حسين الحاج حمد
من الملاحظ في العراق عدم اكتمال البناء القانوني لعدد من مؤسسات النظام الجديد بعد مضي أكثر من 15 سنة على إقرار الدستور الحالي، لاسيما قانون المحكمة الاتحادية العليا التي ظلت طوال تلك المدة المتقدمة محل تشكيك بعدم دستورية تشكيلها، إلى أن وصل الحال حد تعطيلها بعد إلغاء المادة الخاصة بترشيح أعضائها لعدم الدستورية من المحكمة نفسها (يراجع قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (38 اتحادية/ 2019 في 21/5/2019).
قناة "ناس" على تلكرام.. آخر تحديثاتنا أولاً بأول
وبعد أن سعى مجلس النواب أخيرا إلى التصويت على مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا، وأقر أغلب مواده، إلا ان الملاحظ على المشروع محل التصويت، افتقاده إلى المشاركة الفنية من قبل أصحاب الاختصاص - ولا أدعي أنني منهم - وانفراد اعضاء مجلس النواب بصياغة نصوصه، ولا أدل على ذلك الكثير من الهنات والهفوات التي اتسم بها المشروع، إلا أنه سيقتصر الأمر على واحدة من تلك المشاكل التي اعترته؛ لأهميتها، وعدم التركيز عليها من الكتّاب - بحسب الاطلاع على ما نشر في هذا المجال - وهي عدم تنظيم المشروع لكيفية عمل المحكمة، وبالخصوص ما يتصل بطرق تحريك الدعوى الدستورية أمامها، وكيفية اتصال المحكمة باختصاصاتها، لينص المشروع بشكل صريح على إحالة تلك المسائل وغيرها من الإجراءات إلى المحكمة لتتولى تنظيمها في نظامها الداخلي، حيث نصت المادة (20) من مشروع قانون المحكمة على (تصدر المحكمة الاتحادية العليا نظاماً داخلياً تحدد فيه الإجراءات التي تنظم سير العمل فيها، وكيفية قبول الدعاوى والطلبات وإجراءات المرافعة، وكل ما يسهل تنفيذ احكام هذا القانون).
وبالرجوع إلى نص المادة (92/ثانيا) من دستور 2005 التي نصت على (تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون يحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) يتضح أن المشرع الدستوري قد فوّض مجلس النواب بإصدار القانون الخاص بالمحكمة ليحدد عدد أعضائها، وتنظيم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، والواضح من النص أنه أعطى - ما يطلق عليه فقهيا - انفرادا تشريعيا مطلقا لمجلس النواب بتشريع قانون المحكمة، ولم يسمح للمجلس ان يفوّض أية جهة أخـــــــرى - بما فيها المحكمة نفسها - بتنظيم المواضيع التي ذكرها النص الدستوري بشكل أصيل، إلا إذا كان في اطار تسهيل تنفيذ قانون المحكمة مما يستلزم أن يقوم مجلس النواب نفسه بهذه المهمة بنحو متكامل ليأخذ على عاتقه بيان آلية عمل المحكمة، وكيفية ممارسة اختصاصاتها، والشروط اللازمة لذلك.
وهو ما افتقد إليه المشروع تاركا تلك التفاصيل للنظام الداخلي للمحكمة، مما يجعله محلا لشبهة عدم الدستورية، ولا يمكن قبول تلك النتيجة بسبب تعلق هذا المشروع بالمحكمة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين، ومن المحرج - على أقل تقدير - أن تكون تلك المحكمة نفسها محلا لعدم الدستورية من ناحية، وعدم مسايرتها لتلك الإشكالية والحكم بعدم دستوريتها إذا ما طعن بها، بعد أن تخلى المشرع عن اختصاصه، وترك للمحكمة حرية تنظيم قواعد عملها من ناحية أخرى.
ولا يعني ذلك سلب اختصاص المحكمة بإصدار نظامها الداخلي، بل هو أمر مسلّم به، ولكن في حدود تفصيل نصوص القانون من جهة، وان تكون المبادرة لمجلس النواب بشكل أصيل من جهة أخرى.
ويبدو أن هذا النص قد نقل من قانون المحكمة رقم (30) لسنة 2005 إلى مشروع قانونها محل التصويت - بشكل حرفي تقريبا - إلا ان النص الوارد في قانون المحكمة النافذ يجد له أساسا دستوريا يتمثل بنص المادة (44/د) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية 2004، التي نصت على (تضع المحكمة العليا الاتحادية نظاما لها بالإجراءات اللازمة لرفع الدعاوى وللسماح للمحامين بالترافع أمامها وتقوم بنشره،...) مما يدفع عنه شبهة عدم الدستورية، في حين خلا الدستور النافذ من نص مشابه للنص أعلاه، بل على العكس نجده قد نصّ بشكل صريح على أن يتولى مجلس النواب حصريا تنظيم عمل المحكمة في القانون الخاص بها، من دون ان يفوّض أية جهة أخرى بذلك، مما يؤكد شبهة عدم الدستورية في نص المادة (20) من مشروع قانون المحكمة، علما أن هذه المادة - للأسف - قد صوّت عليها مجلس النواب بالموافقة.