أيضاً بين الكتل السياسية الشيعية والعلمانية والكردية والسنية المعتدلة في العراق.

وخلال انتظار تنفيذ هذه الإجراءات وغيرها، فإن السفارة قادرة تماماً على حماية نفسها، كما فعلت خلال المواجهة في كانون الأول/ديسمبر الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تم تقليص الوجود الأمريكي وتعزيزه منذ ذلك الحين - فأصبح يتركّز حاليّاً في ستة مواقع بدلاً من أربعة عشر، وفي كل موقع دفاعات ناشطة ضد القذائف والصواريخ والطائرات بدون طيار. ويمنح هذا الاستثمار الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات الأفراد الأمريكيين الشجعان القدرة على الصمود أمام نيران المضايقة عندما لا يمكن تجنّبها، وعلى الرغم من أن مظلة الحماية لا تمتد لقوافل الإمداد، إلّا أن وظائف النقل هذه يتم تنفيذها من قبل عراقيين يتمتعون بنفس القدر من الشجاعة، وليس أمريكيين. ومن شأن تأمين المنطقة الدولية والبدء بالحملة لإخراج الميليشيات أن يمنح السفارة الأمريكية أسباب أكثر قوة للوقوف على أسس وطيدة لأنها تساعد بغداد على الصمود أمام التهديدات الإيرانية.