كتب / عمر معربوني
يتصرّف البعض في لبنان وكأنهم حكّام امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، يشعرون بجنون العظمة اللامتناهي ، متناسين او مُلزمين بتناسي التحولات الكبرى التي تتحكم بالإقليم والعالم ، ويتصرفون وكأنهم المصير المحتوم ، لا بل كأنهم قدرٌ لا مفّر منه .
أحمق من يظّن ان الكيانية قد تُنقذه وابله من يظّن انّ الإستقواء قد يحميه ، ففي حمأة العودة الى تفعيل ” الثورات “البرتقالية من بيلاروسيا الى بلاد الأرز مروراً ببهلوانات السودان ، وعطفاً على ركوع المطبعين واستجداء رضى الصهيونية العالمية ، تزامناً مع إجترار جديد لسوء تقدير الموقف من المعلّم الأميركي الى أدواته كباراً وصغار ، وبالعودة الى لبنان ، وبالنظر الى مسارات الفهلوة والتذاكي المكشوفين يبدو ان الرئيس الحريري يسير الى الريتز السياسي هذه المرّة بقدميه كمدخل الى انتحار سياسي مؤكد اذا لم يُغلّب فعلاً لا قولاً وخلال ساعات معدودات مصلحة لبنان ومصلحته ، لأن الأمور لم تعد تحتمل ” النطنطة ” والتفخيخ .
وفي الحدود الدنيا لعالم الوفاء كان على الحريري ان يُغلق سمعه على أصوات راهنيه ، ويفتح قلبه لمن نصَرَه في لحظات الضيق ويمد اليهم يده ليعمل الجميع على رأب ما تصدّع من بلد كان له ولفريقه نصيب كبير فيه .
حتى اللحظة والى ما قبل كتابة هذه الكلمات بقليل لا شيء يؤشر ويؤكد ان الحريري يسير نحو الهدف المنشود ، فهو لم يُبدي للثنائي الاّ ما هو مرتبط بعناوين فضفاضة ، فلا وعود ولا تأكيد حول موقفه من صندوق النقد الدولي وكيفية إدارة هذا الملّف الخطير ، خصوصاً انّ الحريري الليبرالي الهوى لا يجد صعوبة في تسهيل مهمة الخصخصة ولا يجد مخرجاً آخر للخروج من النفق وهو ما لا يمكن ان يمّر في بلد تحكمه موازين القوى المحلية والإقليمية بتحولاتها التي لا تميل الى فريقه لا من قريب ولا من بعيد .
ولا ضير هنا ان نذكّر بما قاله ومارسه الشيخ سعد في مراحل مختلفة وهو ما يدعو الى الريبة في قادم ما بعد التكليف ان حصل ، وهو ما يستدعي منه وعوداً قاطعة وليس مجرد بسمات وتطمينات لا تُغني ولا تسمن من جوع .
1- في لحظة اعتقاله في المملكة السعودية كانت شماتة من حالفهم بادية ولو مغلّفة بعبارات الإستنكار ، هذا غير ما اكتشفه هو وكشفه فيما بعد ان لأكثر حلفائه قرباً يداً في اعتقاله وكذلك لبعض مقربيه ، في حين ان من يعتبرهم خصومه كانوا السبّاقين في التآمر عليه ناهيك عن اقرب المقربين اليه ، في الوقت الذي بادر الرئيس عون وبري ومعهم السيد حسن نصرالله الى خوض مواجهة حكمها اعتبارين.
أ- اعتبار اعتقاله مساساً بالكرامة الوطنية وهو ما لا يمكن القبول به تحت أي ظرف من الظروف .
ب- وكونه حينها رئيس حكومة كل لبنان واعتبار اعتقاله سابقة خطيرة في العلاقات الدولية لا يجب تجاوزها والسكوت عنها
والجميع يعرف حينها كيف تم التعامل معه من قبل محرريه بوجدانية تجاوزت كل الخلافات والتباينات على أمل ان تكون بارقة امل نحو تموضعات وطنية تُخرج البلد من مشاكله ، لكنه لم يفعل وظل حبيس الريتز رغم خروجه منه جسدياً .
2- المسألة الثانية التي لم يبدي فيها الشيخ سعد أي ثبات هو استقالته من رئاسة الحكومة استجابة لضغوط الشارع ما بعد 17 تشرين الأول 2019 على الرغم من مناشدة الرئيس بري والسيد حسن له بالثبات والبقاء لخطورة ما يمكن ان تشكله استقالته ولكنه ابى الا ان يُنقذ نفسه أملاً في تمكنه من استثمار اللحظة واستجابة لآسريه مرة أخرى .
3- المسألة الثالثة هو ما حاول الشيخ سعد فعله في محطات شديدة التعقيد كاستحقاق نطق القرار الإتهامي للمحكمة الدولية الذي تمخض فولد فأرة صاحبها مهزلة لم تسلم نقداً وتهكماً حتى من محبي الرئيس رفيق الحريري وهو ما تكرر بعد انفجار مرفأ بيروت وطريقة التعاطي مع الحدث الزلزال والغمز واللمز من قناة حزب الله بأن له يداً ما فيما حصل رغم وضوح المصلحة الأميركية والصهيونية في تدمير المرفأ خصوصاً ان ما يفعله الأميركي في هذه المرحلة هو نقل وظيفة لبنان بالكامل الى حيفا وتل ابيب وتتم ترجمتها عملياً من خلال ما يتجاوز التطبيع الى التحالف بين محميات الخليج وكيان العدو في كل اشكال الخدمات التي كان لبنان يؤمنها لهذه المحميات .
4- وصولاً الى المبادرة الفرنسية وما مارسه رؤساء الحكومة السابقين الأربعة من فعل استلاب للرئيس المكلّف مصطفى اديب وصولاً الى السد الذي مهّدت المكابرة والإستعلاء والتقدير الخاطيء الطريق اليه وهو ما يتكرر حتى ساعات ما قبل مشاورات التكليف ، وهذا كله حصل ويحصل حتى اللحظة بالتفافة فرنسية بتوجيه وتخطيط أميركي وفي اجترار فاشل لسيناريوهات لا يمكن ان تمر حتى في بلاد واق الواق ، فكيف الأمر بلبنان الذي تحكمه موازين قوى هي انعكاس لموازين القوى في الإقليم ضمن مرحلة تحولات كبرى لم تعد بالمطلق لمصلحة المهيمن الأميركي وباتت مُدرَكة من العقلاء والخائفين معاً ، الاّ انها على ما يبدو ليست على مستوى سمع الشيخ السعد .
5- تذكيراً ومن خلال ما يحصل من تطورات قد نكون امام موقف قد يضطر الثنائي او على الأقل حزب الله لحجب التسمية عن الشيخ سعد اذا لم تصل الأمور الى تفاهمات ووعود قاطعة تُنهي هواجس فريق المقاومة كلياً بملفات حساسة وتمس جوهر بقاء لبنان واستمرار كينونته .
6- واخيراً وهو كلام لا يجب ان يغيب عن بال احد ، فما لم يستطع الأميركي ومعه ربيبته ” إسرائيل ” ومعهما جماعات الإرهاب المصنّع في دهاليز المخابرات الغربية من أخذه في ساحات الحرب ، فمن المستحيل حصولهم عليه في السياسة وهو أمر مؤكد تدعمه قوّة حق لا تلين ، وقد تضطر في لحظة تعنت وعناد وآذان صماء للأصيل وللوكيل ان تقلب فيها الطاولة على رؤوسهم .