دخلت موازنة العراق الاتحادية لعام 2021 الشهر الثالث من مناقشتها في مجلس النواب من دون اتفاق شامل يضمن تمريرها خلال الأيام المقبلة، في حين يرغب رئيس المجلس محمد الحلبوسي وبعض الكتل السياسية في عقد جلسة الاثنين المقبل للتصويت عليها.
وتمثّل المواقف المختلفة للكتل السياسية المطالِبة بتغيير فقرات عدة في مسودة قانون الموازنة العامة، دليلاً واضحاً على عدم وجود اتفاق سياسي يضمن تمريرها بهدوء أو من دون تهميش طرف مهم في العملية السياسية كالأحزاب الكردية، مثلما جرى في إقرار قانون تمويل العجز الذي صُوّت عليه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتبرز قضايا حصة الإقليم وسعر صرف الدولار والتعيينات والتخصيصات لبعض المحافظات ومنع ازدواجية الرواتب لمعارضي نظام صدام حسين، أهم المعوقات التي تعترض إقرار الموازنة خلال الأسبوع المقبل، فضلاً عن إصرار كتل شيعية على ربط تمريرها بإقرار قانون المحكمة الاتحادية وفق شروطها القاضية بإدخال فقهاء شيعة وسنة فيها لجعلها تحت نفوذها بشكل كامل وإبعاد الطابع المدني الذي تمتاز به كمؤسسة قضائية عراقية مستقلة.
وكانت الحكومة العراقية أرسلت في نهاية ديسمبر الماضي إلى البرلمان مسودة الموازنة العامة التي بلغت قيمتها نحو 164 تريليون دينار (113 مليار دولار تقريباً) وبعجز كبير بلغ حوالى 70 تريليون دينار عراقي (48 مليار دولار). ووفقاً للبنك المركزي العراقي، فإن سعر الصرف يمر عبر مراحل، أولها شراء الدولار من وزارة المالية بـ1450 ديناراً، ثم بيعه من قبل "البنك المركزي" إلى المصارف بـ1460 ديناراً، وبعدها إلى الجمهور بـ1470 ديناراً للدولار الواحد، لكن بعض الكتل الشيعية مثل كتلة "النهج الوطني" و"دولة القانون"، تطالب بإعادة سعر الصرف إلى 1300 دينار للدولار الواحد كشرط للتصويت على الموازنة في مجلس النواب، وهو ما ترفضه الحكومة.
الخلاف حول حصة الإقليم
واستطاعت اللجنة المالية في البرلمان بعد عشرات الاجتماعات التي عقدتها مع خبراء ووزراء ومديرين عامين ومحافظين وممثلين عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة، خفض العجز ليبلغ 30 تريليون دينار واعتماد سعر جديد للنفط محدد بـ45 دولاراً وتخصيص مبالغ أكثر لمشاريع الإعمار والتنمية، لكن ما حصل هو عدم التوافق بشأن مشكلة حصة الإقليم ومطالب أخرى تحتاج إلى تفاهم سياسي غير موجود حالياً. وقال عضو اللجنة المالية أحمد الصفار إن "اللجنة حسمت جميع القضايا الخلافية في مشروع الموازنة المالية لعام 2021، باستثناء المشكلة المتعلقة بنسبة الإقليم في الموازنة وعائدات الواردات النفطية والمنافذ الحدودية"، مشيراً إلى محاولة بعض الكتل السياسية ربط إقرار الموازنة بإقرار قوانين أخرى. وأضاف الصفار، وهو نائب كردي، أن "اللجنة المالية أكملت عملها منذ 15 فبراير (شباط) الماضي، إلا أن رئيس المجلس لم يحدد جلسة لإقرار الموازنة"، مبيّناً أن "الكتل السياسية لم تقدّم نصاً بديلاً عن النص الحكومي الخاص بالإقليم ونحن بانتظار ذلك حتى يطّلع الوفد الكردستاني عليه بغية الوصول إلى صيغة توافقية".
واستبعد إقرار الموازنة في جلسة الاثنين المقبل، لأن "الموازنة بحاجة إلى جلسة خاصة لإقرارها وعدم عرضها مع قانون المحكمة الاتحادية، الذي حُدد اليوم ذاته لإكمال التصويت عليه".
نص بغداد - أربيل لم يتغير
ورأى الصفار أن النص الحكومي في ما يخص المادة 11، جاء بعد مفاوضات بين الحكومة الاتحادية والإقليم وهناك اتفاق بين الطرفين بشأنه، إلا أن كتلاً سياسية ترفض هذا النص وفي الوقت ذاته لم تقدّم نصاً بديلاً". وبيّن أن هناك محاولات من قبل بعض الأطراف للربط بين تحديد موعد لحل البرلمان قبل الانتخابات وبين إقرار الموازنة، فيما تريد أطراف أخرى أن تربط بين بتّ قانون المحكمة الاتحادية والموازنة"، مشدداً على "ضرورة تمرير الموازنة في أقرب وقت لأنها مرتبطة بكثير من حاجات المواطنين".
وتنص المادة 11 من قانون الموازنة الاتحادية لعام 2021، التي أرسلتها الحكومة، على أن تُسوّى المستحقات بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان للسنوات 2004 لغاية 2020 بعد تدقيقها من قبل ديوانَي الرقابة المالية في الحكومة الاتحادية والإقليم. وتُلزم تلك المادة حكومة الإقليم تسليم 250 ألف برميل من النفط الخام يومياً من حقولها، إلى شركة تسويق النفط الاتحادية "سومو"، وأن تعطي كل إيراداتها النفطية وغير النفطية الى خزانة الدولة حصراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بانتظار مقترح الكتل الشيعية
كما أشارت عضو اللجنة المالية، النائب محاسن حمدون إلى "حسم كل الفقرات الخلافية في الموازنة، بحيث لم يتبقَّ إلا الفقرة الخاصة بالإقليم"، مضيفةً "نحن بانتظار الكتل الشيعية لتقديم مقترحات بشأن هذه المادة". وتابعت حمدون وهي نائب عن مدينة الموصل أن "هناك احتمالية كبيرة لتمرير الموازنة يوم الاثنين المقبل، والوصول إلى المادة 11 منها، التي تخصّ نسبة الإقليم وضرورة تسليم وارداته النفطية التي ما زالت موضع خلاف". ولفتت إلى أن "الإقليم موافق على أي مقترح يضمن تسلّم حصته من الموازنة، ونحن بانتظار أي مقترحات جديدة من الكتل الشيعية في هذا الخصوص". وبيّنت أن "مشروع الموازنة وقانون المحكمة الاتحادية سيوضعان على جدول أعمال الاثنين المقبل لإقرارهما".
التصويت بسلة واحدة
بدوره، صرّح النائب عن تكتل "سائرون" جمال فاخر أن "سبب تأخر إقرار موازنة 2021 هو الخلاف مع الإقليم بشأن الواردات النفطية"، لافتاً إلى أن "150 نائباً طلبوا إدراجها في جلسة الاثنين المقبل وسيُصوّت عليها مع قانون المحكمة الاتحادية". وأضاف أن "الوفد الكردي اجتمع مرات عدة مع المسؤولين في بغداد للوصول إلى صيغة مرضية بشأن حصة الإقليم وتسليم وارداته إلى الحكومة سواء النفطية منها أو واردات منافذه الحدودية"، مؤكداً أن "الإقليم يرفض ذلك".
وتحدث فاخر عن "عدم وجود اتفاق مرضي حتى الآن بين الكتل السياسية حول المقترح الخاص بحصة إقليم كردستان في الموازنة"، مشدداً على ضرورة التصويت على مشروع قانون الموازنة ومسودة قانون المحكمة الاتحادية في جلسة الاثنين، لا سيما أنه لم يتبقَّ من التشريع الأخير سوى فقرتين فقط لإقرارهما".