يرى مراقبون أن العراق مازال بحاجة للدعم الأميركي (مرتضى السوداني/الأناضول)
تنطلق، اليوم الأربعاء، أعمال الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وهي الأولى التي تعقد في عهد الرئيس جو بايدن، ما يزيد من مساحة التكهنات حول ما سيتم بحثه فعلاً خلال جولة اليوم، وحول موقف الإدارة الأميركية الجديدة من مسألة سحب القوات الأميركية من العراق، أو خفض عديدها، ونوعية الدعم المقدم لبغداد. وفيما استُبقت الجولة بوصول زعيم "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، إلى العراق، لعقد سلسلة اجتماعات مع شخصيات سياسية وقادة فصائل، وهو ما تم وضعه في إطار الضغط على المسؤولين العراقيين للمطالبة بسحب القوات الأميركية خلال الجلسة، كان لافتاً التصعيد خلال الأيام الماضية ضد التحالف الدولي. وقال مسؤول عراقي لـ"العربي الجديد" إنّ الجولة، والتي تمتد ليوم واحد، "ستوضح ما إذا كانت هناك سياسة أميركية جديدة بشأن العراق أم لا، وهو ما نحاول فهمه والتعامل معه"، مضيفاً أنّ العراق ما زال بحاجة إلى "دعم عسكري غير قتالي من قبل الولايات المتحدة، يتعلق ببرامج التسليح والتدريب والدعم اللوجيستي، فضلاً عن حاجته لاستمرار الغطاء الجوي لقوات التحالف الدولي".
ووفقاً للمسؤول نفسه، فإنّ ملفات "الأمن ومواصلة محاربة تنظيم داعش والملفين الصحي والاقتصادي، مثبتة مسبقاً في برنامج الجلسات"، موضحاً أنّ "هناك احتمالا كبيرا لبحث قضايا أخرى غير مدرجة على الجدول، مثل ملف الفصائل المسلحة، وتعزيز استقلالية المؤسسات الأمنية العراقية أمام هذه الفصائل، وهو ما أشارت إليه واشنطن على لسان مسؤولين في أكثر من مناسبة خلال الفترة الماضية". ورجح المسؤول أن يتم "التطرق لمسألة العقوبات الأميركية على إيران، والاستثناءات الممنوحة لبغداد بهذا الشأن، تحديداً في ما يتعلق باستيراد الكهرباء والغاز، وأزمة تجميد أكثر من 2.3 مليار دولار كاستحقاقات لطهران على العراق تطالب بها السلطات الإيرانية منذ مدة، فيما يسعى العراق للحصول على استثناء أميركي في هذا الخصوص لدفعها، بعد تلويح طهران بإمكانية وقف تصدير الغاز إلى العراق في الفترة المقبلة، بسبب تراكم الديون". وختم المسؤول بالقول إنّ "الجولة الجديدة قد لا تكون امتداداً للجولتين اللتين عقدتا في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، في يونيو/حزيران وأغسطس/آب من العام الماضي، وقد تشهد تغييرات في النتائج والتفاهمات".
الجولة الجديدة قد لا تكون امتداداً للجولتين اللتين عقدتا في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب
وتعقد جلسة الحوار اليوم عبر تقنية "الفيديو كونفرنس"، ويشارك فيها مسؤولون عراقيون من وزارات الخارجية والدفاع والأمن الوطني، ومكتب القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي. كما علمت "العربي الجديد"، أنّ وفداً من حكومة إقليم كردستان العراق وصل إلى بغداد، أمس الثلاثاء، للمشاركة في الجولة الثالثة من الحوار. وفي السياق، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تغريدة عبر تويتر أمس: "أتطلع للتحدث إلى نظيري العراقي، فؤاد حسين، غداً (اليوم) في الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق. سنراجع التقدم المحرز في كل مجال من مجالات شراكتنا الواسعة والاستراتيجية".
وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي، قال قسم شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية، إنّ "الولايات المتحدة ستعقد مع العراق محادثات الحوار الاستراتيجي عبر دائرة فيديو مغلقة في السابع من إبريل/نيسان، بحسب اتفاقية الإطار الاستراتيجي لسنة 2008 بين البلدين"، موضحاً أنّ "المحادثات ستتناول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة، والمسائل السياسية والتعاون في مجال التعليم والثقافة".
إلى ذلك، كان لافتاً استباق قاآني جولة الحوار بزيارة العراق، إذ كشف التلفزيون الإيراني عن أن قائد "فيلق القدس" اختتم، أمس الثلاثاء، زيارة إلى العراق، التقى خلالها كبار المسؤولين العراقيين والشخصيات ورؤساء الأحزاب والفصائل السياسية. وذكر المصدر أن الزيارة استمرت يومين، بحث فيها قاآني سبل تعزيز العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.
من جهته، قال مسؤول حكومي عراقي لـ"العربي الجديد"، أن قاآني لم يلتقِ برئيس الوزراء أو أي من القيادات الحكومية، ولقاءاته كانت مع زعماء فصائل مسلّحة وشخصيات سياسية، مرجحاً أن تكون الزيارة لها علاقة بجلسة الحوار الأميركي العراقي، إذ تضغط إيران باتجاه دفع حكومة الكاظمي للطلب رسمياً من واشنطن الانسحاب من العراق.
وكانت جولة الحوار الأولى قد انطلقت منتصف يونيو من العام الماضي، وعُقدت عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، شارك فيها مسؤولون من وزارة الخارجية والدفاع في كلا البلدين، بينما عقدت الجلسة الثانية في واشنطن خلال زيارة للكاظمي مع وفد وزاري كبير إلى العاصمة الأميركية، في أغسطس/آب الماضي. وترأس الكاظمي يومها جلسة المفاوضات، والتي ركزت حينها على ملف الأمن والاستقرار في العراق، والدعم الصحي لبغداد، إضافة إلى بحث مسألة الوجود العسكري الأميركي في العراق، وهو ما نتج عنه لاحقاً تخفيض عديد القوات الأميركية من 5500 عسكري إلى قرابة 2500.
وشهد العراق خلال الاثنتين والسبعين ساعة الماضية، تصعيداً ملحوظاً في الهجمات التي تستهدف أرتالاً تعمل لصالح التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إضافة إلى قصف صاروخي طاول قاعدة "بلد" الجوية شمالي العراق، الأحد الماضي، إذ قالت السلطات العراقية إن صاروخي كاتيوشا استهدفا القاعدة، من دون أن يسفر ذلك عن أي خسائر مادية أو بشرية. ويأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات جديدة لقيس الخزعلي، زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، إحدى أبرز الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، قال فيها إنّ العمليات التي تستهدف الأميركيين "ستستمر وتزداد، إذا لم توافق الولايات المتحدة الأميركية على سحب قواتها المقاتلة من أرض العراق كله"، وأضاف في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية عراقية، أنّ "العمليات لن تطاول فقط القواعد الموجودة في وسط العراق، أو في غربه، بل حتى شمال العراق"، في إشارة إلى إقليم كردستان.
في السياق، تحدث عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، حسن شويدر، مع "العربي الجديد"، عما وصفه بـ"حساسية الاجتماع، وما سيترتب عليه". وأضاف شويدر أنّ "الملف الأمني يتصدر الأولويات التي تحكم العلاقة بين بغداد والولايات المتحدة، لذا موضوع الانسحاب الأميركي من العراق، يجب أن تحدده الحكومة فقط، وتبين مدى حاجتها لتلك القوات من عدمها، من دون الالتفات إلى أي اعتبارات أو ضغوط أخرى". وأوضح أنّ الولايات المتحدة، "عدا عن الملف الأمني، فهي تملك ملفا اقتصاديا مهما في العراق، كما أنها لاعب رئيس في الملف السياسي، ولهذا المفاوضون العراقيون يجب أن يغلّبوا مصلحة العراق بعيداً عن أي تأثيرات من هنا أو هناك"، في تلميح واضح للضغوط الإيرانية على المسؤولين العراقيين بشأن سحب القوات الأميركية من العراق. وحول ما إذا كان من المتوقع حدوث مفاجآت اليوم في مخرجات الجولة، قال شويدر إن "السياسة الأميركية إلى الآن ثابتة تجاه العراق، من حيث التعامل معه على أنه رقم مهم في الشرق الأوسط، لكن قد تتغيّر الأساليب وطرق التعاطي".
الركابي: جولة الحوار اليوم ستناقش جدولة الانسحاب الأميركي من العراق
في السياق ذاته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، كاطع الركابي، في إيجاز للصحافيين أمس الثلاثاء من داخل البرلمان، إنّ جولة الحوار اليوم الأربعاء مع الولايات المتحدة "ستناقش جدولة الانسحاب الأميركي من العراق". وأضاف الركابي، وهو عضو في ائتلاف "دولة القانون"، أبرز القوى السياسية الحليفة لإيران والتي تتبنى مطلب إخراج القوات الأميركية والأجنبية عموماً من العراق، أنّ الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي "ستكون استكمالاً للجولتين الأولى والثانية، وهناك محاور عدة لبحثها، أبرزها إخراج القوات الأميركية من العراق"، مشيراً إلى أنّ "هناك لجنة شكلتها الحكومة في وقت سابق، خاصة بجدولة خروج الأميركيين برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، وعضوية مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، ورئيس أركان الجيش عبد الأمير رشيد يارالله، ومدير مكتب رئيس الوزراء رائد جوحي".
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، لقاء مكي، إنّ "الجلستين السابقتين للحوار، غلب عليهما طابع استكشاف وطرح الرؤى، وهو ما قاله في وقت سابق فوزي الحريري (عضو الوفد المفاوض)، ولم يطرح أي من الجانبين موضوع الانسحاب الأميركي الكامل من العراق". وأضاف مكي في حديث عبر الهاتف مع "العربي الجديد"، أنّ "العراق محتاج للقوات الأميركية في مواجهة خطر تنظيم داعش على الأرض، وبالتالي فإنّ أي قرار بالانسحاب الأميركي، قد يتبعه أيضاً قرار بانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي، وهذا ما لن تتحمله القوات العراقية، وسيؤثر عليها بالتأكيد. وأعتقد أنّ آخر ما تفكر به الحكومة الآن، هو التخلي عن دعم القوات الغربية، ومن الصعب تخيّل وجود حلف الأطلسي بمفرده في العراق، لذا فإنّ وجوده مرتبط بالوجود الأميركي في البلاد".
مكي: الحديث عن وصول قاآني إلى العراق يرتبط بالتحشيد والضغط على الحكومة
واعتبر مكي أنّ "المطالبة بالانسحاب الأميركي من العراق، مرتبطة بشكل أساسي بالصراع الأميركي الإيراني، وهي ترتفع كلما تزداد حدة الجدالات بين واشنطن وطهران. كما أنّ هذا الملف يعدّ من أوراق الضغط الإيرانية على واشنطن، وليس هدفاً بحد ذاته. لذلك قصة الانسحاب هي مزايدة سياسية، وليست مطلبا عملياتيا عراقيا، ولا أظن أنها ستطرح بجدية في الاجتماع اليوم". وتابع أنّ "الأميركيين ليسوا بحاجة إلى جلسات حوار حتى يبيّنوا موقفهم من العراق، كما أنّ واشنطن على الأرجح لم تختر لغاية الآن طريقة تعاملها مع العراق، ولا أظنها بنت استراتيجية محددة، وهي تتصرف الآن بطريقة ردود الفعل"، معتبراً أنّ "هناك قناعة أميركية اليوم بأنه تم تسليم العراق لإيران، وأن الأخيرة كانت الرابح الأكبر من مغامرات واشنطن بالعراق، واستراتيجيتها هي محاولة الإبقاء على نفوذ محدود، وليست استراتيجية ضخمة". ورأى مكي أنّ الحديث عن وصول قاآني إلى العراق هو ضمن "التحشيد والضغط على الحكومة، وواشنطن تعي أنّ هذه رسالة إيرانية مفادها إما تستسلمون وترفعون العقوبات، أو يتواصل الضغط عليكم في ملفات كثيرة في المنطقة"، مضيفاً أنّ "إيران في أزمة اقتصادية شديدة وخطيرة، ولذلك هي تضغط بكل قواها، وهذه واحدة من أدوات الضغط".