أثار قرار الحكومة العراقية تأجيل موعد الانتخابات العراقية المبكرة إلى العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ردود فعل متباينة سواء على مستوى الشارع العراقي أو الطبقة السياسية، بخاصة بعد تعهدات عدة أطلقتها بالتمسك بالموعد السابق المقرر مطلع يونيو (حزيران) 2021.
وصوّت مجلس الوزراء بالإجماع على الموعد الجديد في جلسته الأسبوعية الاعتيادية التي عقدها في 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، والتي استضافت رئيس وأعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
إشكالات فنية
وبرّرت الحكومة موقفها من عدم إمكان إجرائها في الموعد السابق، بأن هذا القرار أتى "بناء على مقترح مفوضية الانتخابات لأسباب فنية من شأنها أن تضمن نزاهة الانتخابات، وتساوي الفرص أمام الجميع لخوض الانتخابات بحرية وعدالة"، وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إن "الشعب العراقي يستحق انتخابات مبكرة عادلة، برقابة دولية حقيقية وإجراءات نزيهة، وهذا الاستحقاق أمانة في أعناقنا والحكومة لن تجري انتخابات كيفما اتفق".
وعلى الرغم من إعلان مفوضية الانتخابات في وقت سابق استعدادها وقدرتها على إجراء الانتخابات في موعدها السابق، إلا أنها عادت لطلب التأجيل إلى أكتوبر المقبل، بينما أرجعت ذلك إلى حرصها على "إجراء انتخابات متكاملة نزيهة وعادلة"، وأوردت المفوضية في بيان، "نظراً لانتهاء المدة المحددة لتسجيل التحالفات السياسية، ولقلة عدد التحالفات المسجلة في دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية للفترة المحددة في جدول العمليات، ما يتطلب تمديد فترة تسجيل التحالفات، وما يترتب على ذلك من تمديد فترة التسجيل، نقترح يوم 16-1-2021 موعداً لإجراء الانتخابات".
انتخابات غير مبكرة
ولعل أحد أبرز الاعتراضات التي وردت على قرار التأجيل هذا، أنه يمثل تراجعاً عن أبرز الوعود التي أطلقها الكاظمي بإقامة انتخابات مبكرة، والذي تشكلت حكومته وفقاً لذلك، فيما يبتعد الموعد الجديد عن موعد الانتخابات الطبيعي بنحو ستة أشهر.
ويرى ناشطون في الحراك الاحتجاجي أن مطلب الانتخابات المبكرة أطلق في أكتوبر 2019، وتأجيلها إلى أكتوبر 2021 لا يجعل منها انتخابات مبكرة، ويقول الناشط مهتدى أبو الجود، "الإشكال الرئيس لا يتعلق بتأجيل موعد الانتخابات وحسب، على الرغم من كونها لم تعد مبكرة، إلا أن التحدي الحقيقي هو إمكان قيام الحكومة الحالية بتوفير متطلبات تلك الانتخابات"، ويشير أبو الجود إلى أن تلك الحكومة "لا تبدو قادرة على حسم تلك المتطلبات الرئيسة المتعلقة بالأمن الانتخابي، وحصر السلاح بيد الدولة وضمان نزاهة الانتخابات"، لافتاً أن قرار التأجيل "سياسي توافقي كما يبدو وليس قراراً تنظيمياً"، ويتابع أن "غالبية الشباب المُنخرط في الأحزاب الناتجة من الانتفاضة باتوا مُلاحقين من قبل سلاح أحزاب السلطة، أو من تطلق عليهم الحكومة قوى اللا دولة، ولا تبدو الحكومة مهتمة بهذا الأمر".
ولعل الأمر الأهم بالنسبة إلى ناشطي الانتفاضة العراقية يتعلق بتوفير بيئة تنافس سياسي، والحد من استمرار استهداف الميليشيات الموالية لإيران لهم.
تأجيل سياسي
ولا تبدو بوادر إجراء الانتخابات في أجواء آمنة حاضرة حتى الآن، إذ لم تقدم الحكومة العراقية على إجراءات حاسمة في ملف السلاح المنفلت أو التقليل من الاستهدافات التي يتعرض لها ناشطون بارزون في الانتفاضة العراقية.
ويأتي مطلب الانتخابات المبكرة ضمن مطالب عدة أطلقها الناشطون منذ الفترة الأولى للانتفاضة في أكتوبر 2019، كان أبرزها محاسبة قتلة المحتجين وحصر السلاح بيد الدولة، وإجراء الانتخابات بعيداً من تأثير السلاح المنفلت والمال السياسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يرى عضو "حزب البيت الوطني" زايد العصاد، وهو أحد الأحزاب التي أنشئت من ناشطي الانتفاضة العراقية، أن الناشطين يعتقدون منذ اليوم الأول لتسلم الكاظمي رئاسة الوزراء بأنه "غير جاد في إقامة الانتخابات بموعد مبكر"، ويضيف، "ملامح عدم جدية الكاظمي في تنفيذ مطالب المحتجين كانت واضحة من خلال عدم التحرك إزاء السلاح المنفلت أو توفير الأجواء الملائمة للتنافس الانتخابي"، معبراً عن اعتقاده أن تأجيل الانتخابات جرى "بسبب توافق الأطراف السياسية الرئيسة التي لا تزال تشعر بخطر الانتفاضة عليها، وتحاول إعادة إنتاج نفسها مرة أخرى"، ويشير العصاد إلى أن أحد أبرز الدوافع خلف التأجيل يرتبط بـ "عدم قدرة القوى السياسية الرئيسة بعد الانتفاضة على زيارة المحافظات أو عرض برامجها على الشارع العراقي الناقم".
وإضافة إلى جدلية الموعد، يلفت العصاد إلى أن "حكومة الكاظمي لم تخفق فقط في الالتزام بالتعهد الوحيد الذي تفاخرت به طوال المدة السابقة، بل لم تتقدم خطوة واحدة في ملف قتلة المتظاهرين أو حسم ملف سلاح الميليشيات، وفي المقابل قامت بصياغة عدد من التسويات السياسية مع أكثر الأطراف المتهمة بقتل المحتجين"، ويختم أن "خيار تأجل الانتخابات يأتي بسبب الرغبة السياسية لدى الكتل الرئيسة في استثمار الفترة المقبلة لتوجيه ضربات للانتفاضة، وما أفرزته من قوى سياسية".
اجتماعات سياسية سبقت إعلان الموعد الجديد
وسبق إعلان الموعد الجديد اجتماعات مكثفة بين ممثلي القوى السياسية والحكومة العراقية، للتوصل إلى اتفاقات نهائية في شأن تأجيل الانتخابات، وأفادت مصادر مطلعة على الاجتماعات بين القوى السياسية بأن مواقف الكتل الرئيسة كانت متباينة في شأن تأجيل موعد الانتخابات، وتوضح المصادر أن "أكثر زعماء الكتل تحمساً للتأجيل هو زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، بينما أبدى زعيم "تحالف الفتح" هادي العامري وقيادات أخرى ضمن التحالف اعتراضاً على التأجيل، إضافة إلى زعيم "تحالف عراقيون" عمار الحكيم، بحسب المصادر ذاتها.
وفي المقابل، تؤكد المصادر أن "ائتلاف سائرون" الذي يتزعمه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان محايداً إزاء فكرة التأجيل.
وبعد ساعات من إعلان الحكومة العراقية تأجيل موعد الانتخابات، أكد الصدر أنه "لن يسمح بتأجيل آخر للانتخابات"، مبيناً في تغريدة عبر "تويتر" أنه "خلال هذه الفترة يجب على الجميع التحلي بالروح الوطنية والكف عن الصدامات والمهاترات"، وأضاف، "يجب أن نكون على حذر شديد من تلاعب الفاسدين ومؤامراتهم سواء بما يخص قانون الانتخابات أو التدخل بعمل المفوضية أو غيرها مما يضرّ الشعب".
من جهة ثانية، لفت مصدر إلى أن السبب الرئيس وراء رفض الأطراف الموالية لإيران تأجيل الانتخابات هو "التخوّف من استمرار حكومة الكاظمي فترة أطول".
ويرى مراقبون أن وجود الكاظمي على رأس السلطة في ظل تنامي حدة العقوبات الأميركية التي تطال قادة الفصائل المسلحة يمثل عائقاً كبيراً أمام تلك التيارات، ما يعني تأجيل انتعاش تلك الفصائل المسلحة لمدة أطول، وربما يؤدي إلى تضاؤل حظوظها الانتخابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبّر "تحالف الفتح"، الممثل البرلماني لعدد من الفصائل المسلحة، في بيان مقتضب عن "انزعاجه الشديد" من تأجيل موعد الانتخابات المبكرة، مبيناً أن هذا الأمر "يخالف كل ما جرى الاتفاق عليه بأن تكون الانتخابات في فترة أقصاها سنة واحدة من تشكيل الحكومة"، وأضاف البيان، "نخشى من أن يكون هذا التأجيل سبباً في تأخيرها إلى 2022، لذلك نصمّم على ضرورة إجراء الانتخابات المبكرة في موعدها الجديد، ولا نقبل بأي تأجيل آخر، ونحثّ الحكومة ومفوضية الانتخابات على العمل بجدية أكبر، وإكمال البطاقة البايومترية لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات"، وتابع البيان أن "على الحكومة الإيفاء بالتزاماتها وتحقيق المناخات المناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة".
وفي مقابل مواقف الكتل الشيعية، اعتبر تحالف القوى العراقية، التحالف السني الأكبر في البرلمان العراقي، التوجه الحكومي لتغيير موعد الانتخابات المبكرة "تراجعاً عن التزامات الحكومة أمام العراقيين"، وفيما عبّر التحالف عن "استغرابه ورفضه للتأجيل"، أعرب عن خشيته من أن يكون "مبرراً للتمسك بالسلطة ومصادرة لإرادة التغيير الشعبية".
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني، فأعلن تأييده قرار تأجيل الانتخابات، مشيراً على لسان القيادي في الحزب ريبين سلام، إلى أن "تأجيل الانتخابات قرار جيد قياساً بعدم الاستعداد الكافي، وأيضاً عدم توفر الظروف الملائمة لنجاح العملية الانتخابية".
وقت أطول لتفكيك قوى الانتفاضة
ولعل أحد الدوافع الرئيسة خلف التأجيل يتمثل بمحاولات تفكيك القوى المرتبطة بالانتفاضة العراقية، إذ يقلل مراقبون من احتمال أن تكون الكتل السياسية الرئيسة غير متوافقة في ما يتعلق بموعد الانتخابات.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن كل الاعتراضات التي تبديها بعض القوى السياسية تمثل "محاولات لكسب نقاط أمام الشارع العراقي الناقم".
وفي شأن الحديث عن الأسباب الفنية التي تعرقل إمكان إجراء الانتخابات في موعدها، يشير الشمري إلى أن "هذا الإخفاق المتكرر في كل الانتخابات يمثل سبباً كافياً لحل المفوضية واستبدالها"، مبيناً أن "التذرع بالمفوضية غير منطقي، خصوصاً مع امتلاكها وقتاً طويلاً لحل تلك الإشكالات"، ويؤكد الشمري أن "الإرادة السياسية غير الراغبة بإجراء الانتخابات المبكرة هي التي دفعت للتأجيل"، موضحاً أن ذلك يمثل "تمرداً على طلب المرجعية الدينية، وتجاوزاً لإرادة الشارع العراقي".
وعلى الرغم من إعلان بعض الأطراف السياسية رفضها التأجيل، يرى الشمري أن "هذا القرار تم بإجماع القوى الشيعية والكردية والسنية"، مشيراً إلى أن "تلك الإعلانات لا تعكس حقيقة المواقف، ولا تعدو سوى محاولات لكسب نقاط أمام الكاظمي وتحميله المسؤولية"، ويلفت إلى أن الدافع الرئيس وراء التأجيل هو "رغبة القوى التقليدية نسج تحالفات في ما بينها خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن استغلال وقت أطول لتفكيك الجماعات السياسية المرتبطة بالانتفاضة"، ويختم أن "القوى السياسية ربما تُقدم على تأجيل الانتخابات مرة أخرى، ودفعها إلى موعدها الطبيعي في مايو (أيار) 2022".
رسالة سلبية
في سياق متصل، يعتقد الباحث والأكاديمي دياري الفيلي أن تأجيل موعد الانتخابات يمثل "رسالة سلبية للجمهور"، مشيراً إلى أن "التراجع عن الوعود التي أطلقها الكاظمي يحمل مؤشرات سلبية، ويزيد المخاوف من إمكان أن يُقدم على الإيفاء بالتعهدات الأخرى المتعلقة بتوفير أجواء آمنة للانتخابات، بعيداً من تأثير السلاح المنفلت والمال الفاسد".
وحول موقف كتلة "الفتح" الرافض تأجيل الموعد، يوضح الفيلي أن هذا الرفض لا يعدو كونه "بروباغاندا إعلامية"، موضحاً أن خيار تأجيل الانتخابات "يخضع للتوافقات السياسية بين الأطراف الرئيسة".
ويمثل هذا التأجيل تجاوزاً من الطبقة السياسية على إرادة المرجعية الدينية في النجف، بحسب الفيلي، الذي يشير إلى أن "مطلب الانتخابات المبكرة كان ضمن شروط مرجعية السيستاني في تغيير رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي".