إنهاء اعتصام ساحة التحرير في بغداد إعادة تمركز أم هدنة سياسية؟

آخر تحديث 2020-10-27 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

بعد عام على بداية اعتصامات انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) العراقية، في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، اتفق غالبية الناشطين على رفع خيامهم من الساحة، بعد المصادمات الأخيرة التي حصلت في الذكرى السنوية للانتفاضة والمخاوف من استمرار استغلال أحزاب وجماعات مسلحة للحراك بعدما تغلغلت إلى الساحة منذ فترة.

ويبدو أن معتصمي بغداد باتوا موقنين أن بقاء اعتصاماتهم لم يعد مجدياً، إذ باتت "منصة تستغلها جماعات سياسية وأخرى ترتبط بفصائل مسلحة"، من أجل تحقيق غايات سياسية، أو محاولة التشويش على مطالب المحتجين الرئيسة التي تضغط بشكل كبير على القوى السياسية العراقية.

ولعل تلك الخطوة تندرج ضمن مساعي الناشطين لعزل أنفسهم وحراكهم عن تلك الجماعات، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات لقطع الطريق أمام محاولات الاستثمار السياسي وتأجيج التصعيد من قبل مؤيدي تلك الجماعات.

زلزال لا ينتهي

على الرغم من قرار الانسحاب، إلا أن الشارع العراقي بات مهيّئاً للخروج مرة أخرى واستئناف الانتفاضة، إذ تصاعد حجم معاناة العراقيين بشكل عام بعد أزمة فيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط، وانعكاس ذلك على الأوضاع الاقتصادية للبلاد، فضلاً عن أن الأجواء السائدة في العاصمة نتيجة تردّي الظروف المالية للبلاد واستمرار نفوذ الجماعات المسلحة، تعطي انطباعاً واضحاً عن مدى السخط الشعبي حيال قوى السلطة.

"اندبندنت عربية" التقت بعض الناشطين الذين عبّروا عن هواجسهم ومخاوفهم من المرحلة المقبلة.

"رُفعت الخيام لكن هذا لا يعني أن زلزال تشرين انتهى"، هكذا يقول الناشط البارز علاء ستار تعليقاً على مشهد رفع خيام المعتصمين، مشيراً إلى أن الغاية من تلك الخطوة "تعرية مندسّي السلطة وأحزابها وكشفهم بعد أن كانوا يختبئون بين المنتفضين ويجرون ويحرفون الفعاليات الاحتجاجية عن مسارها السلمي".

ويضيف "انتفاضة تشرين خطّت الطريق للأجيال، ورسمت شكل العراق الديمقراطي الذي نريده، بلا أحزاب طائفية وميليشيات وعصابات عوائل ولصوص تحكم هذا الشعب"، مبيّناً أن "تجربة الانتفاضة كشفت لنا عن إمكانية تحقيق كل ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويلفت إلى أن أمام المحتجين جولة جديدة تتمثل في الانتخابات المبكرة، موضحاً أن تحديات صعبة ستواجهها، منها "تحدي فرض قانون انتخابات عادل وإيجاد البديل السياسي في ظل القمع والممارسات الديكتاتورية من جانب السلطة وميليشياتها".

ويختم ستار، "إذا حاولت السلطة وأحزابها الاستمرار في نهجها وصولاً إلى فترة الانتخابات، فليس أمام الشباب بديل سوى إعلان القطيعة التامة مع النظام السياسي والمطالبة بإسقاطه".

"تشرين" والتأسيس لحالة وطنية

في المقابل، يؤكد الناشط غيث محمد أن "غالبية خيم التيارات المدنية رفعت"، مشيراً إلى أن دوافع عدة جعلت المحتجين يتخذون هذا الخيار، أبرزها أن "ساحة التحرير باتت مخترقة من أحزاب السلطة التي تثير إشكالات وصدامات وتحاول تحميلنا مسؤوليتها لتشويه صورة الانتفاضة، فضلاً عن المخاوف من استهدافات أكبر قد تشنّها تلك الجماعات على المحتجين وسط فوضى السلاح".

ويضيف محمد وهو صاحب إحدى خيم الاعتصام المرفوعة، أن "انتفاضة تشرين صارت هوية ومنهجاً لا يمكن اختزالهما في مكان أو اعتصام، هن تأسيس لحالة وطنية ستستمر بالرفض والاحتجاج على قوى السلطة بأشكال متعددة".

مرحلة ثانية للانتفاضة

ويعتبر مراقبون رفع خيم الاعتصام احتجاجاً من القوى المدنية على تغلغل جماعات تابعة لفصائل مسلحة أو أحزاب، غايتها التأثير على مسارات ومطالب الانتفاضة، فضلاً عن كونه بداية المرحلة الثانية للتحرك الشعبي من خلال التحشيد للانتخابات المبكرة.

ويصف الصحافي العراقي حيدر البدري، ما جرى من إنهاء للاعتصام في بغداد، بأنه "احتجاج مدني" نتيجة تغلغل جماعات حزبية فضلاً عن مخاوف من احتمالية أن تقدم تلك الجماعات على استهدافات أوسع للناشطين في الفترة المقبلة". 

ويتابع أن "الثورة لا تقتصر على الفعل الاحتجاجي أو الاعتصامات، وما دفع إلى اتخاذ هذا القرار هو إيمان الشباب المدني في ساحة التحرير بأن خيم الاعتصام باتت مخترقة"، مشيراً إلى أن تلك الخطوة تعدّ "تمهيداً للمرحلة الثانية من انتفاضة تشرين، من خلال بدء تحشيد القواعد الشعبية لنقلها من صيغتها الاحتجاجية إلى الفعل السياسي والانتخابي".

فضاء الأمة العراقية

وكانت المحافظات العراقية التي تشهد احتجاجات ضمن انتفاضة تشرين، تنظر إلى بغداد برمزية كونها "فضاء الأمة العراقية"، وبالرغم من وجود مدن لعبت دوراً رئيساً في الانتفاضة، إلا أن بغداد كانت مثالاً تتشكل وفقه رؤى وأفكار بقية الساحات، فضلاً عن كونها منطلق التحرك ومركز الحكم، ما حفّز في مرات عدة فكرة الزحف نحوها من بقية المحافظات.

ويقول الناشط في احتجاجات ذي قار محمد عبد الكريم الشيخ إن "الفارق كبير بين ساحتي الحبوبي والتحرير، من حيث سيطرة المحتجين على الساحات وعدم السماح لجهات حزبية باختراقها"، مبيّناً أن هذا "ربما يفسر بقاء اعتصامات الناصرية وإنهاءها في بغداد".

ويضيف، "الناصرية في الذكرى السنوية للانتفاضة، قدّمت مثالاً على السلمية والانضباط، الأمر الذي يدلل على أن من حفّز الصدامات في بغداد ليسوا التشرينيين، بل جماعات حزبية اخترقت الساحة في الفترة الماضية".

ناشطو الاحتجاجات في جميع المحافظات، كما يعبّر الشيخ، ينظرون إلى بغداد برمزية العاصمة رائدة الانتفاضة وعنوانها الحضاري، وإنهاء الاعتصام بهذه الطريقة خلّف جرحاً نرجسياً في نفوس المحتجين، مردفاً "كنا نأمل في أن يكون إنهاء الاعتصام بفعالية بحجم تشرين ودماء أبنائها بعد تحقيق المطالب، إلا أن هذا الخيار بات أمراً ضرورياً".

ويعرب عن اعتقاده بأن "البقاء في الخيم في ظل غياب التجاوب السياسي مع مطالب المحتجين غير مجدٍ، وعلى ناشطي الانتفاضة الشروع بخلق تيار سياسي ينافس في الانتخابات المقبلة"، مشيراً إلى أن "بدء عمل سياسي، ربما يسهم إلى حد ما في تغيير الخريطة السياسية ويمهّد لتحقيق المطالب وعلى رأسها محاسبة القتلة".

هدوء نسبي وتعليمات أمنية جديدة

وشهدت ساحة التحرير، اليوم الثلاثاء هدوءاً نسبياً، بعد جولة جديدة من التظاهرات انطلقت في 25 الجاري، فيما أعلنت قيادة عمليات بغداد في وقت سابق اليوم، تنفيذ حملات تنظيف لجانب الرصافة من جسر الجمهورية المطل على ساحة التحرير في بغداد.

ونفذت الحملة بالتزامن مع معلومات أشارت إلى وجود نية لفتح الجسر المغلق منذ عام على إثر الاعتصامات التي شهدتها العاصمة العراقية.

في غضون ذلك، ذكرت القيادة في بيان أنه "بالتنسيق مع كوادر أمانة العاصمة قيادة عمليات بغداد توعز وتشرف على عمليات التنظيف على جسر الجمهورية من جانب الرصافة"، كما قالت "أعطيت التوجيهات بفتح جسر السنك والطرق المغلقة الأخرى على خلفية التظاهرات الأخيرة".

وتزامناً مع صدور أوامر بفتح الجسور والطرق المغلقة، نفى شهود عيان، فض الاعتصام في ساحة التحرير ورفع الخيام.

وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، أعلنت أمس الاثنين إصابة 32 محتجّاً و 138 منتسباً في الأجهزة الأمنية خلال التظاهرات التي شهدتها بغداد وبعض المحافظات الأخرى يوم الأحد الماضي.