لمحة تأريخية
تعتبر منطقة الشرق الاوسط منطقة ساخنة ومليئة بالصراعات والمشاكل والمصالح المضادة والمتشابكة، من ابرز هذه الصراعات (الصراع الايراني-التركي) الذي هو امتداد للصراع (العثماني-الفارسي) القديم في المنطقة، وأيضاً الصراع (الامريكي -الايراني) حول العراق. وهناك صراع آخر وهو الصراع (العربي-الاسرائيلي)، اضافة الى صراعات اخرى دينية لأن الشرق الاوسط تعتبر مهداً للأديان السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام)، كما هناك صراعات بين المذاهب داخل الدين الواحد مثل الصراع (السني-الشيعي).
وفي هذه المنطقة(الشرق الأوسط) هناك دول مثل (تركيا، ايران، العراق) لها مجتمعات ذات تركيبة فسيفسائية، فمثلاً المجتمع العراقي مجتمع غير متناسق من حيث تركيبته لأنه يتكون من قوميات مختلفة تعتنق ادياناً مختلفة وحتى مذاهب مختلفة داخل الدين الواحد، ولهذه الاطياف المختلفة مصالح مشتركة وصراعات مختلفة فيما بينها.
العراق والتغيير
منذ بدء حرب الخليج الثانية في مطلع التسعينات من القرن الماضي، والدولة العراقية تأن تحت وطأة الضغوط الدولية عن طريق اصدار قرارات دولية ملزمة وعلى العراق تنفيذ تلك القرارات إما طوعياً وإما بالاكراه، بالإضافة الى التدخلات السياسية والعسكرية الأخرى وخصوصاً بعد حرب الخليج الثالثة مطلع الألفية الجديدة والقرن الحالي، والتي أدت الى اسقاط النظام العراقي السابق.
ان هذه الضغوط والقرارات الدولية من جهة، والتدخلات السياسية والعسكرية من جهةٍ اخرى تعتبر إنتهاكات للسيادة العراقية، وتحديداً بعد عام 2003 ازدادت تلك الانتهاكات تارةً تحت غطاء قانوني دولي تقوم بتنفيذه قوات التحالف الدولي، وتارةً عن طريق الاتفاقات مع الحكومات العراقية المتعاقبة من قِبَل القوى الاقليمية في المنطقة والمتمثلة في دول جوار العراق، العربية منها وغير العربية.
بعد حروب الخليج الثلاث والتي غيرت من التكوين السياسي للعراق من دولة مركزية بسيطة إلى دولة فدرالية اتحادية، ففي السابق كان نظام الحزب الواحد هو الموجود في العراق وكان هو الحاكم الوحيد(الدكتاتور)، اما بعد اسقاط هذا النظام وكتابة دستور جديد للعراق، بدأت الديمقراطية وتعددت الأحزاب السياسية ولهذه القوى والأحزاب آراء ورؤى واهداف ومصالح مختلفة بحيث تقترب بعضها مع بعض وتبتعد قسم من قسم آخر داخلياً وخارجياً، وتتوازى اهداف البعض من هذه القوى والأحزاب العراقية مع خطط وبرامج القوى الاقليمية والدول المجاورة وبذلك تبدأ بالاقتراب فيما بينها وتصل الى الاقتران السياسي في بعض الحالات.
الصراع بالوكالة في غياب السيادة
ويشهد العراق الفدرالي(الحكومة الاتحادية +حكومة إقليم كوردستان) حالياً هذه الصراعات بين الاطراف مباشرةً أو بالوكالة عن طريق جهات موالية لهذا الطرف أو ذاك، بإلاضافة الى الصراع السياسي الموجود داخلياً بين الحكومة الاتحادية وإقليم كوردستان. لذلك يمكن ان تكون اية بقعة من العراق ارضاً مناسبة او خصبة للإدامة بهذه الصراعات وأيضاً في غياب حكومة قوية قادرة على حفظ سيادة دولتها، فستزداد التدخلات وتسهل العمل الخفي (المخابراتي) للجهات المتصارعة أو الدول الراعية للصراعات، وكما ذكرنا فإن قسم من مكونات المجتمع العراقي (القومية والدينية)، بإرادتها ام رغماً عنها اصبحت بشكلٍ من الأشكال داخل هذه الصراعات، مرات برغبتها بغية الحفاظ على مصالحها والحصول على مكتسبات مغرية، ومراتٍ اخرى مرغمة بغية المحافظة على بقائها وعدم اخراجها من الساحة السياسية، ولهذه الاسباب انقسمت بعض القوى السياسية الى مقرب من (امريكا أو اسرائيل او تركيا او ايران...)، وتنفيذاً لايعازات من تلكم الدول تظهر دلائل الصراع احياناً عن طريق عمليات ارهابية من قبل جماعات موالية لطرف ضد تواجد جماعات اخرى موالية لطرف آخر (الصراع بالوكالة) وفي الإقليم كما في العراق هناك آراء سياسية مختلفة وهناك تقارب بين بعض الاحزاب من طرف اقليمي معين، مقابل تقارب لأحزاب اخرى من طرف اقليمي معين، ولهذا تظهر الآراء المختلفة فيما بين القوى السياسية في العراق والاقليم، وتظهر الآراء المضادة، وبعدها نرى الافعال و ردات الافعال، فمثلاً ايران واسرائيل بينهما صراع عدائي شديد في الظاهر والعلن، ولكن تظهر حيثيات هذا الصراع في العراق بشكلٍ غير مباشر بين الجماعات الموالية لإيران وجماعات اخرى غير موالية لها وموالية لطرف اخر، او غير موالية لأي طرف من الأطراف المتصارعة.
بإختصار شديد
الصراع العربي الاسرائيلي بدء منذ اعلان دولة إسرائيل في منتصف القرن الماضي وتحديداً عام 1948، في بداية الصراع كان للعرب رأي موحد وهو دعم الفلسطينيين سياسياً ومادياً وعسكرياً، وخاضوا حروباً مع إسرائيل، لكن الآن فإن معظم الدول العربية لهم اتفاقيات سياسية مع إسرائيل بدأت بـ(كامب ديفد) وصولاً الى احدثها وليس آخرها (صفقة القرن)، وحتى الفلسطينيين أنفسهم الذين هم اصحاب القضية لهم اتفاقات مع إسرائيل مثل (اوسلو، واشنطن).
ثغرة نقص السيادة
أما بخصوص تواجد إسرائيلي في اربيل، فلا يمكن جزم واثبات ذلك قطعياً، خصوصاً ان حكومة الاقليم نفت هذه الانباء جملةً وتفصيلاً، وفي هذا الصدد نعود ونؤكد على ما ذكرناه : في غياب حكومة قوية قادرة على حفظ سيادة دولتها(العراق)، يمكن ان تكون أية بقعة من ارض العراق مكاناً خصباً ومناسباً للإدامة بهذه الصراعات وستزداد التدخلات وتسهل العمل الخفي (المخابراتي) للجهات المتصارعة أو الدول الراعية للصراعات.
اتهام غير منطقي
إن اتهام إقليم كوردستان ببناء علاقات مع إسرائيل، اتهام غير منطقي وليس في محله، لأن الصراع العربي -الاسرائيلي والذي تحول رويداً رويداً مع مرور الزمن الى (فلسطيني-إسرائيلي) فيه اتفاقات سياسية وتتواجد القوى الفلسطينية على أرض فلسطين بموجب إتفاق مع إسرائيل، فإذا كان الصراع بين العرب واسرائيل صراعاً قومياً، فما دخل الكورد فيه! و هُم قومية مختلفة وليسوا المسؤولين عن قيام دولة إسرائيل، فالأحرى بهذه الجماعات ان تجتهد من اجل استعادة العراق مكانتها الدولية وان تكون مواليةً لها(للدولة العراقية) بَدَل ان تكون موالاتها لدولة اخرى تهيمن على العراق بالكامل إذا سنحت الفرصة لذلك.
تهديد بهدف الضغط
كما اشرنا هناك اعداد من الاحزاب السياسية في العراق تصل الى نحو 300 حزبا ً سياسياً ولها آراء وتوجهات مختلفة، وإقليم كوردستان كجزء من العراق فيه احزاب مختلفة كذلك، ولها آراء وتوجهات مختلفة ايضاً، ونظراً لإنقسام معظم القوى العراقية في اقترابها وولائها بين امريكا وإيران، يمكن ان تكون هذه الرسائل المعدنية لهذه الجماعات (الموالية لإيران) من خلال هذه العمليات على انها ترى وتعتقد ان الاقليم له رؤياه الخاص غير موالٍ لجهة معينة، لذلك تريد إجبار الاقليم ليكون في صفها.
ارسال رسالة ارهابية
أما استهداف أربيل دون مدن الإقليم الأخرى، فيعود ذلك الى ان مدينة اربيل هي عاصمة الاقليم وفيها الحكومة والبرلمان وتصدر القرارات الحكومية الرسمية منها، بالإضافة الى كونها مركزاً تجارياً واسعاً، وموقع أربيل جغرافياً تجاور مدينتي نينوى وكركوك، كما انها متاخمة للحدود التركية وكذلك الايرانية، ويمكن ان يكون استهدافها بمثابة رسالة الى تركيا المتصارعة الازلية مع ايران في الشرق الاوسط.
كوران قادر