على الرغم من الاعتراضات والرفض الذي جوبهت به الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية في البرلمان العراقي منذ العام 2019، في محاولاتها الرامية إلى إدخال رجال الدين ضمن عمل المحكمة الاتحادية العليا ومنحهم صلاحيات واسعة في قراراتها، إلا أنها لم تمنع حصول توافق سياسي يُفترض أن يتحول إلى تشريع ملزم خلال الأيام القليلة المقبلة.
وحاولت منظمات المجتمع المدني والناشطين والنقابات خلال العامين الماضيين، من خلال ندوات ومؤتمرات، إيقاف محاولات معظم الكتل السياسية لإدخال المحاصصة إلى عمل المحكمة الاتحادية العليا عبر دخول فقهاء الدين من المذهبين الشيعي والسني، ومنحهم صلاحيات التصويت ورفض القوانين والقرارات التي يجدونها مخالفة للشريعة الإسلامية في المحكمة الاتحادية.
وبموجب المادة (92) من الدستور العراقي، تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتُنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة، بقانون يُسَن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
ووفق المادة (93) من الدستور، فإن اختصاصات المحكمة الأساسية تنحصر بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير النصوص الدستورية والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين والتعليمات الصادرة من السلطة الاتحادية والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية والمصادقة على نتائج الانتخابات.
واستطاعت المحكمة منذ تأسيسها عام 2005، حسم 2227 قضية دستورية، وهو أكبر عدد قضايا حُسمت أمام محكمة دستورية في العالم مقارنة بتاريخ التأسيس بحسب الموقع الإلكتروني للمحكمة الإتحادية.
توافق على إدخال رجال الدين
ويشير عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي أمجد العقابي إلى وجود اتفاق داخل مجلس النواب على أن يكون عدد خبراء الشريعة الإسلامية أربعة، ويكون رأيهم ملزماً في القضايا التي تخص ثوابت الدين الإسلامي بناء على النص الدستوري في مادته الأولى والثانية.
وتنص المادة الأولى من الدستور على أن "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع"، وتقول الفقرة (أ) من الدستور إنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام"، فيما تشير الفقرة (ب) إلى أنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية"، والفقرة (ج) نصها أنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور".
الأكراد يصرون على الإجماع
وقال العقابي إن "المواد الخلافية معلقة بسبب إصرار الأكراد على أن تكون قرارات المحكمة بالإجماع، وهو ما ترفضه القوى العربية"، مشيراً إلى أن "القضايا التي تخص المحافظات والأقاليم تُتخذ القرارات فيها بنسبة الثلثين وباقي الأمور تُحسم بالأغلبية".
وأوضح العقابي أن "القضية الخلافية الأخرى هي عدد أعضاء المحكمة وكم يكون، إذ إن هناك خلافاً بين أن يكونوا تسعة أو 11"، لافتاً إلى أن "هذه القضية تحتاج إلى لمسات أخيرة لتسويتها وعرضها على التصويت في الجلسة المقبلة".
مطالب الأقليات
من جهة أخرى، تطالب الكتل السياسية الممثلة للأقليات بالتواجد في عمل المحكمة الاتحادية بما يضمن الحفاظ على خصوصيتهم في المجتمع العراقي. ودعت النائبة عن كتلة "بابليون" المسيحية، بيداء سلمان إلى أن يكون هناك "تمثيل للأقليات الدينية وأن يحق لهم التصويت". وقالت سلمان إنه "تم تهميش الأقليات من خلال تمثيلها في المحكمة الاتحادية، لكن من دون السماح لها بالتصويت في مجلس المحكمة"، مشيرة إلى "وجود اعتراض من ممثلي الأقليات على هذا الأمر".
الفقهاء دورهم استشاري
كذلك اعتبر النائب السابق والقاضي وائل عبداللطيف، أنه "من الضروري ألا يُسمح للفقهاء بالتصويت في المحكمة الاتحادية وأن يكون دورهم استشاري"، لافتاً إلى أن "تعيين أربعة فقهاء سيؤدي إلى التأثير على قرارات المحكمة الاتحادية". وأضاف عبداللطيف أن "المحكمة الاتحادية العليا هي هيئة قضائية بحسب وصف الدستور، وتنص الفقرة الثانية على أنها مكونة من قضاة وفقهاء قانون وخبراء شريعة"، مبيناً أن "اختيار فقهاء القانون سيكون من أساتذة الجامعات وفقهاء الشريعة الذين يجب جلبهم من كليات الشريعة، وألا يعينهم الوقفان الشيعي والسني".
وبيّن النائب السابق أن "وجود أربعة فقهاء شريعة سيحد من دور المحكمة الاتحادية العليا، لأن عددهم سيكون كبيراً وسيؤثرون في سير القرارات"، مشيراً إلى أن "الإسلام السياسي واضح في هذا الاتجاه، وبذلك خرجت المحكمة الاتحادية عما أُريد لها بموجب الدستور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطعن بالقانون
واعتبر عبداللطيف أن "وجود خبراء الشريعة والقانون أفسد النص الدستوري الأول، وهو تشكيل المحكمة الاتحادية من القضاة"، مشدداً على "ضرورة اتخاذ القرارات داخل المحكمة بالأكثرية وليس بالتوافق كما يريد الكرد، أو الثلثين كما دعا البعض". ويُتوقع الطعن بقانون المحكمة الاتحادية الجديد أمام المحكمة ذاتها بحسب عبداللطيف، الذي أكد أنه سيُطعن بالقانون فور إقراره من قبل البرلمان.
تخريب طابعها الوظيفي
وقال الصحافي العراقي باسم الشرع، إن "إدخال فقهاء ورجال الدين كأعضاء في المحكمة الاتحادية سيفقدها دورها الوظيفي، ويحوّلها إلى مؤسسة طائفية شبيهة بأية مؤسسة عراقية تحكمها المحاصصة".
وأضاف أن "الأحزاب الإسلامية وخصوصاً الشيعية ترى أنها غير ممثلة في المحكمة الاتحادية، ولا تؤثر في قراراتها وتحاول من خلال الزج بالفقهاء والتدخل في عملها، وتحفيز الاستقطاب الطائفي داخلها لجعلها منسجمة مع ما ترغب فيه من مسارات محددة"، مبيناً أن "أغلب أعضاء المحكمة هم من القضاة الذين لهم خبرة كبيرة سواء في القانون العراقي أو حتى في المسائل الشرعية".
ورجّح الشرع "الطعن بالقانون الجديد للمحكمة الاتحادية، كونه يُخرج المحكمة من إطار عملها القانوني إلى أمر آخر ضمن المحاصصة المعمول بها في بقية مؤسسات الدولة"، موكداً أن "الدستور العراقي لم يتحدث عن دور فعال للفقهاء ورجال الدين في المحكمة، بل ذهبت معظم التفسيرات القانونية إلى القول إن دورهم استشاري فقط".
ويُفترض عرض قانون المحكمة الاتحادية العليا في جلسة مجلس النواب، يوم الإثنين 15 مارس (آذار) الحالي، بعدما تم التصويت على عدد من فقراته في الرابع من الشهر ذاته.