يبدو أن تحركات الكتل السنية في العراق لتشكيل تكتل جديد هدفه إقالة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، لم تجد صدى واسعاً لدى الكتل الشيعية والكردية، على الرغم من التسريبات التي تحدثت عن تفاهمات أولية في هذا الشأن بين الكتل الكبرى في البرلمان.
فأولويات الكتل الشيعية تتركز راهناً على استعادة جمهورها بعدما تراجعت شعبيتها خلال احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وما بعدها، إضافة إلى إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية تدفع جمهورها إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
أما أولويات الكتل الكردية فهي مختلفة، ومنها الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت مع انتشار وباء كورونا، والأزمة مع حزب العمال الكردستاني، وغيرها من القضايا الداخلية التي لم يتم إيجاد حلول لها.
ويبدو أن اختلاف الأولويات بين هذه الكتل والكتل السنية، خفف من اندفاع الأخيرة نحو اتخاذ خطوات قانونية لإقالة الحلبوسي. لكن الجبهة الوطنية الجديدة كشفت عن خطوات أولية ستقوم بها لإقالة الحلبوسي في الفترة المقبلة.
تواقيع للإقالة
يقول عضو الجبهة الوطنية طلال الزوبعي، إن الجبهة تدعو إلى إقالة الحلبوسي لضعف إدارته للبرلمان وحرف مسار العملية التشريعية، فضلاً عن شبهات فساد والاستجابة لضغوط خارجية.
ويضيف الزوبعي أن الجبهة ستجمع في البداية 110 توقيعات لأعضاء مجلس النواب، أي ثلث أصواته، بحسب ما ينص الدستور، في شأن إقالة رئيس المجلس، كاشفاً عن تحركات سياسية لإقناع رئيس مجلس النواب بتقديم استقالته بدلاً من إقالته من جانب أعضاء البرلمان.
ويعتبر الزوبعي أن "مجلس النواب انحرف عن دوره الرئيس، فهو عاجز عن تقديم مُنجز للشعب العراقي، ما انعكس سلباً على الحكومة ورئاسة الجمهورية".
ويلفت الزوبعي إلى أن "البديل عن الحلبوسي لم يُختر بعد، ويجب أن يحظى بإجماع وطني".
وتضم الجبهة العراقية التي يتزعمها أسامة النجيفي خمس كتل سنية، هي "المشروع العربي" و"الجماهير الوطنية" و"جبهة الإنقاذ والتنمية" و"الحزب الإسلامي" و"الكتلة العراقية المستقلة".
83 نائباً يحددون مصير الحلبوسي
سيبلغ عدد نواب الجبهة مجتمعين 35 نائباً، وهؤلاء غير كافين لإقالة رئيس مجلس النواب الذي تتطلب إقالته توفر الأغلبية البسيطة حسب رأي القانونيين. ما يشير إلى حاجة المطالبين بالإقالة إلى حشد التأييد من الكتل السياسية الأخرى، سواء الكرد أو الشيعة، للحصول على تلك الأغلبية.
ويشير المتخصص في الشؤون القانونية طارق حرب، إلى أن إقالة رئيس مجلس النواب تكون بالأغلبية البسيطة، وهي النصف وشخص واحد أيضاً، وهي تتمثل بحضور 165 نائباً، يستطيع 83 منهم التصويت على الإقالة.
ويعتبر أن "الإقالة تعني أن رئيس مجلس النواب سيكون عضواً في البرلمان كبقية الأعضاء".
واللافت هو أن كتلة "سائرون" التي سعت في مايو (أيار) الماضي لإقالة رئيس مجلس النواب، بسبب عدم عقد جلسات المجلس في ظل جائحة كورونا تعتبر أن الأمر يخص الكتل السنية.
ويقول النائب عن كتلة "سائرون" مضر خزعل إن المنصب من حصة السنة، وعليهم أن يتفقوا على شخصية لديها قبول من القوى السياسية الأخرى.
ويضيف خزعل أنه "من الضروري الأخذ بالاعتبار ما يمر به البلد"، سائلاً "هل هناك مصلحة في التغيير؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا ما اتفقت الكتل السنية على إقالة الحلبوسي "لاعتبارات بعيدة من الإقصاء، وإنما تهدف إلى التقدم والإصلاح"، بحسب خزعل، فإن كتلة "سائرون" ستناقش الأمر لعدم وجود مسميات عليها خطوط حمراء في الدولة العراقية.
ويصف عضو تحالف "الفتح" محمد البلداوي ما يجري داخل المكون السني بـ"الخلافات التي تخص زعامات المكون"، مشدداً على "ضرورة أن يُحسم هذا الموضوع داخل الكتل السنية".
ويضيف البلداوي أن "وضع البلد لا يحتاج إلى أزمة جديدة تضاف إلى أزماته، لأن لدينا من الصراعات ما يكفي، فنحن بحاجة إلى تحسين الوضع في العراق، وأن ننبذ الخلافات، فالوقت غير مناسب لحسم الموضوع".
ويركز التحالف، وفق البلداوي، "على التوافق بين الكتل والبحث عن حلول، وعدم التحول إلى جزء من الصراع".
القضية تخص السنة
الكتل الكردية أيضاً تعتبر أن القضية تخص السنة. وتقول رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في البرلمان العراقي فيان صبري، إن "الحراك في هذا الشأن يخص المكون السني، ولن نتدخل فيه ولن نكون مع طرف ضد آخر، والجبهة الجديدة لم تطرح مسألة إقالة رئيس البرلمان رسمياً".
وتضيف أن "الكرد يحرصون على لعب دور تقريب وجهات النظر، وهم قريبون من الجميع، ولدينا اتصالات مستمرة مع الأطراف السياسية كلها، وعلاقاتنا جيدة مع الجميع لدعم الاستقرار السياسي في ظل التحديات الراهنة".
لكن توجد كتل سياسية كردية أخرى لم تبحث الكتل السنية معها موضوع الإقالة.
ويشير النائب عن كتلة "التغيير" كاوة محمد إلى أن كتلته لم تُخاطب رسيماً في هذا الشأن ليكون لها موقف محدد.
صراع السلة الواحدة
يعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية خالد عبد الإله أن "ما يحدث هو صراع زعامات يسبق الانتخابات".
ويضيف عبد الإله "تلك التكتلات سواء كانت شيعية أم سنية، تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، وهذه الصراعات ليست جديدة، والجديد فيها توافق السنة والشيعة على أن الأمر بين القوى السنية".
ويرجح عبد الإله نجاح هذا الحراك لوجود حراك مشابه في اتجاه رئيس الجمهورية، "فمعادلة عادل عبد المهدي حاضرة بقوة، لأن الجميع جاء بسلة واحدة والجميع يخرج بسلة واحدة، بالتالي قد يتم التوافق على هذه المسألة بين السنة والشيعة".