كتب / اياد السماوي
بادئ ذي بدء .. إنّ مناقشة دعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للحوار الوطني الذي دعا له الأسبوع الماضي , لا تعني أبدا أنّي مؤمن بحقيقة وصدق وجدّية هذه الدعوة وما سيتمّخض عنها من نتائج , لأنّ أي دعوة لحوار وطني حقيقي يجب أن تكون من خارج الحكومة وأحزاب السلطة الحاكمة , كما ويجب أن تكون خارج رعاية وإشراف الحكومة ومن يرتبط بها .. وبصدق أنّي لا أرى في طرح هذه الدعوة في هذا الوقت تحديدا سوى محاولة بائسة من فريق رئيس الوزراء البائس لتضليل الرأي العام وإشغاله عمّا يجري من عمليات تطهير واسعة النطاق في كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية وما تقوم به الحكومة من صفقات مريبة .. لكنّ هذا لا يمنع من مناقشة موضوع الحوار الوطني وتحديد أطره العامة انطلاقا من حاجة البلد لعملية التغيير والإصلاح الشامل في بنية النظام السياسي القائم .. وهذا يتطلّب أولا معرفة من المعني بهذا الحوار وهل هو حوار سياسي بين قوى سياسية حاكمة أم حوار وطني عام يشترك فيه المعارض والمؤيد للنظام السياسي القائم ؟ والأمر الثاني الأهم هو ما هي طبيعة المواضيع التي سيتناولها هذا الحوار وهل ستشمل إعادة كتابة الدستور وإعادة تشكيل النظام السياسي القائم الذي فشل فشلا ذريعا في حماية النسيج الاجتماعي العراقي ومنع الانقسام والفرقة والتشرذم بين مكوّناته الاجتماعية وحماية موارد البلد من السطو والسرقة ؟ ..
فإذا كان هذا الحوار يشمل إعادة كتابة الدستور ( المسخ ) وإعادة بناء النظام السياسي القائم على أساس نظام المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية , وإعادة بناء كامل العملية الديمقراطية وبناء أحزاب وطنية حقيقية غير هذه العصابات السياسية الحاكمة , وإعادة مفهوم النظام الاتحادي والفيدرالي على أسس واضحة , فبهذه الحالة يكون هذا الحوار مهما وضروريا وواجب المشاركة والمساهمة في أعماله من قبل الجميع .. أمّا أن يدعو لهذا الحوار رئيس وزراء وصل لمنصبه في غفلة من الزمن ويريد أن يشغل الرأي العام بمثل هذا الموضوع التافه وغير الجاد بل وغير الممكن في ظل هذه الظروف القائمة التي يمرّ بها البلد , فهذه قصّة لا تنطلي على مفكري هذا البلد وكتّابه وأصحاب الرأي فيه من الأستاذة والأكاديميين ورجال الأعلام والصحافة .. ويؤسفني أن أرى بعض المهتّمين من السياسيين وغيرهم يأخذون هذه الدعوة على مأخذ من الجد والاهتمام , وكأن صاحب هذه الفكرة المختبئ وراء الكواليس يريد فعلا البدء بمثل هذا الحوار .. ولو كانت هذه الدعوة صادرة من سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني , لكان لها وقعا آخر وشكلا آخر وطعما آخر , ولاستجاب لها كلّ العراقيين دون استثناء وبكافة مكوّناتهم الاجتماعية , لما لسماحة المرجع الأعلى من مكانة دينية وشعبية ودولية .. وفاقد الشيء لا يعطيه يا دولة رئيس وزراء الغفلة .. ختاما أقول للمشرق المختبئ وراء الكواليس .. ألعب غيرها يا مشرق الرأي العام العراقي أكبر من أن يخدعه واحد مثلك ..