الإدانة الدولية الصادرة ببيان مشترك من قبل خمس دول هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة للهجوم الذي استهدف مطار أربيل للمرة الثالثة منذ عدة أشهر، لم يأت بشيء جديد يختلف عن المواقف الدولية الرافضة للهجمات السابقة التي استهدفت مقار التحالف الدولي سواء في إقليم كردستان أو الأنبار وصلاح الدين أو السفارة الأميركية في بغداد.
وعلى الرغم من حديث البيان الدولي عن دعم الحكومة العراقية في الكشف عن المتسببين في الهجوم على مطار أربيل والهجمات الأخرى في العراق، فإن المتابعين للوضع العراقي يعرفون جيداً أن أغلب التحقيقات التي أعلنتها الحكومات العراقية المتعاقبة لم تخرج بنتائج واضحة، خصوصاً إذا ما كانت تحاول الكشف عن قضايا تسببت بها الميليشيات وعناصر الأحزاب الشيعية الموالية لإيران.
واستهدف هجوم ليل الأربعاء الماضي مطار أربيل الدولي، حيث يتمركز عسكريون أميركيون، نفذ للمرة الأولى عبر طائرة مسيرة، بالتزامن مع استهداف هجوم صاروخي منفصل قاعدة عسكرية تركية في بعشيقة الواقعة على بعد 50 كلم من أربيل، ما أدى إلى مقتل عسكري تركي، وفق ما أفادت وزارة الدفاع التركية.
وبدا استخدام الطائرات المسيرة في الهجوم خطوة غير مسبوقة من قِبل الفصائل المسلحة في استهداف مقار التحالف الدولي والجيش الأميركي، سواء في بغداد أو الأنبار أو أربيل وصلاح الدين، إذ تعتمد في هجماتها السابقة على صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون.
رسالة مهمة
ويرى رئيس مركز كلواذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي باسل حسين، أن موقف الدول الخمس أرسل رسالة مفادها أن قوات التحالف الدولي وبعثة الناتو تتخذ موقفاً موحداً تجاه الهجمات التي تستهدف قواعد التحالف الدولي، ولن تتساهل مع أي استهداف جديد.
ويضيف حسين، "أن جميع هذه الدول لديها قوات ضمن التحالف الدولي أو بعثة الناتو التي من المقرر أن يزداد عدد قواتها من 1100 إلى 4000، مع ورود أنباء أن جزءاً من القوات الإيطالية المنسحبة من أفغانستان ستتركز في العراق بحدود 500 مقاتل".
ويشير إلى أن الدول الخمس تحاول أن ترسل رسالة أخرى أنها "لن تتساهل" مع أي استهداف جديد تتعرض له قواتها، مع تأكيد أن مهامها ستكون في إطار التدريب وتقديم المشورة.
الخوف من سطوة الميليشيات
وتفتقد الحكومة العراقية والأحزاب المشاركة فيها الحليفة لإيران للجدية في الكشف عن نتائج التحقيقات، على الرغم من معرفتها بمن يقوم بالهجمات ضد المصالح الدولية ومقار التحالف الدولي والسفارة الأميركية، لأسباب مختلفة، أهمها الخوف من هجوم عناصر الميليشيات على المنطقة الخضراء، كما جرى في يونيو (حزيران) الماضي عند اعتقال خلية "الكاتيوشا".
وفي حينها حاصرت أعداد كبيرة من المسلحين التابعين لميليشيات كتائب "حزب الله" المنطقة الخضراء، ومنعت الدخول والخروج من مقار الحكومة ورئيس الوزراء لحين إفراجه عن نحو 13 عنصراً تابعين لها، اعتقلوا على يد جهاز مكافحة الإرهاب في منطقة الدورة جنوب بغداد، بتهمة تنفيذ هجمات ضد السفارة الأميركية ومقار التحالف الدولي في محيط مطار بغداد الدولي.
ويعد امتثال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتهديدات الميليشيات والإفراج عن المعتقلين ضربة قوية لتوقعات كثير من العراقيين بأن حكومته ستقوم على الأقل بالحد من تأثير هذه المجموعات المسلحة في الشارع، وتدخلها في المجالين السياسي والاقتصادي والأمني على حساب مؤسسات الدولة.
لا يوجد مسؤول
ولم تكشف الحكومة العراقية عن الجهات التي نفذت الهجمات السابقة على مطار أربيل ومن يقف وراءها، وأيضاً على السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وقاعدة بلد الجوية في صلاح الدين ومقار التحالف في محيط مطار بغداد وقاعدة عين الأسد في الأنبار، على الرغم من إعلان تشكيل لجان للتحقيق في هذه الهجمات.
وتعلن جهات مسلحة موالية لإيران جهاراً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي مسؤوليتها عن هذه الهجمات، وتبررها بالانتقام لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في غارة أميركية مطلع عام 2020، أو لإخراج القوات الأجنبية.
التحقيق الدولي مرفوض
وترفض لجنة الأمن والدفاع أن يكون هناك تحقيق دولي في تفجيرات العراق الأخيرة، وتصف هذا التحقيق بأنه سيمس سيادة البلاد.
وقال عضو اللجنة كاطع الركابي، "اهتمام هذه الدول بهجمات أربيل غريب، ففي وقت سابق حدثت عشرات التفجيرات الكبيرة في العراق وسقط مئات الضحايا، ولم نسمع أياً منها يتبرع للتحقيق"، متسائلاً عن نوايا هذه الدول في رغبتها بإجراء التحقيق بالتفجيرات الأخيرة.
ويضيف الركابي، "القوى العراقية قادرة على التحقيق في مثل هذه الأعمال وباستطاعتها التوصل إلى نتائج بشأنها"، محذراً من أن تكون هناك مآرب سياسية وراء الرغبة في التحقيق، لتورط بعض الدول في هذه التفجيرات وترغب بإخفاء هذه الجريمة". لافتاً إلى أن البرلمان العراقي "سيرفض أي تحقيق دولي"، لأن هذا الأمر "متعلق بسيادة العراق".
بغداد هي من تقرر
بدوره يشير أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية خالد عبد الإله إلى أن الحكومة العراقية هي التي تقيّم مدى الحاجة إلى مساعدة دولية أم لا. لافتاً إلى وجود تعاون أمني سابق مع بغداد في إطار التحالف الدولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، "أي أمر يمس مصالح الأجانب في العراق هو من اختصاص العراقيين. هذه الحوادث تتسبب بإحراج للعراق، لا سيما في ظل الحديث عن جانب الاستثمار وعودة الشركات المتعددة الجنسيات لإنشاء مشاريع تنموية سواء في مجال النفط والغاز أو مشاريع الشراكة مع دول الجوار".
ويتابع عبد الإله، "المنطقة تمر بواقع صعب جداً، هناك من يحاول أن يجر المنطقة من الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة، لا سيما أن هناك مفاوضات في الملف النووي الإيراني، وليس في مصلحة أي طرف زعزعة استقرار العراق".
الاختراق كبير
ولعل نفوذ الميليشيات الموالية لإيران داخل المؤسسة الأمنية، عرقل كثيراً من الحوادث وعمليات القتل والتصفية التي يشار إلى عناصر هذه المليشيات بتنفيذها، كما حدث في عدم الكشف عن الجهات المتسببة بقتل أكثر من 600 متظاهر، وإصابة الآلاف منذ إطلاق تظاهرات أكتوبر في 2019.
ولعل عدم إعلان نتائج عشرات التحقيقات في العراق لعشرات الملفات الأمنية والسياسية في البلاد بات شبه مألوف، لا سيما أن كثيراً من هذه التحقيقات تُتهم بها شخصيات سياسية، أو بعض الجهات المسلحة التي لها نفوذ في السلطة. ويبدو أن الدول الغربية تدرك جيداً حقيقة عدم جدية التحقيقات العراقية التي في غالبيتها لم تفرز نتائج تذكر.
الأمر معقد
يقول الصحافي باسم الشرع، "من الصعوبة إجراء تحقيق جدي من قبل الحكومة العراقية في ظل المشكلات التي تواجهها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً"، مبيناً أنها "غير مستعدة للمواجهة مع الجماعات المسلحة حالياً، نتيجة الضعف الكبير الذي أصيبت به الدولة".
ويضيف، "العراق بحاجة الى دعم دولي حقيقي، وليس إعلامياً لتحقيق إنجاز في ملف معالجة تحركات الجماعات المسلحة والفصائل الشيعية، وهذا لم يتم فقط عبر استخدام العمليات العسكرية"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى "مفاوضات جدية بين المجتمع الدولي والحكومة العراقية من جانب وإيران من جانب آخر للاتفاق على إنهاء هذا الملف الذي يهدد بقاء العراق كدولة".
ويوضح الشرع، أن طهران ترعى وتدعم هذه المجموعات، بالتالي فإن قرارها في إيران، ولا بد من مفاوضات جادة معها دولياً وعراقياً لوقف دعمها هذه الجماعات، وإبلاغها أن علاقات متوازنة وقوية مع العراق يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، لا ابتزاز الحكومة العراقية من خلال المسلحين للحصول على مكاسب في الوضع العراقي. لافتاً إلى أن المفاوضات يجب أن تتناول أن يكون لإيران دور إيجابي في الشأن العراقي لحل مشكلاته.