تراجعت الحركة التجارية إلى أدنى مستوياتها في أسواق الجملة الرئيسة في العاصمة العراقية بغداد، ومنها سوق الشورجة ومنطقة جميلة والبياع، بعد ساعات من قرار الحكومة العراقية خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، في خطوة للسيطرة على الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها البلاد.
فزائر هذه الأسواق يلاحظ تراجع الحركة وإغلاق عدد كبير من المحال التجارية. والحال هذه غريبة على الأسواق التي بقيت نشطة حتى في فترة التفجيرات والعنف الطائفي ما بين 2005 و2010، على الرغم من تعرضها لسلسة من الهجمات آنذاك.
وعلى الرغم من دخول قرار البنك المركزي حيز التنفيذ بتحويل سعر صرف الدولار من 1119 إلى 1460 للدينار الواحد، ما زال عدد من أصحاب المحال التجارية يترقبون السعر الذي ستبيع به مؤسسات الصرافة الدولار، لتسعير بضائعهم وفق ذلك، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق بنسبة 50 في المئة، متجاوزة قيمة خفض العملة الذي بلغ نحو 22 في المئة من قيمتها.
فقدنا جزءاً من الراتب
وبدا أن المواطنين ممتعضون من القرار الحكومي. وعبّروا عن ذلك عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى منصة تحث الشارع العراقي على التظاهر والاحتجاج ضد هذه الخطوة، التي رأى فيها كثيرون مقدمة لضم فئات جديدة من المجتمع العراقي إلى الفقراء في البلاد.
ويعتقد هشام أحمد، وهو موظف في الصحة، أن قرار سعر الصرف سيعمل على التأثير بشكل كبير في زيادة معاناته الاقتصادية، كون قيمة مرتبه (650 ألف دينار) أصبحت 433 دولاراً بعدما كان 546 دولاراً.
وهشام واحد من أكثر من 4 ملايين موظف، يتخوفون من إجراءات جديدة قد تطال مرتباتهم، بعد مقترحات حكومية بخفض رواتب الموظفين كجزء من الإصلاحات الاقتصادية التي وضعتها الحكومة واللجان النيابية.
هناك نتائج إيجابية
وعلى الرغم من الانعكاسات السلبية على هذه الفئات، تعتبر اتحادات تجارية وصناعية أن القرار سيسهم في جوانب إيجابية، كونه سيطور الصناعة ويؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول رئيس اتحاد الغرف التجارية، عبدالرزاق الزهيري، إن من إيجابيات زيادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار دعم الصناعة العراقية، مشيراً إلى إمكان استقرار السوق خلال عام واحد.
ويضيف الزهيري أن الواقع الحالي يتطلب من الدولة اتخاذ القرار خوفاً من الانهيار، لا سيما أن احتياط البنك المركزي وصل إلى ما بين 60 و62 مليار دولار، وإذا أبقينا على الاقتراض الداخلي سيكون هناك تأثيرات سلبية على سعر الصرف وانهيار العملة الوطنية، كما حدث في لبنان".
وسيدفع القرار المصّنع العراقي إلى استغلال زيادة سعر صرف الدولار بمقدار 250 نمرة لإنعاش الصناعة والزراعة، وتقليل الاستيراد من دول الجوار، بحسب الزهيري الذي يرجح أن تكون "هناك عملية تنمية حقيقية خلال عام واحد تُترجم بإنشاء مصانع جديدة".
ويعتقد الزهيري أن عدم الاستقرار في السوق سيستمر فترة معينة بعد أن يأخذ التاجر بضاعته وفق الأسعار الجديدة، داعياً إلى تطبيق القوانين التي تدعم الصناعة، لا سيما أنها موجودة إلا أنها غير مطبقة، بسبب سطوة الأحزاب ومشكلات الإقليم والحكومة الاتحادية وعدم ضبط المنافذ الحدودية.
شروط
ويصف رئيس اتحاد الصناعات العراقية، علي الساعدي، قرار البنك المركزي بـ "الإيجابي"، بشرط بيع الدولار بأسعار مخفضة للمصانع لشراء المواد الخام. ويدعو إلى تفعيل بعض القوانين التي تساعد في دعم الصناعة العراقية.
ويحتاج الاقتصاد العراقي إلى تفعيل بعض القوانين الخاصة بدعم الصناعة، منها التعرفة الجمركية وتفعيل قانون الجمارك بشكل صحيح، وزيادة رأسمال المصرف الصناعي، بحسب الساعدي الذي يؤكد أن هذه الإجراءات ستمكن الصناعة العراقية من الدخول كمنافس قوي للمستورد خصوصاً في الصناعات الغذائية.
ويُعد خفض قيمة العملة العراقية من أهم شروط المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لدعم العراق في عام 2021، فضلاً عن إصلاح نظام البطاقة التموينية ورفع الدعم عن أسعار الوقود وخفض نفقات الحكومة العراقية ومعدل الرواتب العام في البلاد.
آثار سلبية كبيرة
لكن متخصصين في الشأن الاقتصادي يعتقدون أن آثار القرار السلبية كبيرة، وستوّلد سلسة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة المقبلة.
وتقول المتخصصة في الاقتصاد، سلام سميسم، إن الآثار السلبية لخفض العملة ستكون أكبر من إيجابياته، بعد زيادة نسبة التضخم، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع.
وتضيف سميسم أن "الذين يتقاضون رواتب من الدولة سيكون عليهم ضغط أكبر، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة في غالبيتها العظمي، إضافة إلى السلع الاستهلاكية، وفي الوقت نفسه تقل القيمة الفعلية للرواتب التي يتقاضونها".
وتشير إلى أن عودة توازن الأسعار في السوق تحتاج إلى وقت، وهي مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية.
القرار صادم
من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، إن "خفض البنك المركزي قيمة الدينار إجراء صادم لتنفيذه دفعة واحدة، وفي ظروف اقتصادية وصحية غير سليمة".
ويضيف المرسومي أن "تغيير سعر الصرف الذي دخل حيز التنفيذ أدى إلى غلاء السلع في السوق العراقية بسبب انخفاض قيمة الدينار العراقي، لا سيما أن الغالبية العظمي للبضائع مستوردة"، مبيناً أن "التغير في سعر الصرف أدى إلى خفض القوى الشرائية للفرد العراقي بأكثر من 20 في المئة".
ويرجح المرسومي أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعميق الركود الاقتصادي الموجود الآن، وسينخفض حجم الطلب على البضائع وسيزيد مستوى الفقر في العراق.
ويلفت إلى أن "الفوضى في السوق العراقية واستغلال المضاربين والتجار الوضع في رفع الأسعار واستغلال الناس، ستولدان ضغطاً على الحكومة والبرلمان"، داعياً السلطة الاقتصادية إلى مراقبة الأسواق.
وعن إمكان أن يكون القرار إيجابياً في دعم الصناعة العراقية لتغدو منافسة للاستيراد، يوضح المرسومي أن "دعم الصناعة يكون من خلال خفض قيمة الدينار طويل الأمد، ويحتاج إلى خمس سنوات إذا ما استكملت الإجراءات الداعمة الأخرى، ولكن الآن المجتمع لا يتحمل، و20 في المئة منه تحت خط الفقر مع زيادة نسبة البطالة". ويخلص إلى أن "التوقيت سيء".
يذكر أن البنك المركزي العراقي أعلن أن سعر صرف جديد للدينار سيمر عبر مراحل، تتمثل في شراء الدولار من وزارة المالية بـ 1450 ديناراً، وببيع البنك المركزي إلى المصارف بـ 1460 ديناراً، وللجمهور بـ 1470 ديناراً.