سجن الصحفيين الكورد وتسييس القضاء لا يبشران بالخير

آخر تحديث 2021-05-07 00:00:00 - المصدر: الاتحاد الوطني الكردستاني

كانت جبال كردستان الشامخة الخضراء  ملجأ الأحرار معارضي الحكم الشمولي، فمنهم من حمل السلاح، ومنهم من حمل القلم، "من كل حسب قدرته إلى كل بحسب كفاءته"، وبعد خلع النظام الدكتاتوري  وتفشي وباء الطائفية، كانت كردستان وستظل ملجأ من تستهدفه النزاعات الطائفية، وأحيانا السياسية.

وهذا وضع نتباهى به نحن الكرد العراقيين، حيث باتت أربيل والسليمانية ودهوك مراكز تجمع لنخبة من المفكرين والمثقفين والأدباء العراقيين...ذلك أن النضال بتنوع أشكاله كان يصب في مجرى عراقي مشترك لإقامة "عراق وإقليم كردستان ديمقراطيين"، وبين دفتي هذا المجرى العام كانت الضفاف عريضة تستوعب الرأي الأخر، حتى وإن اختلف أو تشنج أحياناً، عدا اللجوء للعنف والسلاح في حسم الخلافات، وإن وقعت مصادمات مسلحة فسرعان ما يطوقها الوعي بالمعركة الكبرى من أجل الحرية والديمقراطية ودولة المؤسسات في كردستان وبقية العراق.

نحن نتباهى في أن كردستان احتضنت الإسلاميين على تنوع مذاهبهم، والقوميين العرب بجانب اخوتهم الكرد والتركمان وبقية الأطياف، والديمقراطيين الليبراليين واليساريين والماركسيين بغض النظر عما إن كانوا معجبين بالتجربة السوفيتية أو المسيرة الكبرى الصينية.

لكن الأوضاع الحالية تشهد توجهاً مغايراً، فمع استقرار سلطات الإقليم، بدأت مزالق مختلفة بعيدة عن الإرادة العامة واحترام الحريات والرأي الأخر، إذ بدأت السلطات تشدد تدريجياً من قبضتها في الضغط على حناجر المفكرين والمثقفين والصحفيين، فلم تعد منتديات الرأي قادرة على طرح أفكارها بدون مساءلة إن تجرأت على مناقشة أسلوب إدارة الإقليم، بدءاً من محاولة إقامة "ولاية" شخصية على الحياة السياسية الكردستانية لتصادر التنوع السياسي والفكري، والتعامل مع قضية تصدير النفط والتساؤل عن مصير موارد الإقليم المالية، وتأجيج الخلافات مع الحكومة الاتحادية لتحويل الانتباه عن الإخفاقات الكبيرة في معالجة البطالة والفقر في ظل تزايد عدد المليارديرين من اعضاء السلطة ومن حاشيتهم، فيما تقتطع نسب عالية من رواتب الموظفين والبيشمركة الأبطال ، نتيجة السياسة غير الحكيمة في فهم المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، في ظل وهم نضج الظروف لتقرير المصير والقيادة التاريخية المحققة له.

من المؤسف لم تعد كردستان اليوم الحاضنة التاريخية نفسها لحماية لرأي الأخر الحر وملجأ كل من يختلف مع الشمولية، والأحكام الصادرة بعد يوم واحد من الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة خطيرة، حيث صدقت محكمة تمييز إقليم كردستان العراق، الحكم الصادر من محكمة أربيل والقاضي بسجن خمسة صحفيين وناشطين ستة أعوام لكل منهم، بتهمة "التحريض" على التظاهر ضد الحكومة و"زعزعة" استقرار الإقليم، وهم كل أياز كرم بروشكي وكوهدار محمد زيباري وشيروان شيرواني، بالإضافة الى الناشطين شفان سعيد وهاريوان عيسى.

يشار إلى أن التهم الموجهة إليهم "التحريض على التظاهر ضد الحكومة وزعزعة الاستقرار في الإقليم"، إضافة إلى تغطية والمشاركة في احتجاجات بداية عام 2020، للمطالبة بصرف رواتب الموظفين في الإقليم. ومما يستحق الذكر أن القضاء العراقي كان يحكم على المتظاهرين بالسجن 6 أشهر زمن الحكم الملكي ورئاسة نوري باشا السعيد للحكومة!؟

وقالت المكلفة بشؤون العراق في منظمة هيومن رايتس ووتش بلقيس والي أنها "نشعر بقلق لأن هؤلاء الرجال حُكم عليهم بسبب إرادة سياسية منحازة وتوجهات محكمة الاستئناف التي تتجاهل معايير المحاكمة العادلة. وإن هذه النتيجة تبين إلى أي مدى تسمح سلطات الإقليم بانتهاك حرية التعبير".

أنه من المؤسف حقاً أن يصبح إقليم كردستان العراق مقترناً بقمع الرأي الآخر، بعد أن كانت كردستان صخرة الحرية في العراق، لـ"يشهد إقليم كردستان تراجعا مقلقا في مؤشر الحريات الصحفية والعامة، في ظل استهدافات وملاحقات قضائية." على حد تعبير هيومن رايتس ووتش.

والاسوء هو تسيس القضاء و اتهام بعثات  دبلوماسية مهمة بالتعاون مع الصحفيين لزعزعة امن الاقليم !

إن الدستور العراقي والقيم الدستورية والقانونية الكردستانية تتعرضان لانتهاكات خطيرة في الإقليم، فالمادة38 من الدستور العراقي، وهي مفهوم وقيم مشتركة تسود العراق كله، التي تنص:

 "تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب:

1.حرية التعبير بكل الوسائل.

2. حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

3. حرية الاجتماع والتظاهر السلمي.

ويتبين بكل وضوح أن هذه الأحكام، وما سبقها، تنتهك حق المواطن في التعبير والتظاهر...وعسى ألا تنزلق قبضة التسلط إلى ما هو أسوأ، وهو النتيجة المنطقية لمحاولات إحكام قبضة السلطة في الإقليم.

PUKmedia آلا طالباني - رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني