في حديث قريب، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن حل توترات المنطقة يكمن فى طهران. فهل حقاً تُعد إيران مفتاح الحل لأزمات الإقليم؟ يمكننا القول إن هذا التصريح على العكس تماماً مما طرحته إيران عن نفسها، كثيراً على مدار السنوات الماضية حاولت طهران تقديم نفسها للغرب وللقوى الكبرى على اعتبار أنها الحل لكثير من أزمات المنطقة ومنها سوريا واليمن. لذا هل سياستها الإقليمية جعلتها مفتاحاً لحل الأزمات أم سبباً لتفاقمها؟
بالنظر إلى سياسة إيران الخارجية، نجدها تعد نتاجاً لعوامل كثيرة ومتنافسة في ما بينها، وهي: أيديولوجية الثورة الإسلامية، وتصور القيادة الإيرانية لما تعتبره تهديدات للنظام والدولة، والمصالح الوطنية الإيرانية. وفى إطار هذا، وظّفت إيران مصادر القوة المادية وغير المادية لتحقيق أهداف سياستها الإقليمية تجاه عدد من القضايا، مثل أمن الخليج، والتدخل في دول الصراعات مثل سوريا والعراق، ونسجت علاقات مع الفاعلين من دون الدول مثل "حزب الله" في لبنان، والحوثيين فى اليمن، فوظفت الأدوات السياسية والعسكرية الاقتصادية والأيديولوجية وفق كل حالة.
فقد شكلت دول الصراعات في الشرق الأوسط بيئة مناسبة لممارسة تأثير إيراني، إذ اتخذ هذا التأثير مسارات عدة منها، تقديم الدعم والتحالف لقوى موجودة فعلياً داخل الدول العربية، ومؤيدة لها، مثل العلاقة مع النظام السياسي الحاكم في كل من سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، أو أنه اتخذ مسار خلق قوى مؤيدة وصديقة مثل "حزب الله" في لبنان عام 1985، وكذلك تأسيس بعض الميليشيات المسلحة ينتمي أعضاؤها للمذهب الشيعي مثل "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" في العراق. أي أنها نجحت في الاستفادة من الانقسامات المذهبية والاجتماعية والسياسية في الدول العربية المجاورة لها، وعملت على تعميق العلاقات مع الفاعلين من غير الدول، وتغيير ميزان القوى لصالحهم في مواجهة سلطة الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فتضمن سلوكها إظهار القوة وتأسيسها في الدول الأخرى، كما اتضح إظهار وممارسة نشر قيمها عبر محاولات البناء المباشر لنظام سياسي مماثل في العراق وسوريا، ﻣﻦ ﺧﻼل الوساطة في اﻟﺼﺮاﻋﺎت، وتدريب الموظفين والإداريين والشرطة، وفي مختلف أشكال التعاون التجاري. كما مارست إيران كل وسائل وأدوات التأثير الإقليمي من خلال إسقاط القوة "الناعمة"، مثل مساعدات إعادة الإعمار، وتطوير البنية التحتية، ووسائل الإعلام، والاستثمارات المالية.
وسعت كذلك إلى توظيف كل التطورات الإقليمية بدءاً من 2003، وحتى تلك التي ترتبت على اضطرابات عام 2011، لإثبات أنها قوة إقليمية يُعتد بها ولا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات إقليمية. كما سعت إلى تعزيز أمنها وخلق الفرص لاستباق تشكيل الحقائق السياسية الدولية، وفقاً لمصالحها الوطنية.
نتج من سلوك إيران رفض إقليمي لكثير من تحركاتها، تمحورت مؤشراته حول العداء والخطاب السياسي المعادي والرافض لسلوكها، فضلاً عن عزلتها الإقليمية. ووقفت كل من إيران ودول المنطقة في مواقف مختلفة من أزمات الإقليم، الذي تفجرت صراعاته بعد 2011 مرتكزة على أسس جيوسياسية وطائفية وإثنية، استقطبت أطرافاً إقليمية ودولية عدة. وعن التدخل في أزمات الإقليم، فتدخلت إيران في صراع داخلي من أجل السلطة واتخذت موقف نظام الأسد وروسيا في سوريا، ولكنها قاتلت إلى جانب القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق ضد "داعش". ولم يكن نجاح الرئيس الإيراني حسن روحاني فى انتخابات 2013 مؤشراً إلى التهدئة والجنوح نحو التعاون الإقليمي من جانب طهران، بل وعلى الرغم من نجاح إتمام الاتفاق النووي عام 2015، نجد أن هناك من اعتبر أن السياسة الإيرانية في عهد روحاني الإصلاحي، أصبحت أكثر عدائية بدلاً من التوافق مع الدول العربية المجاورة، فقد أصبحت متدخلة أكثر في الشؤون الداخلية والصراعات في سوريا واليمن والعراق ولبنان، لتحقيق مزيد من النفوذ الإستراتيجي والسياسي، والاعتماد على القوة المادية الصلبة أكثر، لا سيما العسكرية، في تنفيذ سياستها الخارجية. وقد كان لشكل النظام الدولي دور كبير على السلوك الإقليمي الإيراني، فالعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة قيّدت سلوكها، وعملت على نزع الشرعية إقليمياً بفرض مزيد من العقوبات عليها وعلى حلفائها الإقليميين، لكن وجدت إيران مساحة للمناورة والاستمرار في دعم قراراتها الاقتصادية والعسكرية من خلال تنويع تحالفاتها مع قوى خارجية أخرى مثل روسيا والصين.
لذا فتصريح وزير الخارجية السعودي فى مقابل وجهة النظر الإيرانية لسلوكها، باعتباره سيقدمها مفتاحاً لحل الأزمات، يبرز كيف كل من الرؤيتين يتشاركان فى كون إيران مفتاحاً لحل الأزمات. فوجهة النظر السعودية تقوم على تقييد سلوك طهران المتدخل فى الأزمات وتوظيف مواردها لتنمية قدراتها الاقتصادية وخدمة مواطنيها، فى حين قدمت إيران مواردها لخدمة سياسة خارجية توسعية تهدف من خلالها إلى تقديم نفسها للقوى الغربية باعتبارها مفتاح حل الصراعات المشتعلة في الإقليم، لكن في النهاية تفاقمت أزمات الإقليم لتتحول إلى سلسلة ممتدة من الأزمات لا تنتهي، بل تستدعي مزيداً من التدخلات الخارجية.