عقود الشركات النفطية العالمية التي تعمل في معظم الحقول النفطية العراقية ضمن جولات التراخيص التي أجرتها البلاد منذ العام 2009، عادت أخيراً لتكون تحت أنظار مجلس النواب الذي يرغب في مراجعة شاملة لها، تخفض بشكل جزئي قيمتها التشغيلية بما يتناسب وتراجع أسعار النفط العالمية.
وعلى الرغم مما حققته هذه الجولات من رفع إنتاج النفط العراقي الذي بلغ أدنى مراحله في العام 2007، بـ 1.5 مليون برميل يومياً، ليصل إلى 5 ملايين برميل يومياً، لا سيما بعد قيام هذه الشركات بعملية تطوير حقول النفط العراقية جنوب البلاد، في مختلف النواحي إنتاجاً وتصديراً واستخراجاً، ثمة تساؤلات كثيرة في ما يخص ارتفاع الكلفة، وتأثير هذا الأمر في إيرادات العراق النفطية.
هذه التساؤلات أخذت طريقها إلى اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، فعقدت اجتماعاً مع وزير النفط إحسان عبدالجبار ومديرَين عامين في وزارة النفط لمناقشة الملف، بحسب بيان لنائب رئيس اللجنة مثنى السامرائي، وصدرت عن الاجتماع توصية بضرورة مراجعة العقود بما يحفظ حقوق العراق، كونها لم تعد تتناسب مع الظروف الاقتصادية للبلاد.
ستراجع بعض النقاط
يبدو أن البرلمان العراقي أكثر جدية هذه المرة في تناول الموضوع، إذ أُدرجت فقرة في التعديلات التي أجريت على مسودة قانون الموازنة العامة، تُلزم الحكومة بمراجعة عقود شركات النفط بشكل جدي، لجعلها منسجمة مع الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
ويكشف عضو اللجنة المالية جمال كوجر أن اللجنة طالبت الحكومة بمراجعة كل العقود ومن ضمنها الخاصة بجولات التراخيص، مبيناً أن اللجنة عقدت اجتماعاً مع وزير النفط إحسان عبدالجبار، وعرضت عليه الثغرات الموجودة في جولات التراخيص.
وأعلن كوجر أن وزير النفط وعد بمراجعة بعض النقاط والفقرات التي تؤثر في الاقتصاد والعمل على تصحيح المسار.
تشجيع الشركات
ويرى المتخصص في الشأن النفطي كوفند شيرواني أنه "في الإمكان تشجيع الشركات النفطية على مراجعة العقد النفطي من خلال منحها حقولاً نفطية جديدة بشروط تخدم مصالح الشعب العراقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول شيرواني، "هناك مكاسب كبيرة حصلت عليها الشركات النفطية، وأصبحت آثارها كبيرة في الاقتصاد العراقي، ومن الضروري تعديل العقود النفطية بما يضمن مصالح العراق"، مبيناً أن "المستحقات المالية للشركات تشكل أرقاماً كبيرة وعبئاً وجهداً على الموازنة، وهناك ضرورة لمراجعتها". ويلفت إلى أنه "في الإمكان إعطاء حوافز للشركات النفطية إذا ما تساهلت في العقود الجديدة".
ويمكن أن يؤدي إلغاء العقود من طرف واحد إلى تبعات مالية وغرامات جزئية تُدخل العراق في مشكلات قانونية معقدة، بحسب شيرواني، الذي دعا إلى "إعطاء حوافز لتلك الشركات بعقود جديدة، بشروط أخرى أكثر عدالة".
ويوضح شيرواني أن "جولات التراخيص مبنية على احتساب نسبة مقطوعة للشركات عن كل زيادة في الإنتاج، ولا تضع سقفاً معيناً له"، لافتاً إلى أن "انخفاض سعر النفط يؤثر بشكل كبير في الإيرادات، ويجعل المستحقات كبيرة، وتعد أرقامها كبيرة وغير منصفة للبلاد".
أفضل كلف في العالم
ويدافع المتخصص في الشأن النفطي حمزة الجواهري عن العقود النفطية التي وقّعها العراق مع الشركات النفطية ضمن جولات التراخيص، ويعتبر أنها "من أفضل العقود النفطية في المنطقة، وأقلها كُلفة في العالم".
ويضيف الجواهري أن "رئيس اللجنة المالية هيثم الجبوري أكبر الداعين لمعارضة عقود جولات التراخيص"، مبيناً أن "إنتاج برميل النفط لا يزيد على ثلاثة دولارات للبرميل الواحد، عدا أجرة الشركات التي لا تزيد على 1.08 دولار للبرميل".
مراجعة
ويتحدث الجواهري عن مراجعة هذا العقود في العام 2006 من جانب استشاريين عالميين، عبر مكتب استشارات نرويجي، وكان التقرير مكوناً من 72 صفحة، تضمن أنها من أفضل العقود ولا توجد فيها مشكلة، لافتاً إلى أن التقرير تحدّث عن مشكلة في إدارة العقود.
ويفتقر العراق إلى عقول تفاوضية تجلس أمام الشركات العالمية في إمكاناتها الكبيرة، بحسب الجواهري، الذي أشار إلى وجود لجنة "جي أم سي"، وفيها أربعة عراقيين وأربعة من ممثلي الشركات، بينهم عراقي استطاعت الشركات من خلاله تمرير كثير من الأمور ضد مصلحة العراق.
ويرى الجواهري أن "العقود هي ضمن الأفضل في العالم، وأعدها استشاري بريطاني بناء على ثوابت وطنية عراقية"، مشيراً إلى أن "هذه العقود وضعت من قبل 15 خبيراً عراقياً، من بينهم المتكلم".
محاكم عالمية
ويحذّر الجواهري من إلغاء عقود جولات التراخيص، "كونها ستُدخل البلاد في قضايا دولية مع هذه الشركات أمام المحاكم الدولية، وستغرقنا بالديون".
ووفق الجواهري، فإن كُلف الإنتاج والتطوير والأجور تبلغ 9.5 دولار للبرميل الواحد، وبعد إكمال مراحل التطوير تتبقى كُلف الإنتاج والأجور التي ستبلغ أربعة دولارات.
ووقّع العراق منذ العام 2009 سلسة من العقود مع شركات النفط العالمية لتطوير حقوله في مناطق جنوب ووسط البلاد، لتركز على محافظات البصرة وميسان وواسط وذي قار، ثم توسعت للكشف عن احتياطات نفطية جديدة في محافظات المثنى والنجف والأنبار.