خلل أمني وسياسي وفكري في محاربة داعش "زومبي"

آخر تحديث 2021-01-25 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

تعدّد المنتصرون والمهزوم واحد، "داعش"، لكن المنتصرين ليسوا منتصرين بالكامل، والمهزوم ليس مهزوماً بالكامل. المنتصرون ربحوا معركة في حرب طويلة، والمهزوم بدأ معركة جديدة في الحرب، وأحدث ضرباته في قلب بغداد كما في بادية الشام.

وبعد طرد "الخلافة الداعشية" من الموصل والأنبار جرى الاحتفال بالنصر في بغداد التي شهدت زحام منتصرين، القوات الأميركية، القوات والحكومة العراقية، والحشد الشعبي الذي تحدث عن دور لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في معركة الموصل.

بعد دحر "داعش" في الرقة التي سماها "عاصمة الخلافة" وشرق الفرات وصولاً إلى معركة "الباغوز"، أعلنت النصر واشنطن وقوات سوريا الديمقراطية ذات الأكثرية الكردية. قبل ذلك ارتفعت أعلام النصر في موسكو ودمشق وطهران التي حاربت المعارضين أكثر من "داعش"، وفاخر "حزب الله" و "فاطميون " و "زينبيون" بالأدوار التي قاموا بها في ضرب "داعش" والإرهاب، وحين اغتيل "الخليفة" أبوبكر البغدادي قيل أن أميركا قطعت رأس الأفعى وانتهت اللعبة.

لكن "داعش" خسر الجغرافيا من دون أن يفقد سلاح التاريخ، فالحنين إلى الخلافة مسألة متجذرة في النفوس، و"داعش" كان رأسماله "فكرة" بقيت قوية بعد زوال الخلافة ضمن البحث عن أرض لها، ولم يكن "معهد دراسة الحرب في واشنطن" يبالغ بالقول في تقرير له "إن داعش عائد بقوة إذا انسحبت أميركا، فلديه 30 ألف مقاتل، وتنظيم القاعدة عاد بعد انسحاب أميركا ولم يكن لديه سوى ألف مقاتل".

ليس من المتوقع أن يرد في التقرير شيء عن كون الوجود العسكري الأميركي واحداً من العوامل التي تسهم في قيام منظمات إرهابية، فما تأخر "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" خليفة البغدادي في الإعلان عن "بدء مرحلة جديدة" في الحرب هي "قتال اليهود وكل الطوائف المحاربة للإسلام وأهله من النصارى والروافض والمرتدين المشركين المنتسبين لأهل السنة والجماعة زوراً"، ولا تردد في التهجم على "دول الخليج وفتاوى شيوخ الردة والملاحدة والأكراد والصحوات"، وهو وضع "جبهة النصرة" التابعة للقاعدة في خانة الصحوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وليس التفجير الانتحاري المزدوج في سوق شعبية بساحة الطيران قرب نصب "الحرية" في بغداد أول عمل إرهابي داعشي في العراق، إذ سبقته عمليات في محيط الموصل وسواها، ولا الكمائن في بادية الشام ضد القوات الروسية والقوات النظامية السورية والميليشيات التابعة لإيران هي العمليات الإرهابية الوحيدة التي ينفذها "داعش" في سوريا وغيرها، فلديه خلايا في أفغانستان وسيناء وليبيا ونيجيريا والنيجر والصومال واليمن وسواها. والحرب عليه، ضمن الحرب الكونية على الإرهاب التي أعلنها الرئيس بوش الابن بعد "غزوة نيويورك"، وسبقتها حروب متفرقة على أنواع من الإرهاب، بقيت مركزة على الجبهة الأمنية والعسكرية مع قليل من العمل على الجبهة الفكرية والاجتماعية.

الخبراء ليسوا متفقين على تحديد العوامل الأساسية التي تشكل الأرض الخصبة لبذور الإرهاب، ذلك أن الانطباع السائد هو كون الفقر والقمع من أهم الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإرهاب، لكن المسألة أعمق.

يرى فرنسيس فوكوياما مثلاً "أن الإسلام الراديكالي نتيجة ملزمة ثانوية للحداثة، وينشأ من فقدان الهوية الذي يرافق الانتقال إلى مجتمع حديث وتعددي". وفي رأيه فإن "إرساء الديمقراطية والتحديث في الشرق الأوسط ليس حلاً لمشكلة الإرهابيين الجهاديين، فالعديد منهم أصبحوا راديكاليين في أوروبا الديمقراطية".

في المقابل، يقول المؤرخ والتر لاكوير في كتاب "لا نهاية لحرب: الإرهاب في القرن الحادي والعشرين"، إن "محاربة الإرهابيين يجب أن تتقدم على محاربة أسباب الإرهاب، فأكثر الإرهابيين من الطبقة الوسطى".

أما علي صوفان في كتاب "تشريج الإرهاب: من موت بن لادن إلى صعود الدولة الإسلامية"، فانه يعتقد "أن جاذبية داعش ليست لأنها تقاتل القوات الأميركية مثل بن لادن، بل لأنها أنشأت الدولة الإسلامية".

والحرب بالنقاط لا بالضربة القاضية مع "داعش" الذي يبدو مثل "زومبي"، ففي العراق خلل سياسي واجتماعي وفكري، لا فقط " خللاً أمنياً" تحدث عنه رئيس الوزراء.

وفي سوريا جيوش واحتلالات وأكثر من خلل سياسي واجتماعي وأمني. وفي اليمن حرب أهلية وانقلاب الحوثيين. ومن الصعب التغلب على الإرهاب ما دامت البلدان ساحة مفتوحة للأزمات والحروب والقوى الأجنبية والقوى المحلية الفاسدة.