تعاني العاصمة العراقية من مشاكل بيئية متعددة لكنها ازدادت في السنوات الأخيرة مع عدم وجود حلول تذكر لها من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة التي انشغلت بشكل كبير بملفات أمنية واقتصادية وأزمات سياسية، أُهمل معها هذا الموضوع الحيوي بشكل كبير.
فالغازات السامة التي تنبعث من محطات الكهرباء ومصفى الدورة وغيرها من المنشآت الصناعية التي أصبحت بعد التوسع السكاني داخل التصميم الأساسي للعاصمة، تمثل خطراً كبيراً على الصحة العامة وحياة الآلاف من البغداديين لكونها أصبحت على مقربة من مساكنهم ومطاعمهم وحياتهم اليومية.
وبالتزامن مع الغازات الصادرة من هذه المنشآت الحيوية، ما يقوم به المواطنون يومياً من حرق النفايات للتخلص منها خصوصاً في أطراف العاصمة وبكميات كبيرة يمثل مشكلة كبيرة تحتاج إلى قرار جاد من الحكومة الحالية لتنفيذ وعود الحكومات السابقة بإنشاء معامل لتدوير النفايات تضمن تحويلها إلى أشياء مفيدة وغير ضارة بالبيئة، فضلاً عن الآلاف من المولدات الأهلية المنتشرة في بغداد كبديل عن الكهرباء الحكومية التي لم تجد حلاً طوال أعوام ما أدى إلى أن تصبح هذه المولدات أحد البدائل للسكان التي لا تعتمد على الشروط البيئة والصحية، وتؤدي لسحب دخانية في سماء العاصمة.
ويتوسع ملف التلوث البيئي ليشمل أكثر من مليوني سيارة تتجول في العاصمة يومياً بمختلف السعات لتطرح عوادمها غازات سامة وبكميات هائلة، من دون وجود حزام أخضر يستطيع التقليل من أضرار هذه الغازات السامة.
فالحزام الأخضر حُول من قبل بعض الجهات المتنفذة إلى أراض للسكن اقتطعت أغلب بساتين وأراضي بغداد الزراعية منذ عام 2003 وسط عجز حكومي واضح عن إيقافهم لتحول العاصمة إلى مناطق جرداء، أسهمت إلى حد كبير في ارتفاع معدلات التلوث إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ العاصمة.
أعطال محطات التكرير
وتنبه أمانة بغداد وهي المسؤولة عن تقديم الخدمات في العاصمة إلى أن الأعطال في محطات تكرير النفط الخام يسهم في إنتاج غازات أكثر خطورة من المحطات الكهربائية على حياة السكان.
ويقول مدير دائرة البيئة والمخلفات الصلبة في الأمانة أحمد عبد الإله إن "الغازات المنبعثة من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية هي أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون، فيما تنبعث من محطات تكرير النفط إضافة إلى هذين الغازين، غازات الأمونيا وغازات أخرى في بعض الأحيان، وذلك عند حدوث خلل في المحطات لها تأثيرات سيئة على صحة الإنسان".
ويضيف عبد الإله، أن زيادة الغازات المنبعثة وكميتها لها علاقة بزيادة ارتفاع البرج ونوعية "الفلتر" المستخدم. وكانت محطات تكرير النفط بعيدة عن العاصمة إلا أن توسعها جعلها قريبة من مركز المدينة وفق عبد الإله الذي شدد على ضرورة أن تكون تلك المحطات بعيدة عن المدن.
وزارة البيئة
وتدعو لجنة الصحة البرلمانية الحكومة إلى إجراءات جدية للحد من التلوث الذي تعيشه العاصمة تتضمن أبرزها نقل مصفى الدورة إلى خارج العاصمة. وتقول عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي سهام موسى، إن "المحافظة على البيئة ومراقبة المصانع التي تخالف الشروط الصحية والبيئية هي من اختصاص وزارة البيئة التي دمجت بوزارة الصحة".
وتدعو موسى إلى إعادة مديرية البيئة في وزارة الصحة إلى هيكلها الإداري كوزارة كما كانت في السابق بهدف الحصول على الدعم الحكومي لكونها المسؤولة عن مراقبة كثير من الوزارات التي تخلف ملوثات مثل "وزارة الصناعة والكهرباء والبلديات والنفط وغيرها".
وتشدد موسى "على ضرورة قيام وزارة النفط بنقل مصفى الدورة إلى خارج حدود العاصمة للحفاظ على البيئة لكونها مصدرا للتلوث"، متهمة جميع الوزارات في العراق بخرق التعليمات والشروط البيئة الموضوعة من قبل الجهات الصحية والبيئية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتننشر سحب الدخان في أجواء العاصمة يومياً بسبب عدم عمل أغلب المنشآت والمصانع وفق المواصفات والشروط البيئية.
الوقود المستخدم
ويرى خبراء في البيئة، أن الحد من مستوى التلوث بحاجة إلى قرارات صعبة لها تكاليف اقتصادية كبيرة لا يمكن تنفيذها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ويقول الأستاذ في كلية العلوم قسم علوم الجو أحمد فتاح، إن مصفى ومحطة كهرباء الدورة وكذلك محطة جنوب بغداد جميعها أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي، وفي تلك الفترة كانت خارج الحدود الإدارية لمدينة بغداد وبعيدة عن مركز المدينة وتنسجم مع ضوابط الأثر البيئي في ذلك الوقت، مبيناً "أن زيادة عدد السكان وتوسع العاصمة وزيادة المنطقة الحضرية جعلها وسط المدينة، ما جعلها أحد مصادر تلوث الهواء في هذه المناطق وخاصة جنوب العاصمة".
ويضيف فتاح "أن استخدام (النفط الأسود) في هذه المنشآت يبعث نسباً عالية من الغازات السامة والضارة حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية مقارنة بوقود (الغاز السائل) والذي يعتبر من الوقود النظيف نسبياً".
وتعد محطة كهرباء الدورة الحرارية من أكثر المحطات تلوثاً، مقارنة بمصفى الدورة ومحطة جنوب بغداد، وفق فتاح الذي بين أن الانبعاثات من هذه المحطات يؤثر بشكل كبير على قطر دائرة تبلغ 5000 متر ضمن مركز المحطة، حيث يؤدي إلى جعل الغازات الملوثة في هذه المنطقة خارج الحدود المسموح بها من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والبيئة.
ويرى فتاح أن "أحد الحلول يكمن في إزالة هذه المحطات، لكن تحقيقها صعب لحاجتنا لها لإنتاج الطاقة الكهربائية، والحلول المطروحة هي تحسين نوعية الوقود المستخدم في هذه المحطات من خلال استخدام (الغاز السائل) ووضع منظومة تحسين الوقود، مثل منظومة إزالة الكبريت من الوقود الذي يدخل المصفى أو محطة الكهرباء قبل الاحتراق ما يقلل انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، ويجعله ضمن المحددات العالمية، فضلاً عن وضع فلاتر تصفية على المداخن، وهذا الأمر يعمل به في أغلب دول العالم".
ملوثات متعددة
حيدر محمد عبد الحميد الأستاذ بقسم الهندسة البيئية في جامعة بغداد، يرجع تلوث الهواء في بغداد إلى عدد كبير من العوامل أبرزها الغاز المنبعث من السيارات ومحطات تكرير النفط، فضلاً عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية.
ويضيف "العدد الكبير من السيارات والوقود المستخدم أحد أسباب زيادة نسب تلوث الهواء، فضلاً عن عدم اعتماد المعايير الهندسية الصحيحة في اختيار نوع المولدات الأهلية التي تنتج الطاقة الكهربائية، إضافة إلى الحرق العشوائي للنفايات".
ويلفت عبد الحميد إلى أن محطات الطاقة الكهربائية ومحطات تكرير النفط قديمة، إضافة إلى أن نوعية الوقود التي تستخدمه هذه المحطات أسهم في زيادة نسبة التلوث في بغداد".