لم يكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج البيض والأسماك وغيرهما من مشاريع إنتاج الثروة الحيوانية والخضروات والفواكه في العراق طريقاً سهلاً معبداً، وسط صراع دول مثل تركيا لرفع الحظر عن استيراد منتجاتها.
تحركات السفير التركي في العراق فاتح يلدز، تبين حجم الضغوط التركية التي مورست على وزارة الزراعة العراقية، لإلغاء قرار حظر استيراد البيض والدواجن المطبق منذ مايو (أيار) 2019، وربما مثّلت زيارة يلدز إلى سوق الجملة للمواد الغذائية في منطقة جميلة شرق بغداد في سبتمبر (أيلول) 2019، وجولته على التجار وطلبه منهم الضغط لإلغاء قرار الحكومة العراقية بحظر استيراد الدواجن والبيض، مثالاً صارخاً على التدخلات الخارجية في عمل الاقتصاد العراقي.
وكانت تركيا تصدر نحو 400 ألف طن من لحوم الدواجن سنوياً، ونحو مليار بيضة إلى العراق بتكلفة تتجاوز 400 مليون دولار سنوياً حتى مايو 2019 موعد قرار منع الاستيراد.
وينطبق نفس الشيء على الجارة الشرقية إيران، التي حاول سفيرها مسجدي التحرك أيضاً لإلغاء قرار منع استيراد بعض منتجات الألبان والخضروات، مثل الطماطم والبصل والخيار والباذنجان في مواسم محددة من العام، إلا أنه لم يحقق نتائج تذكر عبر المنافذ الرسمية العراقية، لهذا اعتمدت طهران وأنقرة على تهريب جميع المواد الممنوع استيرادها عبر منافذ إقليم كردستان العراق، الذي لايلتزم تعليمات بغداد في هذا الملف.
ويمكن القول، إن ما تحقق خلال عامين في قطاع الدواجن وإنتاج البيض وقبلها إنتاج الأسماك النهرية، التي تنتج في أقفاص عائمة أو بحيرات منذ نهاية 2017، لم يكن بالأمر الهين في ظل أوضاع سياسية وأمنية معقدة وسيطرة الجماعات المسلحة والمليشيات على جزء كبير من مقاليد الأمور في البلاد.
7 مليارات بيضة خلال 2020
وتتحدث وزارة الزراعة العراقية عن طفرة كبيرة في إنتاج قطاع الدواجن العراقي خلال عام 2020، نتيجة خطوات مدروسة في هذا القطاع بعد إعادة الحياة له بعد تدميره بشكل كامل منذ عام 2003 .
ويقول حسين علي سعود مستشار وزارة الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية، إن العراق استطاع تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسماك النهرية وبيض المائدة، لافتاً إلى أن إنتاج الدجاج سد ما يصل إلى نسبة 70 في المئة من حاجة السوق.
ويضيف أن الوزارة إذا ما احتسبت جميع مشاريع العراق، ومن ضمنها إقليم كردستان لإنتاج البيض، فإن البلاد وصلت إلى مرحلة تحقيق الاكتفاء الذاتي بإنتاج يبلغ 7 مليارات بيضة سنوياً، مرجحاً قدرة البلاد على تحقيق فائض من الأسماك، وهناك خطة لتصدير الفائض إلى دول الجوار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، أن العراق خلال عام 2019 استطاع إنتاج 82689 ألف طن من الأسماك النهرية و17144 من الأسماك البحرية، فيما رجحت مصادر حكومية ارتفاع الإنتاج خلال عام 2020 بنسبة جيدة، خصوصاً مع التوسع في مشاريع الأسماك سواءً في البحيرات أو الأقفاص العائمة في نهري دجلة والفرات.
التوجه للصناعات التحويلية
بدوره يقول المستشار في وزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي، إن من الضروري استثمار الفائض من الإنتاج الزراعي، وتوجيهه نحو الصناعات التحويلية وتعليب هذه المنتجات لتأخذ طريقها إلى الأسواق العالمية.
ويضيف ضمد أن "ما يحصل حالياً هو استنزاف التربة والمياه في البلد من دون استثمار المنتوج الزراعي بالطريقة الصحيحة، لكون الفائض منه لا يتم الاستفادة منه، على الرغم من تصدير قسم من منتجاته، مؤكداً أن الأفضل هو استثماره عن طريق الصناعات التحويلية، وتعبئته بشكل صحي لتحقيق مبدأ الاستثمار في المجال الزراعي".
ويشير إلى أن الإنتاج العراقي يتميز بالنكهة والطعم الجيد المرغوب عالمياً، ويجب أن نستفيد من هذه الخاصية للمنتج العراقي، لافتاً إلى أن المستثمرين لا يستثمرون في مجال الصناعات التحويلية الغذائية، وإنما يبحثون عن الربح السريع والمضمون، مشدداً على ضرورة ضبط الحدود لمنع دخول الفواكه والخضر الممنوعة من الاستيراد، لتشجيع الاستثمار في المجال الزراعي.
النجاح مع السعودية
من جانبه يرى عضو الجمعيات الفلاحية حيدر العصاد، أن تحسن علاقة العراق مع دول الخليج أدى إلى تصدير بعض الخضروات لهذه الدول، لا سيما إلى السعودية، فيما يشير إلى أن الخضروات العراقية مطلوبة في أسواق أوروبا، لا سيما في ألمانيا.
ويضيف العصاد "أن هناك اكتفاء ذاتياً في عديد من الخضروات التي تحتاجها السلة الغذائية، كما أن قرارات حكومية منعت 40 منتجاً زراعياً لوجود اكتفاء ذاتي من هذه المنتجات، فضلاً عن تحقيق الاكتفاء من المحاصيل الإستراتيجية، كالحنطة والشعير والذرة الصفراء مع تحقيق فائض في الإنتاج نتجه إلى تصديره".
واستطاع العراق خلال 2020 تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والشعير من خلال إنتاج أكثر من 5 ملايين طن من الحنطة، ومليون طن من الشعير بحسب إحصاءات لوزارة التجارة العراقية.
وعلى الرغم من دخول منتوجات زراعية أجنبية إلى السوق العراقية عن طريق التهريب، إلا أن المنتج العراقي مطلوب داخل البلد وعالمياً، بحسب العصاد، الذي أعرب عن أمله أن يزداد حجم تصدير المنتوجات الزراعية إلى دول الجوار، ليكون ذلك تشجيعاً للفلاح نحو الزراعة.
دعم الصناعات التحويلية
يدعو خبراء في المجال الزراعي إلى دعم الصناعات التحويلية وزيادة الاستثمارات في القطاع الزراعي العراقي، لخلق فرص عمل كبيرة من خلاله.
بدوره يرى الباحث الاقتصادي راغب بليبل، أن تنشيط الاقتصاد العراقي يكون عن طريق دعم قطاعي الصناعة والزراعة، "وهناك نتائج جيدة في دعم القطاع الزراعي في العراق والاتجاه نحو التصدير، لا سيما وأن الخضروات العراقية مطلوبة في أوروبا إضافة إلى التمور"، لافتاً إلى وجود خطة حكومية لتكثير النخيل عبر الزراعة النسيجية، التي تتمحور حول زيادة أعداد النخل وتحسين نوعية إنتاجها .
كانت وزارة الزراعة العراقية أعلنت، أن البلد صدّر أكثر من 130 ألف طن من التمور نهاية 2020 إلى الصين وبنغلاديش وتركيا والهند ومصر وسوريا والأردن والإمارات، فيما أعلن الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد النخيل تجاوز 17 مليون نخلة، أنتجت نحو 639 ألف طن 2019.