عشية رحلة تاريخية إلى العراق، وجه البابا فرنسيس، الخميس الرابع من مارس (آذار)، رسالة مؤثرة وشخصية جداً إلى العراقيين، أشار فيها إلى "سنوات الحرب والإرهاب"، ودعا إلى "المصالحة"، في حين نشرت السلطات العراقية آلافاً إضافية من أفراد قوات الأمن لحماية البابا خلال زيارته التي تستمر أربعة أيام، والتي تأتي بعد موجة من الهجمات بالصواريخ والقنابل أثارت المخاوف على سلامة رئيس الكنيسة الكاثوليكية.
وقال مسؤول أمني بارز اطلع على الخطة الأمنية لوكالة "رويترز"، إن القوات المشاركة تلقت التدريب على التعامل مع أسوأ السيناريوهات، من اشتباكات في الشوارع إلى تفجير قنابل وحتى هجمات بالصواريخ.
وكانت هذه التهديدات الافتراضية جزءاً من تدريبات واسعة النطاق في إطار التحضير للزيارة التي تستمر من الخامس إلى الثامن من مارس، وهي الزيارة البابوية الأولى للعراق.
وإلى جانب المخاوف المتعلقة بالعنف، شهدت البلاد ارتفاعاً في حالات الإصابة بفيروس كورونا، مما زاد من تعقيد التحضيرات للزيارة.
وعلى مدى الشهرين الماضيين، زادت الهجمات على أهداف مدنية وعسكرية، ففي يناير (كانون الثاني) شهدت بغداد أول هجوم انتحاري كبير منذ ثلاث سنوات، عندما فجر مهاجمان نفسيهما وسط سوق مزدحمة، مما أسفر عن سقوط 32 قتيلاً على الأقل.
وصباح أمس الأربعاء، سقطت 10 صواريخ على قاعدة جوية تستضيف قوات أميركية وعراقية وقوات تابعة للتحالف الدولي، لكن بعد بضع ساعات من هذا الهجوم، أكد البابا أنه ذاهب للعراق.
عربات مصفحة
وستشكل القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وقوات الجيش طوقاً أمنياً حول البابا أينما ذهب، في حين سيطلق السلاح الجوي طائرات مسيرة على مدار الساعة لمراقبة المسارات التي سيسلكها.
وسيكون هناك فريق من خبراء المفرقعات وقوات مكافحة الإرهاب على أهبة الاستعداد في حال ظهور أية عبوات مريبة أو حدوث اشتباكات في الشوارع، وسيكون بإمكان فريق فني كذلك قطع الاتصالات الهاتفية أو اللاسلكية المريبة.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لتناوله مسائل أمنية، أن ضباطاً سريين من الاستخبارات والأمن الوطني سينتشرون وسط التجمعات التي يحضرها البابا.
وقال مسؤولون في الفاتيكان وزعماء الكنائس المحلية، إنهم مطمئنون إلى أن القوات العراقية ستكون قادرة على توفير الحماية الكافية للبابا ومرافقيه.
وسيجري نشر قوات أمن قوامها 10 آلاف فرد لحماية البابا فرنسيس، الذي قد يتحرك بعربات مدرعة خلافاً للمعتاد. وقال المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، "من الواضح أننا نتحدث الآن عن زيارة لها متطلبات أمنية مختلفة عن الزيارات الأخرى، لذلك من المرجح بدرجة كبيرة استخدام عربة مصفحة".
الاستعدادات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيزور البابا (84 عاماً) أربع مدن، منها الموصل التي كانت معقلاً لتنظيم "داعش" والتي ما زالت كنائسها ومبانيها تحمل آثار الصراع، ومدينة أور، وسيجتمع مع المرجع الأعلى لشيعة العراق، علي السيستاني (90 عاماً).
ومنذ أسابيع تستمر الاستعدادات لزيارة البابا على قدم وساق، وتم رصف بعض الشوارع التي سيمر منها الموكب، وعكف عشرات العمال على طلاء الجدران ووضع الزهور حول الكنائس التي سيزورها، كما رُفعت لافتات وملصقات عليها صور البابا، وترفرف أعلام العراق والفاتيكان على أسطح المباني.
وانتشرت قوات الأمن والمركبات المصفحة في الشوارع التي تكون عادة خالية حول الكنائس المقرر أن يزورها البابا في وسط بغداد.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، تحسين الخفاجي، "استعداداتنا من ناحية القوة الأمنية كافية، وبإشراف من وفد الفاتيكان".
وقبل نحو أسبوعين منعت الحكومة العراقية حركة السفر في معظمها بين المحافظات، وفرضت حظر تجول من الثامنة مساء إلى الخامسة صباحاً في أيام العمل، وحظراً كاملاً خلال عطلات نهاية الأسبوع بعد ارتفاع كبير في أعداد الإصابات بـ "كوفيد-19"، مما سيجعل زيارة البابا افتراضية بالنسبة إلى جزء كبير من العراقيين الذين سيضطرون للاكتفاء بمشاهدته من خلال شاشاتهم.
وقال مسؤول من الشرطة إن احتياطات الحد من انتشار فيروس كورونا سهلت التعزيزات الأمنية لزيارة البابا.
"المغفرة والمصالحة"
وفي رسالة مصورة موجهة إلى الشعب العراقي بُثت عشية توجهه إلى العراق، قال البابا، "أخيراً سوف أكون بينكم. أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم مهد الحضارة العريقة والمذهلة".
وأضاف البابا الذي تحمل زيارته شعار "السلام والأخوة"، "إني أوافيكم حاجاً يسوقني السلام" من أجل "المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب". وذكر أيضاً بشكل رمزي أرض إبراهيم قائلاً، "أسعى خلف الأخوة وتدفعني الرغبة في أن نصلي معاً ونسير معاً ومع الإخوة والأخوات من التقاليد الدينية الأخرى أيضاً تحت راية أبينا إبراهيم الذي يجمع في عائلة واحدة المسلمين واليهود والمسيحيين".
ومضى يقول في جزء مكرس خصوصاً للمسيحيين الذين لا يزالون في العراق، "لا تزال في أعينكم صور البيوت المدمرة والكنائس المدنسة وفي قلوبكم جراح فراق الأحبة وهجر البيوت". وتابع، "أود أن أحمل لكم عناق الكنيسة بأسرها المفعم بالحنان، الكنيسة التي هي قريبة منكم ومن الشرق الأوسط المتألم، وأن أشجعكم على المضي قدماً. لا نسمح للمعاناة التي عشتموها والتي تؤلمني كثيراً بأن تنتصر".
في أوائل العقد الأول من القرن الـ 21، كان المسيحيون يشكلون أقلية قوية في العراق تضم حوالى 1.5 مليون عراقي، أما اليوم فأصبحوا ما بين 300 و500 ألف، وفقاً لتقديرات صادرة عن جمعية "لوفر دوريان" الفرنسية.
ومنذ بداية حبريته قبل ثماني سنوات، وجه البابا فرنسيس رسائل إلى الشعبين العراقي والسوري المتجاورين واللذين عاشا لعقود تحت وطأة الحرب.
وقال، "إخوتي وأخواتي الأعزاء، لقد فكرت فيكم كثيراً طوال هذه السنين. فيكم أنتم الذين عانيتم الكثير لكنكم لم تشعروا بالإحباط. فكرت فيكم مسيحيين ومسلمين. وفيكم أنتم الشعوب، مثل الشعب الأيزيدي، فكرت في الأيزيديين الذين عانوا الكثير، وحملت رجاءً جديداً، رجاء الله، فليملأنا هذا الرجاء الذي يمنح الشجاعة من أجل إعادة الإعمار والبدء من جديد".