تحركت إدارة محافظة المثنى العراقية التي تبلغ مساحتها 51 ألف كيلومتر لاستعراض إمكاناتها الأمنية واللوجستية، قبيل افتتاح منفذ "الجميمة" مع السعودية، بهدف تحسين واقعها الاقتصادي، كونها تعّد من أكثر المحافظات العراقية فقراً، قياساً إلى باقي مناطق البلاد، بحسب البيانات السنوية لوزارة التخطيط العراقية حول مستوى المعيشة.
التحرك جاء بعد أسبوعين من افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين محافظة الأنبار والسعودية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إذ قامت محافظة النجف بخطوات لإحياء طريق الحج البري بين المحافظة والأراضي السعودية، عن طريق الحصول على تخصيصات مركزية تمهيداً لافتتاحه خلال الأشهر المقبلة، حيث اعتبرته أولوية قصوى حالياً.
ويبدو أن التنافس بين المدن العراقية التي تقع بالقرب من الشريط الحدودي مع السعودية، خصوصاً التي تقع في الفرات الأوسط أو في الجنوب العراقي ويمثل السكان الشيعة فيها الغالبية، لم يتأثر بصيحات وتهديدات الميليشيات الموالية لإيران، والرافضة لأي تعاون اقتصادي مع الجارة العربية، وتخويف السكان من الآثار السلبية لهذا التعاون.
لكن ما يميز المثنى عن غيرها من محافظات الوسط والجنوب المحاذية للشريط الحدودي مع السعودية، هو أن منفذها "الجميمة" هو الأقرب إلى عاصمتها السماوة، فهو يبعد 250 كيلومتراً عنها، بينما تبعد بقية المدن عن الحدود السعودية مسافات أكبر، ولا تمتلك طريقاً معبداً مباشراً إلى هذه الحدود.
وكان طريق المثنى أنشئ منذ سبعينيات القرن الماضي، ويعتبر الشريان الأهم إبان الحرب العراقية - الإيرانية لتدفق المساعدات الاقتصادية من الرياض نحو بغداد، كونه الأقرب للموانئ السعودية على البحر الأحمر، فضلاً عن إمكان أن يكون طريقاً حيوياً لنقل المعتمرين القادمين من آسيا الوسطى وتركيا وإيران براً إلى الأراضي السعودية.
وعلى الرغم من أن بعض المنشآت الموجودة على جانب الطريق لها تاريخ سيء في ذاكرة العراقيين، مثل سجن "نقرة السلمان" وبعض المقابر الجماعية التي خلفها نظام صدام حسين، إلا أن التوجه الجديد القائم على فتح باب الاستثمارات في المناطق الواقعة عليه أدى إلى نتائج إيجابية، تمثلت في البدء بسلسلة مشاريع للإنتاج الزراعي والحيواني تصل كلفتها إلى نحو 500 مليون دولار.
سينقذ "المثنى"
ترى "المثنى" أن فتح المنفذ سيمثل انطلاقة كبيرة للمحافظة إلى جميع القطاعات الاقتصادية، وخطوة مهمة لإنقاذها من واقعها المأساوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المحافظ أحمد منفي جودة "إن الطريق الرابط بين مدينة السماوة ومنفذ "الجميمة" مع السعودية يمثل طريق الحج البري الرئيس، وسيسهم في نقل البضائع بين العراق والسعودية"، مشيراً إلى انتشار القوات الأمنية على الطريق الذي يبلغ طوله 250 كيلومتراً، وأن الأمن فيه مستتب.
ويعد جودة، في تصريح متلفز نقله موقع محافظة المثنى، أن افتتاح المنفذ "سيكون انطلاقة كبيرة للمحافظة، وستكون يدنا بيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من أجل إنقاذ المحافظة، وإيجاد الآلاف من فرص العمل".
إنشاء مشاريع استثمارية
وتتوقع هيئة استثمار المثنى أن يؤدي افتتاح المنفذ إلى جلب استثمارات مهمة للمناطق الواقعة على الطريق الرابط بين السماوة والحدود السعودية.
ويقول رئيس هيئة استثمار محافظة المثنى عادل الياسري، "إن فتح منفذ "الجميمة" سينشط الحركة الاقتصادية في عموم البلاد، ما سينعكس بصورة إيجابية على تنشيط الحركة الاستثمارية، ويختصر الطريق البري بين المملكة والخليج وتركيا والدول الآسيوية، ليكون بذلك طريقاً حيوياً".
ويضيف الياسري أن عودة الحياة إلى المنفذ ستفتح طريقاً لمشاريع استثمارية أخرى على طول الطريق، إضافة إلى المشاريع الحالية، ما سيسهم في إنعاش المنطقة اقتصادياً.
لا توجد مقار
لكن هناك عقبات ربما ستؤجل افتتاح المنفذ خلال وقت قريب، تتمثل في عدم وجود منشآت وأماكن لدوائر الدولة تمكنها من إدارته.
ويقول عضو مجلس محافظة المثنى السابق أحمد مرزوك إن الطريق الواصل إلى المعبر الذي تم إنشاؤه في سبعينيات القرن الماضي معّبد وصالح للاستخدام من مختلف الحمولات.
ويضيف مرزوك، "ما ينقصنا فقط بناء المنشآت الخاصة بالمعبر من أرضيات لصف الشاحنات ومسقفات وغرف خاصة لدوائر الجوازات والجمارك والصحة والسيطرة النوعية، وهي تحتاج إلى أموال لإقامة تلك المنشآت".
ويعد إنشاء المنافذ الحدودية من اختصاصات الحكومة الاتحادية بموجب القوانين العراقية بحسب المرزوك، الذي أشار إلى إمكان إسهام الحكومة المحلية في بناء المنفذ بما يتيسر لها من إمكانات، مبيناً ان إنشاء المباني وافتتاح المنفذ يحتاج إلى وقت.
ممر للسياح الخليجيين
ويقول المتخصص في الاقتصاد، باسم جميل أنطوان، إن أهمية افتتاح المنفذ الحدودي يكمن في فتح آفاق استثمارية وسياحية للمحافظة، متوقعاً أن يكون المنفذ ممراً لكثير من السياح الخليجين الذين يتخذون من البادية مكاناً للتنزّه والصيد خلال موسم الربيع.
ويضيف أنطوان، "العراق يبحث عن استثمارات داخل البلد، وافتتاح المنفذ هو بوابة لدخول الاستثمارات، لا سيما في مجال الزراعة والصناعة".
ويرى أنطوان أن افتتاح المنفذ سيعمل على تشغيل الأيدي العاملة، وسيفتح شهية الجانب السعودي لاستصلاح المنطقة، لا سيما وأنه كانت لديه رغبة سابقة بالاستثمار في المثنى زراعياً، لولا الحساسية السياسية لدى بعض الأطراف.
وتتجه المثنى، وهي ثاني أفقر مدينة في العراق، لتكون المركز الأكبر، وربما عاصمة البلاد لإنتاج الأسمنت بمختلف أنواعه، لاحتوائها على المواد الخام المتمثلة في الأحجار الكلسية وبكميات كبيرة، حيث نجحت في جذب رؤوس الأموال لإقامة مصانع عملاقة، يقدر إنتاجها سنوياً بنحو 6 ملايين طن.
كما تشهد بادية المثنى حالياً سلسة من الاستثمارات في القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني وإنشاء معامل للمنتجات الغذائية، معتمدة على مخزون جيد من المياه الجوفية.