مقتدى الصدر في مواجهة "تشرين" مجددا

آخر تحديث 2020-10-08 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

ارتبطت مراسم زيارة أربعينية الحسين أخيراً بالاحتجاجات العراقية، وبدأت تتحول شيئاً فشيئاً من مراسم دينية إلى فعاليات احتجاجية ضد قوى السلطة والميليشيات الموالية لإيران، حيث لم تغب مشاهد رفع المحتجين العراقيين إبان انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لرايات دينية تشير لانتمائهم إلى ثورة الحسين في مواجهة رصاص قوات الأمن والفصائل المسلحة.

وفي تطور لافت، أظهرت مشاهد مصورة، هجوم قوات أمنية تحمل هراوات على مسيرة ضمن شعائر أربعينية الحسين في كربلاء، تحمل صور ضحايا الاحتجاجات الأخيرة، بعد لحظات من إطلاق هتافات منددة بالتدخل الإيراني والأميركي في البلاد، ما تسبب بموجة غضب شديدة بين الأوساط المؤيدة للاحتجاجات العراقية.

الصدر يهاجم المحتجين

وتوالت بيانات تهاجم المحتجين وتصفهم بـ"مثيري الفتنة والمندسين"، من زعماء سياسيين وقادة فصائل مسلحة، كان أبرزهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي.

واتهم الصدر، من أسماهم بـ "المندسين" بين صفوف المحتجين، باستغلال المناسبات الدينية في كربلاء، وفيما وصف ما جرى بأنه "فتنة مخطط لها بدعم خارجي مشبوه"، مهدداً بالتدخل على طريقته "الخاصة والعلنية".

وقال الصدر في تغريدة على "تويتر"، "بسمك اللهم... عمد بعض المندسين ما بين صفوف ما يسمى بثورة تشرين ممن لهم أفكار منحرفة أو ميولات داعشية أو بعثية وبمعية بعض المخربين من هنا وهناك، إلى استغلال المناسبات الدينية في كربلاء وتجييرها لمصالحهم الضيقة وأفكارهم المنحرفة بل ولعلها معادية للدين والوطن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف، "لذا على القوات الأمنية حماية المقدسات فإنها بداية فتنة يخططون لها بدعم خارجي مشبوه"، داعياً "الثوار بالتبرؤ منهم".

وتابع، "وإذا لم يتحقق الأمران فإني مضطر للتدخل بطريقتي الخاصة والعلنية".

وختم تغريدته، "ولعل التشرينيين لا يستطيعون التظاهر مستقبلاً إذا لم يتبرأوا رسمياً من تلك الجريمة الوقحة فالكل سيتبرأ منهم".

فيما أعلن الخزعلي مساندته للقوات الأمنية ضد ما وصفها بـ"التصرفات المنحرفة التخريبية"، موضحاً أن ما جرى "مُحاولة إيجاد الفتنة".

استذكار لـ"جيش المهدي"

أثارت تغريدة الصدر غضب الناشطين والمحتجين الذي استذكروا مواجهات مسلحة بين "جيش المهدي" التابع لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والقوات الأمنية، في الزيارة الشعبانية في كربلاء عام 2007، بالقرب من العتبتين الحسينية والعباسية، فيما أعاد آخرون نشر مذكرة اعتقال صادرة في 2004 على الصدر على خلفية مقتل رجل الدين عبد المجيد الخوئي.

ويرى مراقبون أن رأي الصدر الأخير لا يخرج من سياق التقلب المستمر في توجهاته السياسية، والذي استغلته الفصائل المسلحة الموالية لإيران في كثير من الأحيان، كما جرى يوم أمس، حيث استغلت منصات إعلامية مقربة من الفصائل تهديد الصدر لمطاردة الناشطين وتهديد بعض الإعلاميين، في حين أن تلك المنصات كانت قد شنت هجوماً على الصدر قبل أيام قليلة، على خلفية موقفه من الهجمات الصاروخية التي تشنها فصائل مسلحة موالية لإيران.

أما البيانات الأمنية فلم تخل هي الأخرى من عبارة "المندسين" في توصيف الأحداث، حيث لفت بيان خلية الإعلام الأمني إلى أن بعض "المندسين" افتعلوا احتكاكاً مع القوات الأمنية من خلال رميهم بالحجارة، فيما اتهمت أفواج طوارئ كربلاء، المتظاهرين بإطلاق "شعارات استفزازية" على خلفية إطلاق المحتجين شعارات ضد إيران وأميركا.

بيان هادئ من العتبات

في مقابل تلك البيانات، أصدرت العتبتان الحسينية والعباسية بياناً نفت فيه ارتباط الأحداث التي جرت في المحافظة بالشعارات المناوئة لإيران وأميركا، فيما لم يتضمن البيان أي عبارات من قبل "مندسين" أو "منحرفين"، على غرار الأوصاف التي استخدمها الصدر والخزعلي.

ووصف بيان العتبتين المحتجين بـ"موكب الأخوة من ذي قار"، فيما أشار إلى أن الإشكال الذي حصل كان بسبب "عدم حصولهم على الموافقات الخاصة للدخول إلى منطقة العزاء".

وأضاف البيان، "عندما أُبلغوا بأن هذه التعليمات والقوانين هي للحفاظ عليهم وعلى الزائرين، ولأجل تنظيم العزاء الحسيني، بالتالي عليهم الانسحاب لعدم التزامهم بها، رفضوا وأرادوا الدخول بالقوة".

وعلى الرغم من بيان العتبات التوضيحي، إلا أن ناشطين شككوا بتلك الرواية، وقالوا إن "موكب تشرين" و"الناصرية" يمتلكان الموافقات الأصولية.

في المقابل، يرى سياسيون ومراقبون أن تلك الجماعات كانت مهيأة لقمع المحتجين وإظهارهم كمخربين لتسجيل انتصار عليهم، في هذه المراسم التي بدأت تتحول في السنتين الأخيرتين إلى مظاهر احتجاجية أكثر من كونها زيارة دينية، فيما يشير مراقبون إلى أن ما جرى، محاولة من الفصائل المسلحة للاستيلاء على الشعائر الدينية واستغلالها كمنصة لاستعراض النفوذ والقوة.

من جهة ثانية، كتب النائب في البرلمان العراقي، فائق الشيخ علي على صفحته في "تويتر"، "يا ثوار، ميليشيا ابن سعد كانت مستعدة ومتهيأة لقمعكم وطردكم من زيارة أبي الأحرار في كربلاء"، متسائلاً "كيف انقضَّ عليكم الآلاف منهم في ثوان؟ ‏ولماذا يحملون الهراوات في أيديهم؟".

أضاف "مكانكم الحقيقي ساحات التظاهر يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وليس العتبة الحسينية".

وانتشرت قبل أيام، صور لجماعة يصفون أنفسهم بـ "ربع الله" في كربلاء، والتي تبنت عمليات اقتحام لقنوات فضائية كان آخرها اقتحام قناة "دجلة" في بغداد، على إثر اتهامات للقناة بعدم احترام الشعائر الحسينية، وعلى الرغم من ذلك سمح لهم بالمشاركة بمراسم العزاء.

وكانت منصات على صلة بالفصائل المسلحة قد تداولت، إصداراً مرئياً منسوباً لجماعة "ربع الله" تتوعد فيه بـ"ردع عملاء المشروع الصهيوأميركي"، في حين تتولى تلك المنصات المروّجة للجماعة، إعلان التسريبات عن الهجمات الصاروخية واستهداف الأرتال التابعة للتحالف الدولي، فيما نفت قيادة العمليات "السماح لأي جماعة متشددة بالدخول إلى المدينة وتعكير صفو أجواء الزيارة".

مخاوف انتخابية

يأتي بيان الصدر الأخير ضمن سلسلة بيانات أصدر فيها توجيهات صارمة للمحتجين، حيث سبقه بيان تضمن توجيهات بعدم زج الناشطين بعناوين سياسية أو انتخابية، الأمر الذي يعزوه مراقبون إلى المخاوف من أن يكون الاحتجاج عنواناً انتخابياً يهدد مصالحه السياسية.

في السياق ذاته، يقول الكاتب والصحافي رضا الشمري إن "القوى السياسية الشيعية بشكل خاص تشعر بالانزعاج من استمرار التظاهرات إلى وقت الانتخابات، لأنها تحس أن الاحتجاجات أكلت من رصيدها الانتخابي وموجهة ضدها أكثر من الكتل السنية التي هي بعيدة نسبياً عن التظاهرات وآثارها".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "حتى مع الانحسار الكبير لموجة التظاهرات وانشغال الرأي العام بمواضيع مثل كورونا والاقتصاد والرواتب، يسبب البطء في الفهم السياسي مقروناً بحب الانتقام الذي عرفت به الأحزاب والكيانات العراقية المتنفذة استمرار مهاجمة الكتل والأحزاب للمتظاهرين، حتى وإن كانت التظاهرات لم تعد تحمل الثقل نفسه الذي كانت تحمله منذ انطلاقها".

ويتابع الشمري، "أما التيار الصدري الذي انتقل من ادعاء دعم المتظاهرين وتحصيل مكاسب سياسية من ورائهم، إلى قتلهم وملاحقتهم، فهو قلق– كما هو دوماً– من فقدان سيطرته على الشارع بعد تقدم عمر مؤيديه المخلصين وخسارته الشباب لصالح القوى الشيعية الأخرى والتظاهرات، لهذا حاول أن يقوم بتهديد المتظاهرين وقد ينفذ بالفعل تهديداته بضربهم في مناطق يرتفع فيها نفوذ التيار مثل بغداد وميسان".

هتافات المحتجين

من جانبه، يرى الناشط والكاتب علي رياض، أن "هتافات المحتجين بالضد من أميركا وإيران تأتي في سياق رؤيتهم أن هاتين الدولتين معاديتان لبلادهم"، مبيناً أنه "لا حق لمن يقف بوجهم تحت أي مسوّغ".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "معظم الثوار حسينيون، لا يفوقهم معمم متطرف أو مرتزق ميليشيوي حرصاً على قدسية الحسين وشعائره، المواكب الحسينية دعمت تشرين بالطعام والشراب، واستشهدت برصاص القناص وقنابله الغازية، تارة بلباس الدولة الرسمي وتارة بلباس الميليشيات، في الوقت الذي كانوا يرفعون رايات الحسين والعباس في احتجاجاتهم".

ويلفت أن "على الحكومة العراقية، أن تميّز الفرق بين من يهدد شعبه بسلاحه وسلاح اتباعه نصرة للغريب، وبين من استشهد ويستشهد أعزل لأجل وطنه وحسب".