الترا عراق - فريق التحرير
لم يصدر أي تعليق من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي منذ إعلان إدراج فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي في "القائمة السوداء" الأمريكية، فيما أخذ مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي على عاتقه محاولة إخراج الحكومة العراقية والفصائل المسلحة الموالية لطهران من المآزق الجديد.
شهدت بغداد حراكًا حثيثًا بحثًا عن مخرج من مآزق إدراج فالح الفياض في "القائمة السوداء"
وقد اعتبر الأعرجي، القيادي البارز في منظمة بدر بزعامة هادي العامري وأحد الشخصيات التي تربطها صلات وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، قرار وزارة الخزانة الأمريكية "خطًأ يجب تصحيحه".
فيما تشير معلومات إلى أنّ شخصيات رئيسية أخرى في منظمة بدر تشغل الآن مناصب أمنية كبيرة كانت قد أصدرت أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين العزل بعد تشرين الأول/أكتوبر 2019، وهو ما يفسر ربما حماسة الأعرجي لإغلاق الملف بسرعة قبل أنّ تتسع قائمة المتهمين.
الأعرجي في عباءة الفياض!
ويحاول الأعرجي لعب الدور الذي أتقنه الفياض على مدى السنوات الماضية، بطرح نفسه كشخصية فاعلة تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل من طهران وواشنطن عبر مناصب رسمية على علاقة مباشرة بالملف الأمني والسياسي مستفيدًا من المرحلة التي تولى فيها حقيبة وزارة الداخلية، حيث سادت تسريبات عن نيته الانشقاق عن منظمة بدر والابتعاد عن المحور الإيراني.
اقرأ/ي أيضًا: عقوبات أمريكية ضد رئيس الحشد فالح الفياض بتهمة قتل مئات المتظاهرين
وشهد مكتب مستشار الأمن القومي، الإثنين 11 كانون الثاني/يناير، محاولة لتسوية الأزمة الجديدة التي تهدف، وفق تعبير مراقبين، إلى دفع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي نحو عزل الشخصيات الموالية لنظام المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عن قيادة الحشد الشعبي بعد تصفية جمال جعفر إبراهيم "المهندس"، واستبدالها بقياديين يحظون بتأييد المرجع الأعلى علي السيستاني.
وخاض فالح الفياض حراكًا حثيثًا، خلال الساعات القليلة الماضية، تضمن اجتماعًا في قصر السلام في بغداد مع رئيس الجمهورية برهم صالح، قبل أنّ يتوجه إلى مكتب الأعرجي، حيث "أبدى سعادته باللقاء، وثمن موقف الأعرجي بخصوص قرار الخزانة الأمريكية الأخير"، فيما أكد أنّ "القرار يمثل إساءة للعراق والعراقيين"، وفق بيان رسميّ صدر عن مكتب مستشار الأمن القومي.
مباحثات مع السفير الأمريكي..
عقب ذلك، اجتمع الأعرجي مع السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر، مؤكدًا وفق بيان صدر عنه "رفض قرار الخزانة الأمريكية بحق فالح الفياض".
أجرى الأعرجي مباحثات مع السفير الأمريكي في بغداد دون نتائج واضحة
وقال الأعرجي، إنّ "العراق يسعى لحل الأزمات وتفكيكها. ونريد أن يكون العراق نقطة التقاء، كونه يستطيع أن يلعب هذا الدور، وعلى الجميع أن يدركوا بأن مصلحة العراق هي العليا.
واكتفى البيان بالإشارة إلى إنّ "السفير الأمريكي تطرق إلى موقف الأعرجي بشأن قرار الخزانة الأمريكية الخاص بالفياض" دون أنّ يكشف عن طبيعة رد السفير.
وفي 8 كانون الثاني/يناير، أعلن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" التابع لوزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات ضد فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق "بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان والفساد".
ويقول مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، إنّ "وزارة الخزانة الأمريكية والوكالات الأخرى عملت لفترة طويلة لجمع الأدلة والتحقق منها حول دور فياض في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد والتواطؤ مع المنظمات الإرهابية المدرجة على القائمة السوداء مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق".
ويرى نايتس، في مقال نشره معهد واشنطن للدراسات، أنّ "قرار إدراجه على هذه القائمة يأتي في نهاية فترة الإدارة الأمريكية الحالية، إلّا أنه ليس بأي حال من الأحوال عملاً متسرعًا"، مشيرًا إلى ضرورة أنّ "تتبنى إدارة بايدن العقوبات الجديدة ضد الفياض، لأن القرار مدعوم بأدلة قوية على انتهاكات حقوق الإنسان ويمكن أن يساعد في محاسبة المنتهكين الآخرين".
الفياض.. "حرباء قاتلة"!
ويصف الباحث الأمريكي، الفياض بـ"حرباء سياسية ذات غريزة بقاء قوية"، مؤكدًا أنّ الفياض تمكن من "جعل نفسه ذا قيمة لخمسة رؤساء وزراء عراقيين متعاقبين".
كما يشير نايتس، إلى زيارته الأخيرة إلى واشنطن في تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي كانت تمثل، بحسبه، "محاولة لإبعاده عن علاقاته الوثيقة مع الميليشيات المدعومة من إيران".
اقرأ/ي أيضًا: دور فصائل "الظل" يتعاظم.. ما هي سيناريوهات معالجتها؟
لكن الفياض "أحرج مناصريه في الولايات المتحدة من خلال إسراعه بالعودة لتأدية دور قيادي في العصابة التي دبرت الفظائع" التي تضمنتها لائحة الاتهام الأمريكية، على حد تعبير الباحث الأمريكي، مبينًا أنّ الفياض "عمل كرئيس مدني لجهاز الأمن الوطني بالإضافة إلى منصبه في هيئة الحشد الشعبي، وكان للجهازين دور فعال في الهجمات على المتظاهرين المدنيين".
سيناريو لانتزاع الحشد
ويرى المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في العراق، أنّ "على واشنطن أنّ تواصل الضغط بشكل خاص على الحكومة العراقية لإبعاد منتهكي حقوق الإنسان من قيادة قوات الحشد الشعبي"، مشيرًا إلى "منظّمين ومنسقين آخرين لأعمال القتل التي حدثت في عام 2019، من بينهم أبو تراب (الاسم الحقيقي ثامر محمد إسماعيل)، ناشط في منظمة بدر وقائد قوات الرد السريع بوزارة الداخلية، وبصفته هذه أمر القوات بإطلاق النار على المتظاهرين، وأبو منتظر الحسيني، قيادي آخر في منظمة بدر"، والتي يلعب فيها قاسم الأعرجي دورًا قياديًا.
يطرح نايتس خيار استبدال الفياض و"أبو فدك" بقادة يحظون بتأييد السيستاني كسبيل ممكن لحل أزمة الحشد الشعبي
ويقول الباحث الأمريكي، إنّ "أفضل طريقة لتسهيل هذه العملية هي بدء الإصلاح من القمة، من خلال عزل فياض ونائبه في قسم العمليات، أبو فدك (عبد العزيز المحمداوي)، أحد قادة كتائب حزب الله الذي لم يصادق رئيس الوزراء على تعيينه كما يقتضي القانون".
فيما يؤكد أنّ "أحد الخيارات هو استبدالهما بقادة مدعومين من آية الله العظمى علي السيستاني والمؤسسة الدينية الشيعية"، مبينًا أنّ "المساع الأمريكية الغير علنية وراء الكواليس يمكن أنّ تؤدي إلى زيادة الضغط من أجل إجراء مثل هذه التغييرات في قيادة قوات الحشد الشعبي".
مصير الحشد وإدارة بادين؟
لكن هذا السيناريو يبدو بعيدًا عن الواقع وقد لا يعدو الأمر في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة "تحديد نفوذ قيادات الحشد"، كما يرى مراقبون، بالنظر إلى "ضعف" رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واختراق حكومته من قوى وشخصيات موالية لطهران.
وتقول المديرة التنفيذية ورئيسة الباحثين في منتدى صنع السياسات بلندن رنا خالد في تصريح، "الحقيقة التي لا تغطى بغربال، حكومة الكاظمي وافقت عليها هذه القوى والشخصيات التي تحاول الولايات المتحدة اليوم محاصرتها وسحب الشرعية منها"، مؤكدة أنّ "تلك القوى تمتلك نفوذًا يفوق نفوذ رئيس الوزراء نفسه، ولديها تشعب يفوق قدرات الدولة العراقية".
كما تستبعد خالد أنّ تطال العقوبات الأمريكية شخصيات أخرى مرتبطة بالميليشيات وهيئة الحشد الشعبي، خاصة مع تعيين بريت ماكغورك في الإدارة الجديدة للرئيس جو بايدن، كمنسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن القومي، موضحة أنّ العراق اعتمد هيئة الحشد الشعبي "كمؤسسة رسمية أمنية في زمن حكومة حيدر العبادي التي كانت تنسق مع ماكغورك".
يستبعد مراقبون استمرار سياسة الضغط على الحكومة العراقية لمحاصرة وعزل قادة الميليشيات خلال إدارة بايدن
وتبيّن الباحثة، أنّ "الإدارة الأمريكية لم تظهر في ذلك الوقت أي مؤشرات على أنها ضد اعتبار الحشد الشعبي كمؤسسة أمنية شرعية في العراق"، مؤكدة أنّ "ماكغورك نفسه يتمتع بعلاقات جيدة مع أغلب القوى والقيادات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي".
اقرأ/ي أيضًا:
زعيم كتائب حزب الله يظهر لأول مرة في العراق.. والكاظمي يرد بجولة
دخان ودم واعتقالات.. ماذا حدث في ليلة مطاردة الفصائل المسلحة؟