شهد العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى اليوم، حروباً وعقوبات وأعمال عنف ذهب ضحيتها نحو مليون شخص، وأدت إلى هجرة ملايين العراقيين خلال مراحل زمنية مختلفة، فيما سكان البلاد في تزايد مستمر وبنسب كبيرة.
ولم يؤثر ارتفاع معدلات الفقر في المجتمع العراقي إلى أكثر من 20 في المئة بحسب إحصاءات رسمية فضلاً عن المشكلات والأزمات الاقتصادية والأمنية التي تمر بها البلاد، في معدلات الإنجاب، بل تفاعل معها عكسياً ليسجل ارتفاعاً في عدد السكان بدأ يثير مخاوف الحكومة والمختصين في إدارة الموارد البشرية.
كما أن زواج غير البالغين وبأعداد كبيرة خارج المحاكم العراقية كان سبباً مهماً في ارتفاع معدلات الإنجاب غير المدروسة، خصوصاً في بعض المناطق الشعبية وأغلب مناطق الأرياف، وحتى معسكرات النازحين التي شهدت طفرات غير مسبوقة في الولادات لدى المقيمين فيها.
ومن أجل كبح جماح هذا الارتفاع الكبير في عدد السكان، أطلقت وزارة الصحة العراقية استراتيجية لتنظيم الأسرة العراقية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان تمتد من عام 2021 وحتى عام 2025، تتضمن سلسلة خطوات لتنظيم حياة الأسرة العراقية بشكل ينسجم مع وضعها المالي ويمنعها من الإقدام على الإنجاب من دون تخطيط مسبق.
وقالت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق ريتا كولومبيا معلقةً على الاستراتيجية، إن "استخدام موانع الحمل الحديثة يبلغ نسبة 36 في المئة تقريباً داخل الأسر العراقية وهذا يعني أن العديد من الأزواج والأفراد الذين يحتاجون إلى خدمات تنظيم الأسرة لا يمكنهم الوصول إليها"، واصفةً هذا الأمر بـ"الانتهاك لحقوقهم الإنجابية".
وأشارت كولومبيا إلى أن "صندوق السكان العالمي سيعمل بموجب هذه الخطة على تعزيز قدرات نظام الرعاية الصحية وتقديم خدمات عالية الجودة للأسرة العراقية ووضع احتياجات الصحة الإنجابية للشباب وذوي الاحتياجات الخاصة وخفض حمل اليافعات كأولوية في عملها داخل العراق".
العراق مرتفع الخصوبة
إلا أن رغبة المنظمة الدولية في تطوير تنظيم الأسرة العراقية قد تصطدم بقناعات دينية واجتماعية ترفض خفض معدلات الإنجاب، وهي بحاجة إلى حملات توعية سواء من المنظمات الدولية أو المحلية أو رجال الدين لتغيير نمط حياتها.
وصرحت وزيرة الدولة السابقة لشؤون المرأة في العراق بشرى الزويني بأن "نسب الإنجاب عالية في المناطق الفقيرة داخل البلاد التي تعاني من مشكلات اقتصادية"، داعيةً إلى تدخل الدولة لتنظيم الأسرة في هذه المناطق من خلال التوعية عبر وسائل الإعلام ورجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني.
وأوضحت الزويني أن "غالبية دول العالم تتجه إلى اعتماد سياسات منظمة تحافظ فيها على معدل الأسر بما يتناسب وقدرة الدولة وامكاناتها ومواردها، بالتالي نحن بحاجة إلى سنّ قوانين ونشر الوعي المجتمعي لدى الأسر العراقية للتقليل من الإنجاب".
ويُعدّ العراق من الدول مرتفعة الخصوبة التي تصل إلى 3.5، في حين تتراوح في أغلب دول العالم بين 2 إلى 2.25 كحد أقصى، وفق الزويني، التي بيّنت أن هذه النسب أدّت إلى ارتفاع معدل السكان بشكل كبير في العراق.
ودعت الزويني منظمة الأمم المتحدة إلى دعم منظمات المجتمع المدني العاملة بالعراق في هذا الاتجاه، مبينةً أن "العراق تعهد من خلال مؤتمرات دولية بالتقدم في هذا المجال إلا أن الظروف السياسية عرقلت تنفيذ التعهدات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مليون شخص سنوياً
وترجح وزارة التخطيط أن يتجاوز عدد سكان العراق بعد 10 سنوات، الـ50 مليون شخص، كون الزيادة السنوية تتراوح من 850 ألفاً إلى مليون نسمة. وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "العراق يُعد من البلدان ذات الزيادة المرتفعة بالسكان بنسبة 2.6 مقابل بلدان أخرى تصل من 1.5 إلى 2 في المئة"، مبيناً أن "هذه الزيادة ستشكل ضغطاً على الواقع التنموي في كافة تفاصيله".
و"يتوجب العمل على تحويل الزيادة السكانية من عبء على التنمية إلى دافع لها، وهو ما تضمنته الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية" بحسب الهنداوي، الذي بيّن أن "هذه الوثيقة ركّزت على مجموعة من المحاور الأساسية في مقدمها السكن والصحة والتعليم والبنى التحتية وتمكين الشباب والمرأة، وستترجَم إلى سياسات من خلال دمج البُعد السكاني في الخطط الخمسية والخطط بعيدة المدى برؤية العراق للتنمية المستدامة 2030".
وبحسب بيان لبعثة الأمم المتحدة عقب إطلاق وزارة الصحة العراقية استراتيجية تنظيم الأسرة، فإن العراق تعهد قبل عام خلال المؤتمر الدولي للسكان الذي عُقد في نيروبي، بتقليل حالات حمل اليافعات، وتقليل وفيات الأمهات والعنف القائم على النوع الاجتماعي وزيادة فرص كسب العيش للشباب. وتضيف البعثة الدولية أنه "إذا تم الوفاء بهذه الالتزامات، فهذا الأمر سيدعم العراق في الاستفادة من العائد الديمغرافي والوصول إلى أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030".
تحديد النسل
من جهة أخرى، يعتبر مختصون بالموارد البشرية أن زيادة الوعي لدى العراقيين بأهمية تحديد النسل هو الأساس في السيطرة على ارتفاع معدلات الإنجاب في العراق. وأشار مدرب التنمية البشرية حسين ليث إلى وجود "أسباب عدة لزيادة الإنجاب أهمها قلة الوعي والفقر والرغبة بالاستفادة من الأولاد كأيدٍ عاملة"، داعياً إلى "إطلاق حملة تثقيفية لتحذير العائلات من التداعيات السلبية لكثرة الإنجاب". وأضاف ليث أن "تحديد النسل لا يتلخص بسن قوانين في مجلس النواب وإنما تنشيط الجانب التثقيفي والإعلانات التي تتحدث عن خطورة هذا الأمر والتركيز إضافة إلى البعد الاقتصادي على صعوبة تربية الأطفال ومشكلاتهم وإيجاد الحماية لهم".
الخطط مفقودة
أما مدرب التنمية البشرية محسن جبار فقال، إن "انعدام الخطط الحكومية وعدم وجود إدارة ناجحة، عوامل جعلت زيادة السكان عبئاً في وقت يجب أن تكون نعمة للعراق من خلال الاستفادة منهم كأيدٍ عاملة منتجة". وزاد أن "العراق يفتقر إلى قوانين تحديد النسل، وربما من الصعوبة إيجاد مثل هذه القوانين لأنها ربما تتعارض مع نصوص إسلامية، كون الدستور العراقي وضع القرآن مصدراً أساسياً للتشريع". وشدد على ضرورة التركيز على التوعية والتثقيف بشأن خطورة زيادة الإنجاب غير المدروس.