نيويورك تايمز تتنبأ بعاصفة موت قادمة إلى العراق: هكذا يتحدث الوزير ومسؤول كبير!

آخر تحديث 2021-01-22 00:00:00 - المصدر: وكالة ناس

ناس - بغداد

كما لو أننا في 2019، هكذا صور تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الحياة في العاصمة بغداد وبعض المدن العراقية، مشيراً إلى الاستخفاف بإجراءات الوقاية من فيروس "كورونا" على الرغم من التحذيرات التي تصدر عن المختصين.

وعزا التقرير الذي ترجمه "ناس"، الجمعة (22 كانون الثاني 2021)، الاستخفاف بمخاطر الوباء إلى جملة عوامل من بينه ما وصفه بـ "الشعور الزائف بالأمن"، والذي غذته تصريحات مسؤولين ورجال دين.

ويحذر التقرير الذي استند إلى آراء خبراء وأطباء من موجة أخرى قد تضرب البلاد خلال أسابيع وقد تكون أقسى من الموجة الأولى التي خلفت حتى الآن نحو 12 ألف ضحية.

تالياً نص التقرير:

في صالة راقية في أحد المطاعم الجديدة في بغداد، يجلس الزبائن الذين يدخنون التبغ المعطر بالفاكهة العطرة على طاولات ذات حواف ذهبية محاطة بشاشة فيديو عملاقة ومناظر لنهر دجلة. إنها ليلة من أيام الأسبوع ولكن صالة في هذا المطعم مزدحمة بالناس الذين يحتفلون كما لو كانوا يعيشون في عام 2019: لا أقنعة ، لا تباعد، ولا محاسبة.

وقال علي الخطيب، 37 عاماً، وهو رجل أعمال، وهو يجلس على كرسي مخملي أخضر يسحب الدخان من أنبوب ماء زجاجي منقوش بالذهب: "أعيش نمط حياة عام 2019 قبل الفيروس التاجي. نحن كعراقيين لا نخشى الموت. إنه عامل يمكن أن يعزز مناعة الإنسان".

وقال صديقه رامي رياض (34 عاما) وهو أيضا رجل أعمال إنه القى قناعه عند المطار لدى عودته الى بغداد قادما من عمان (الأردن) قبل أسبوع. وقال " يبدو الأمر وكأننا نعيش فى عالم آخر هنا".

ومع انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس التاجي، يتخلى العراقيون عن احتياطات الفيروس الموصى بها بشكل جماعي، وكثيرون منهم يشتركون في اعتقاد مشكوك فيه في حصانتهم الخاصة. وقد أيد المسؤولون الصحيون الإقليميون والمحليون وبعض الزعماء الدينيين علناً هذه القناعة التي سخر منها العلماء.

وكتب الدكتور جاسب الحجامي في منشور على فيسبوك في ديسمبر/كانون الأول: "لقد توصلنا إلى نوع من حصانة القطيع". وقال إنه لا يزال متمسكاً بهذه التعليقات عبر الهاتف هذا الأسبوع.

ويخشى خبراء الصحة العامة أن هذه المفاهيم الخاطئة، والاستخفاف الواسع النطاق بخطر الفيروس الذي ولدته حتى مع وجود متغيرات جديدة أكثر عدوى للفيروس تجوب في جميع أنحاء العالم، تضع الأساس لانتشار جديد كبير.

وقد انخفض معدل الإصابة فى العراق بإطراد من أكثر من 3 آلاف حالة جديدة يوميا فى نوفمبر إلى أقل من 800 حالة فى معظم ايام يناير. وقد ساهم هذا الانخفاض في ما يقول الخبراء إنه "شعور زائف بالأمن".

وقال علي مقداد، مدير مبادرات الشرق الأوسط في معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن: "بصراحة، إنه الهدوء الذي كان قبل العاصفة. هناك موجة محتملة قادمة ما لم يتم تطعيم العراقيين أو اتخاذ إجراءات اجتماعية".

ويقول الدكتور مقداد إن انخفاض معدلات الإصابة يمكن تفسيره جزئياً بشتاء العراق المعتدل، الذي تبقى فيه النوافذ مفتوحة. ويمكن أن يفسر ارتفاع نسب الشباب بين فئات سكان العراق انخفاض الوفيات.

ويشتبه خبراء آخرون فى أن العدد الحقيقي لحالات الفيروس التاجي في العراق من المحتمل أن يبلغ ثلاثة أضعاف العدد المعلن.

ولكن مع انخفاض العدد الرسمي، خفف المسؤولون العراقيون القيود.

وفي ذروة الوباء العام الماضي، أغلق العراق المساجد والمدارس والمطاعم في الوقت الذي يكافح فيه نظام الرعاية الصحية المتهالك من أجل التكيف. وقد خففت هذه القيود في الخريف الماضي مع انخفاض معدلات العدوى.

والآن تشن الحكومة "معركة خاسرة" لإقناع العراقيين بارتداء الأقنعة والتوقف عن المصافحة وتقبيل الخدين، وهي التحية الشائعة في العراق.

وقد تعرضت الحملة للتقويض من قبل المسؤولين الصحيين المحليين والمحافظات الذين زعموا أن المعدل قد انخفض بسبب تعرض عدد كاف من العراقيين للفيروس لتحقيق مناعة القطيع.

لكن خبراء الصحة العامة يشكون في ذلك.

ويعتقد عموما أن مناعة القطيع تحدث عندما يكون 70 في المائة أو أكثر من السكان قد أصيبوا أو تم تطعيمهم. وهذا يوفر فيروسا أقل للمضيفين المحتملين مع بعض المقاومة لتفشي.

ويقول الدكتور مقداد إن العراق لا يجري الاختبارات العشوائية التي من شأنها أن تسمح له بتحديد معدلات العدوى الدقيقة، ولكن أفضل تقدير هو حوالي 20 في المائة من السكان.

وأضاف، "أن يأتي العراقيون المثقفون والمسؤولون ليقولوا ’نحن في مأمن’ أو أن لدينا سلالة مختلفة أمر غير مقبول لأنه يعطي شعورا زائفا بالأمن".

في المساجد، كان بعض الدعاة يقولون للمصلين أنه لا ينبغي لهم أن يخافوا من الفيروس طالما أنهم يتبعون الله.

وحتى وزير الصحة العراقي، الدكتور حسن التميمي، لم يحاول تصحيح المعلومات المضللة بشكل مباشر.

وعندما سُئل عن حصانة القطيع، لم يؤيد أو يدحض الفكرة. وفي مقابلة أجريت معه، رد على ذلك بالحديث عن انخفاض معدلات الوفيات إلى بسبب زيادة قدرة البلد على علاج حالات "كوفيد-19" وعزا انخفاض معدلات العدوى إلى "الحماية الإلهية".

وقال الدكتور التميمي "العامل الرئيسي هو رحمة الله".

وقد اعرب عن قلقه ازاء الفيروس المتحور الذى تم تحديده مؤخرا فى بريطانيا، واتخذت الحكومة خطوات فى محاولة لمنع العدوى القادمة من الخارج.

وقال الدكتور رياض لفتة، أستاذ علم الأوبئة في جامعة المستنصرية في بغداد، إنه يتوقع أن تضرب موجة أخرى أكثر حدة بحلول مارس/آذار أو أبريل/نيسان، مما يعرض للخطر ليس فقط أولئك الذين يعانون من مناعة معرضة للخطر، بل أيضاً الشباب الأصحاء.

وقال "نحن نخشى موجة أخرى مثل ما حدث في اوروبا". وأضاف "هذا هو الخطر والتهديد الذي ننتظره. للأسف كثير من الناس لا يدركون ذلك تماما حتى الآن".

والعراق، البلد الذي يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة، غير مستعد لموجة ثانية.

وقد أدى تدمير البنية التحتية المتضررة، ونظام منح السيطرة على الوزارات للفصائل السياسية على أساس الولاء، والفساد المستشري إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في البلاد. وفي الصيف الماضي، أدى نقص أسطوانات الأكسجين إلى اندلاع أعمال شغب في بعض المستشفيات بين الأقارب الذين أجبروا على محاولة شراء معدات منقذة للحياة بمفردهم.

وقال الدكتور التميمي إن العراق فتح 47 مصنعاً جديداً لصنع أو إعادة ملء اسطوانات الأكسجين وأضاف 14 ألف سرير جديد و63 مستشفى جديداً للمساعدة في التعامل مع الوباء. ولم يتسن التحقق من عدد المستشفيات على الفور. وقال مسؤول آخر في الصحة العامة إن العدد يقل عن 25.

وقال الدكتور التميمي إن العراق حجز 1.5 مليون جرعة من لقاح فايزر، وهو يقوم بشراء مُجمدات فائقة التصميم لتخزينها في حملة تطعيم يتوقع أن تبدأ مع بداية آذار/مارس.

لكن الدكتور لفتة وخبراء آخرون في الصحة العامة أعربوا عن شكهم في أن عدد كاف من العراقيين سيوافقون على التطعيم لإنجاح الحملة.

وقال "إن الناس هنا لا يحبون اللقاحات". "كنا نكافح كثيراً في العام الماضي فقط لإقناعهم بتطعيم أطفالهم ضد شلل الأطفال والحصبة".

وقال إنه بالنظر إلى انتشار الفقر الذي يمنع العديد من العراقيين من الابتعاد الاجتماعي، فإنه لم يفاجأ بأنهم سيختارون الاعتقاد بأنهم محصنون بدلاً من قبول أنهم معرضون للخطر.

وقال "إن الأمر يتعلق بجني لقمة العيش". "لأن التهديّد الاجتماعي يعني أن الفقراء لا يذهبون إلى العمل، فهم لا يخرجون إلى الشارع لبيع بضائعهم. يشعرون أنهم إذا كانوا قلقين بشأن الفيروس التاجي، فإنهم سيموتون من الجوع".