خلال نصف قرن من تاريخ "أرض السواد": ما هو مصير 33 مليون نخلة عراقية؟

آخر تحديث 2021-01-26 00:00:00 - المصدر: الترا عراق

ألترا عراق ـ فريق التحرير

يعود تقرير نشرته الصحيفة البريطيانية "ميدل ايست آي"، إلى أكثر من نصف قرن إلى الوراء في التاريخ العراقي الحديث، وتحديدًا في محافظة البصرة أو "الأرض السوداء" كما وصفها، الناتجة عن ضم أكثر من ثلاثين مليون نخلة كانت تغطي الأرض سوادًا، والعالم أجمع بإنتاجها من التمور.

كان العراق ينتج ثلاثة أرباع التمور في العالم لكن إنتاجه الآن لا يمثل سوى خمسة بالمائة

يتحدث التقرير الذي اطلع عليه "ألترا عراق"، إلى عبد الله عبد الجبار، 62 عامًا، والذي قضى أربعة عقود في زراعة التمور ومحاصيل أخرى في قطعة أرض ملحقة بمنزله في منطقة أبو الخصيب في البصرة.

اقرأ/ي أيضًا: الزراعة والصناعة.. شاهدان يكشفان "جرائم" الاحتلال الأمريكي بالأرقام!

وينقل التقرير عن عبد الله الذي درس الزراعة على يد والده جبار، ولا يزال يعتني بحقوله على الرغم من إعاقة إحدى يديه، قوله: "طالما لدي الرغبة في العمل، سأفعل ذلك، لا شيء يقف ضد إرادتي".

واعتبرت الصحيفة أن تصميمه الذي وصفته بـ"الراقي" على زراعة التمور، يتناقض مع حقيقة أن الصناعة هي ظل لما كانت عليه في السابق.

لا يزال عبد الله أو أبو غسان، يعمل في التجارة على الرغم من عقود من الحرب، وتدهور الوضع البيئي في جنوب العراق، والواردات الرخيصة التي تقوض الإنتاج المحلي.

ويضيف التقرير: "كانت البصرة، ثاني أكبر مدينة في البلاد، معروفة على نطاق واسع بجودة تمورها، والتي تشمل أصناف الحلاوي، الخضراوي، الساير، مكتوم، الدرعي، العشرسي، البرحي".

وتشير الصحيفة إلى أنه "بالنسبة للعراقيين، كانت المدينة الجنوبية تُعرف باسم "الأرض السوداء بسبب كثافة أشجار النخيل فيها، وكان العديد من سكان المدينة، المعروفين باسم (البصراويين) يعتمدون على صناعة التمور في معيشتهم".

وتضيف الصحيفة "كان العراق ينتج ثلاثة أرباع التمور في العالم، لكن إنتاجه الآن لا يمثل سوى خمسة بالمائة؛ من 33 مليون نخلة في الخمسينيات من القرن الماضي، لم يتبق منها سوى تسعة ملايين، وفقًا لدعاة حماية البيئة".

وبالمثل، شهد عدد مصانع معالجة التمور انخفاضًا حادًا منذ غزو العراق عام 2003 - حيث انخفض إلى ستة فقط مقارنة بـ 150 قبل الحرب.

هذه أرقام يمكن لأبو غسان أن يشهد عليها على المستوى الشخصي، بعد أن رأى عدد الأشجار التي يمتلكها يتراجع من 5000 شجرة في الثمانينيات إلى 17 فقط اليوم، وهي حقيقة يصفها بأنها "مؤلمة" و "مروعة".

ماتت معظم الأشجار بسبب ملوحة المياه وتلوثها القادمة من شط العرب، الذي أصبح خزانًا للسموم بدلًا من مصدر للمياه العذبة

وبحسب الصحيفة، يقول أبو غسان إن "الحرب والأضرار البيئية والواردات جعلت من الصعب على المزارعين تغطية نفقاتهم".

اقرأ/ي أيضًا: الزراعة: لا نمتلك صلاحيات لمنع عمليات تجريف البساتين

لا يزال أبو غسان يعتمد على الزراعة لكسب دخله، لكنه اضطر إلى تنويع أنواع المحاصيل التي يزرعها لضمان قدرته على تغطية نفقاته، وقال: "في الوقت الحالي، أركز أكثر على زراعة الخضروات أكثر من أشجار التمر، أزرع أنواعًا مختلفة من المنتجات، مثل الباذنجان والخيار والبامية والطماطم والخضروات الورقية".

الحرب والتلوث

يتطرق التقرير إلى وجود العديد من العوامل التي ساهمت في تراجع صناعة النخيل في البصرة، لكنه ينقل عن الأكاديمي العراقي سعيد عبد الرضا العلوان، الذي عاد تحديدًا إلى عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وتحديداً الحرب الإيرانية العراقية بين 1980 و1980. 1988.

قال علوان، المحاضر في كلية العلوم البيئية بجامعة البصرة، إنه "بسبب قرب المدينة من خط المواجهة بين القوات العراقية والإيرانية، قرر العديد من المزارعين "اقتلاع" أشجار النخيل ونقلها إلى مناطق أخرى من العراق".

وبحسب علوان، تسبب العدد الهائل من أشجار النخيل في منطقة البصرة في مشاكل لوجستية لجيوش صدام حسين، وبالتالي تم تدميرها نتيجة لذلك.

وأوضح أن "ملايين أشجار النخيل كانت مزدحمة على ضفاف نهر شط العرب ومنطقة أبو الخصيب ومنطقة الفاو، لكن نظام صدام حسين قطعها جميعًا لإنشاء ساحات قتال وطرق للمركبات العسكرية".

ومع ذلك، فإن "الأسباب البيئية والسلوك البشري، المحلي والدولي على حد سواء، ليست الحرب اليوم هي التي جعلت الأراضي الزراعية في البصرة أقل ملاءمة لمحاصيل مثل النخيل".

يقول تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2019 إن "سوء الإدارة من قبل السلطات العراقية، وكذلك بناء السدود على الأنهار من قبل الدول المجاورة، مثل إيران وسوريا وتركيا ، أدى إلى انخفاض تدفق المياه العذبة إلى شط العرب وبالتالي زيادة الملوحة".

وتتفاقم المشكلة بسبب حالات الجفاف التي يُعتقد أن سببها تغير المناخ العالمي، وكذلك ترسب الملوثات في المجرى المائي مما يعني ما هو غير صالح للاستهلاك البشري والاستخدام الزراعي.

وتابع تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2019: "سياسات وممارسات السلطات العراقية منذ الثمانينيات كانت السبب الرئيسي لتدهور جودة مياه شط العرب".

"خزان السم"

بالنسبة للمزارعين مثل أبو غسان، فإن النتيجة النهائية هي موت المحاصيل والمزيد من الضرر لمصدر رزقهم.

ماتت معظم الأشجار بسبب ملوحة المياه وتلوثها، المصدر الرئيسي للمياه القادمة إلى أرضي هو نهر شط العرب، الذي أصبح خزانًا للسموم بدلاً من مصدر للمياه العذبة "، بحسب وصف أبو غسان.

ويضيف بحسب التقرير: "كانت أرضي مليئة بعدة أنواع من أفضل التمور، منها: الحلاوي، الخضراوي، الساير، مكتوم، الدرعي والعشرسي، لكن اليوم لا أملك سوى بريم وبرحي".

وعلى الرغم من هذه المعوقات، يؤمن أبو غسان بشدة بجودة منتجاته، خاصة على الواردات الأجنبية.

وقال: "التمور والخضروات المزروعة محليًا هي أعذب وطعم أفضل من المنتجات المستوردة، لكن الناس يفضلون شراء البضائع المستوردة بسبب رخص ثمنها".

أبو غسان قادر على بيع مخزونه الذي يملكه للبائعين المحليين بسهولة نسبية بسبب سمعتهم في الذوق والجودة العالية، لكنه مع ذلك يحذر من أن "الحكومة العراقية يجب أن تعمل الآن لتحفيز إنتاج الغذاء المحلي للمزارعين أمثاله".

وقال "على الحكومة فرض ضرائب على المنتجات الغذائية المستوردة لتشجيع المزارعين المحليين في العراق على زراعة (أراضيهم) وإعادة الزراعة إلى المدينة".

تقول هيومن رايتس ووتش إن سياسات وممارسات السلطات العراقية منذ الثمانينيات كانت السبب الرئيسي لتدهور جودة مياه شط العرب

"للأسف، لا أحد يسمع صوتنا، لمن نشكو؟"، هكذا يختم ابو غسان حديثه للصحيفة.

اقرأ/ي أيضًا: 

توقعات بـ"سنة جافة".. ما هو مستقبل العراق الزراعي؟

الزراعة تعلن اكتمال متطلبات الخطة الشتوية: ماضون للوصول للاكتفاء الذاتي