كتب / زهير المالكي
في يوم 16/3 من عام 1988 وماكاد اهالي حلبجة القرية العراقية الكردية الوادعه بين احضان سلاسل جبال(هورامان) الشاهقة من الشمال وسلسلة جبال (بالامبو ) من الجنوب ومن الشرق سلسلة جبال(شنروي)وبحيرة دربندخان و من الغرب سهل(شهرزور) على الحدود الشمالية الشرقية العراقية يخرجوا من المخابيء بعد ان تاكدوا من انسحاب القوات الإيرانية التي كانت احتلت القرية قبل يوم واحد وفي الساعة الحادية عشر وخمس واربعون دقيقة فجأة شنت طائرت مقاتلة من القوة الجوية العراقية أقلعت من قاعدة البكر الجوية قرب بلد في صلاح الدين، ومن قاعدة الحرية الجوية في كركوك، وقاعدة صدام في الموصل، غارة على المدينة مستخدمة في قصفها المركز قنابل النابالم شديدة الانفجار، واستمر القصف الى الساعة 1500 نفس اليوم، وعندما يأس الاهالي من توقفه، وبدأوا بالهروب مشيا وباستخدام الجرارات الزراعية، والحيوانات، فجأة بدأت رائحة التفاح تملء طرقات القرية بعطر فواح يتسلل الى البيوت والمغاور ويدخل الى الرئتين بكل سهوله ليحول في ظرف دقائق خمسة الاف انسان من نساء واطفال وشيوخ الى جثث ترقد في طرقات القرية والالاف من المصابين هاربين عبر الطرقات الجبلية الوعره بحثا عن ملجاء في اكبر هجوم كيمياوي ضد منطقة مأهولة بالناس في التاريخ وتصنف ضمن جرائم الإبادة الجماعية .
اول من استخدم تعبير (الإبادة الجماعية ) هو الفقيه البولوني الأصل (رافائيل لمكين) كمصطلح لغوي مركب (الجينوسايد ) المكون من جمع كلمة (جينو ) اليونانية والتي تعني ”سلالة” ، ”جماعة”، ”قبيلة ”، مع كلمة (سايد ) اللاّتينية أي : ”القتـل ”، والتي تعني جريمة الإباد ة الجماعية. ليصف المجازر والسياسة الشنيعة المتخدة مـن طرف دول المحور فـي أوروبا المحتلة، وعبر عنها رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية “ونستون تشرشل “بأنها الجريمة التي ليس لها وصف،وذلك لهول ما تتسبب فيه من حصد للآلاف أو الملايين من بني الإنسان”. الإبادة الجماعية كجريمة في القانون الدولي عرفت سماتها أولا لدى الفقه ثم إنتقلت إلى الأوساط الدبلوماسية قصد تدوينها في الصكوك الدولية و هي التسـمية التـي عـرف بـه هـذا المصطلح من حينها و الذي يعد ذات اصول فقهية فبل انتقاله الى مدلول قـانوني متـداول فـي المجتمع الدولي فمند 1933 ،بمناسبة الملتقى الدولي الخامس لتوحيـد القـانون الجنـائي، إقترح “لمكين ” تجريم الأفعال التي تهدف إلى تدمير وإضطهاد الجماعـات العرقيـة أو الدينيـة وغيرهـا، إضـافة إلى تجريم أفعال تخريب المنشآت الثقافية والشعائر الدينية . تعد جريمة إبادة الجيش البشري من الجرائم التي ألحقت خسائر جسيمة و فضيعة بالإنسانية وذلك في كل مراحل التاريخ مثلما كنا قد أشرنا إليه لأنها تستهدف أسمى وأقدس حق وهبه الله تعالى للإنسان ألا وهو الحق في الحياة ، من خلال إفنائه وسحقه من الوجود . عدت هذه الجريمة من أمهات الجرائم المرتكبة ضــد الإنسانيــة فـي 11 كانون الأول سنة 1946 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، التي تبنتها في 09 كانون الأول سنة 1948، لتدخل طور النفاذ بتاريخ 12/01/1951 بعد مصادقة 20 دولة عليها وبتاريخ 31 ماي 1995 صادقت عليها أكثر من 100 دولة . وبحلول عام 1997 قفز هذا العدد إلى 123 دولة.