موظفو العراق بلا رواتب وحرب تصريحات بين الحكومة والبرلمان

آخر تحديث 2020-10-05 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

بعد مرور حوالى 50 يوماً على آخر راتب تسلّمه موظفو العراق، تستمر الأزمة المالية بالتفاقم، مع استمرار انخفاض أسعار النفط وعجز الحكومة العراقية عن رفد إيرادات الموازنة العامة بمصادر أخرى، بالرغم من تعهدات سابقة بالإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل.

حرب تصريحات بين الحكومة والبرلمان

وبالتزامن مع ذلك الإشكال، تتزايد حدة التصريحات بين الحكومة والبرلمان في شأن تأمين الرواتب، إذ ترهن وزارة المالية العراقية تأمينها بتصويت البرلمان على قانون اقتراض إضافي، الأمر الذي فاقم الإشكال بينها وبين اللجنة المالية في البرلمان العراقي، التي اشترطت على الحكومة في وقت سابق تقديم ورقة إصلاح اقتصادي، قبل الشروع في التصويت على قانون الاقتراض، في حين لم تقدم الوزارة حتى الآن أية ورقة للإصلاحات الاقتصادية، بالرغم من تعهدات عدة قطعتها في هذا السياق.

في هذا الشأن، قال وزير المالية علي علاوي إن "رواتب المتقاعدين للشهر الحالي تم إطلاقها من دون أية مشكلة"، مشيراً إلى أن "رواتب ومخصصات الموظفين سيتم إطلاقها خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة".

وأضاف في تصريحات للوكالة الرسمية، إن "المبالغ ستكون متوافرة في حال وافق البرلمان على قانون الاقتراض"، مؤكداً أن "القانون مهم جداً لأنه يلبي حاجات الدولة المالية، ويعالج عجز الموازنة".

إحراج البرلمان 

وتشير اللجنة المالية في البرلمان العراقي إلى أن الوزارة تحاول إحراج البرلمان العراقي أمام الرأي العام، من خلال رهن سداد رواتب الموظفين بتصويته على قانون الاقتراض.

ويقول عضو اللجنة ناجي السعيدي، إن "مسؤولية تأمين الرواتب تقع على عاتق وزارة المالية، فهي معنية بإيجاد معالجات في سياق تعظيم الإيرادات المالية للبلاد".

ويشير في حديث مع "اندبندنت عربية"، إلى أن تأخر وزارة المالية في إرسال قانون الاقتراض حتى نهاية الشهر الماضي، يعود إلى "محاولات إحراج البرلمان أمام الرأي العام، وتحميله مسؤولية هذا الملف"، مبيناً أن "البرلمان سيضطر إلى تمرير قانون الاقتراض نتيجة الأزمة الحالية، إلا أن اللجنة ستستدعي رئيس الوزراء ووزير المالية في جلسة مكاشفة أمام الشعب العراقي".

ويذكر أن "حجم الاقتراض الذي تود الحكومة الحصول عليه يبلغ 20 تريليون دينار (17 مليار دولار)"، مبيناً أن "إيرادات وزارة المالية لشهر سبتمبر بلغت نحو 2.5 مليار دولار، وفي الوقت ذاته بلغت مبيعات مزاد العملة ما يقارب 4.4 مليار دولار، ما يمثل ناقوس خطر يهدد الاقتصاد العراقي".

ويلفت إلى أن "الاقتراض المحلي يأتي من أموال البنك المركزي، والاستمرار بتلك الآلية في العمل وعدم إيجاد معالجات حقيقة سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العراقي نهاية 2021"، مردفاً، "الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد أخطر بكثير من الوضع الصحي".

إخفاق السياسية المالية 

ويتزايد الجدل في شأن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها الحكومة العراقية، وتحديداً ما يتعلق بتقليل النفقات التشغيلية في الموازنة، إذ لم تحسم الحكومة تعهداتها في ملفات عدة تتعلق بتنويع المصادر المالية في الموازنة العامة، من بينها ملف المنافذ الحدودية ومزدوجي الرواتب والموظفين الوهميين. ويتوقع متخصصون في الاقتصاد زيادة حجم الديون العراقية مع استمرار توقعات انخفاض أسعار النفط عالمياً، وغياب الإجراءات الحكومية.

ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي عبدالرحمن المشهداني، أن "قانون الإدارة المالية يخول وزارة المالية الاقتراض من المصارف الحكومية التابعة لها من خلال أذونات الخزينة، ما يحل جزءاً كبيراً من الأزمة".

ويضيف لـ "اندبندنت عربية"، أن "واحدة من أكبر الإشكالات التي تعانيها البلاد، هي إخفاق السياسية المالية للحكومة في ضغط نفقات الموازنة"، معبراً عن اعتقاده بأن الأزمة ستستمر حتى العام المقبل، مع توقعات استمرار انخفاض أسعار النفط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول المشهداني إن التوقعات تشير إلى "احتمال ارتفاع الدين الداخلي خلال العام المقبل إلى حدود 75 مليار دولار". ويلفت إلى أن "محاولات زيادة سعر صرف الدولار أمام الدينار لن تكون كافية في تغطية العجز المقرر في الموازنة، وستتسبب برفع أسعار السلع في السوق العراقية".

ويختم أن "حلول الأزمة المالية التي تمر بها البلاد تتعلق بتقديم موازنة معقولة يتم خلالها تقليل النفقات، ومعرفة وإحصاء أعداد الموظفين الحقيقيين في الدولة"، مبيناً أن "تخصيصات مزدوجي الرواتب والموظفين الوهميين تصل إلى حدود 18 مليار دولار سنوياً".

آلية الاقتراض

وتشير التقديرات إلى أن احتياط البنك المركزي انخفض إلى حوالى 58 مليار دولار نتيجة الإنفاق في الأشهر الماضية، بعد أن كان يبلغ نحو 65 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي.

وبالرغم من حديث اللجنة المالية في البرلمان العراقي، عن أن استمرار الاقتراض يشكل ضغطاً على احتياطي البنك المركزي، إلا أن مراقبين يؤكدون عدم تأثيره على الاحتياطي النقدي للبلاد، مشيرين إلى أنه يجري من خلال استثمار مصادر مالية أخرى للبنك المركزي.

ويوضح الباحث في الشأن الاقتصادي عبدالعادل ناعم، آليه الاقتراض الداخلي بالقول، إنها "تأتي من خلال إصدارها سندات الخزينة التي تباع إلى القطاع المصرفي بنسبة فائدة محددة، وبدورها تقوم المصارف بخصم السندات عند البنك المركزي بفائدة إضافية بسيطة".

ويؤكد في حديث إلى "اندبندنت عربية"، عدم تأثير هذا الإجراء في الاحتياط النقدي للبنك المركزي، مبيناً أنها "تتم من خلال مصادر مالية أخرى للبنك".

وفي شأن تأثير استمرار الاقتراض الحكومي على الاقتصاد العراقي، يبين ناعم أن "استمرار المنهج الحالي سيؤدي إلى أن يصل الاقتراض الداخلي إلى حوالى 77 تريليون دينار (64 مليار دولار) والخارجي إلى 67 مليار دولار"، لافتاً إلى أن "تضخم الديون سيؤثر في التنمية الاقتصادية، ويزيد من معدلات البطالة، ويؤدي إلى الانكماش والكساد، فضلاً عن زيادة الأعباء المالية على الأجيال المقبلة".

ويعلن عن بدائل عدة تساعد الحكومة في الخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها، من خلال "تقليل النفقات العامة وزيادة العوائد غير النفطية إلى الضعف"، مستدركاً أنه "إذا استمر الاعتماد على قطاع النفط، فستبقى مديونية العراق في ارتفاع لسنوات طويلة".

وتتفاقم الأزمة المالية التي يعانيها العراق مع استمرار تفشي فيروس كورونا وانعكاساته على سوق النفط العالمية، في وقت تبدو فيه الحلول شحيحة أمام الحكومة العراقية، مع اعتماد اقتصاد البلاد منذ أكثر من 17 عاماً على النفط كمورد رئيس في تمويل الموازنة.