تطول قائمة التحالفات المشكلة لخوض الانتخابات العراقية المبكرة المقرر إجراؤها في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) القادم والتي تضم أكثر من خمسين تحالفًا مكونًا من الأحزاب الشيعية والسنية والكوردية المعروفة، ولكن يبدو أن "تحالف كوردستان" يمثل أبرزها وأكثرها تهيؤاً لإحداث تغيير في الخارطة السياسية العراقية أو الكوردية على الأقل، فالانتخابات الأربعة السابقة منذ سقوط النظام البعثي أظهرت أن الشيعة بمعتدليهم ومتشدديهم كانوا يحتفظون بمقاعدهم دومًا ولكن الأغلبية تذهب في كل مرة إلى تحالف أو ائتلاف مختلف وكذلك الحال بالنسبة للسنة وأحزابهم المتعددة والمتنوعة، أما الكورد فقد درجوا أيضًا على حصد معظم مقاعدهم البرلمانية خلال عمليتي 2005 و2010 الانتخابية عبر تحالف مشكل بين الحزبين الكبيرين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكوردستاني، فيما توزعت المقاعد الكوردية على الأحزاب في عمليتي 2014 و2018 بسبب مشاركتها فيهما منفردة.
هذا الرجحان لا يأتي من فراغ، فللكورد هذه المرة تحالف واحد ولكنه لا يجمع الحزبين التقليديين بل يضم أحدهما وهو الثاني على مستوى الإقليم مع الحزب الثالث (الاتحاد الوطني وحركة التغيير) الأمر الذي يدعم التوقع باعتلائه الترتيب كوردستانيًا وتخطي الحزب الديمقراطي الحاصل على أكثر المقاعد الكوردية في الدورة الحالية لمجلس النواب والذي يُعِد نفسه الحزب الأول عراقيًا من حيث عدد الأصوات.
وهناك مقومات أخرى كثيرة تسند التوجه المذكور مثل تولي الحزبان راية المساعي لإعادة التوازن السياسي إلى الإقليم الكوردي الذي أصبح مطلبًا جماهيريًا ملحًا بعد إحتكار لمفاصل السلطة التنفيذية الأساسية من قبل الحزب الديمقراطي دام سنوات عديدة، والتفرد بقرارات مصيرية تمس القضايا القومية والوطنية كغلق البرلمان ومنع رئيسه من دخول العاصمة أربيل والإصرار على إجراء الاستفتاء على الاستقلال في الخامس والعشرين من أيلول(سبتمبر) عام 2017 رغم معارضات داخلية وإقليمية ودولية شديدة، وفرض نظام ادخار رواتب الموظفين ثم استقطاع نسبة كبيرة منها، وإبرام عقد نفطي طويل الأمد مع تركيا لخمسين عامًا، وأمور أخرى تتعلق بحرية التعبير وحرية الصحافة وملاحقة الصحفيين والناشطين، واستغلال القضاء وتسييس المحاكم.
التحالف يأتي أيضًا لينهي التوترات والمشادات الإعلامية التي كانت تسبق كل عملية انتخابية في الزون الأخضر (السليمانية وحلبجة وإدارتي كرميان ورابرين ومناطق متنازع عليها وهي منطقة نفوذ الحزبين) إذ كان الحزبان يركزان جهودهما الانتخابية للفوز بأكثرية الأصوات فيه ما كان يؤثر سلبًا على أدائهما وحضورهما في المناطق الأخرى التي يتمتع فيها الحزب الديمقراطي وأحزاب أخرى بالهيمنة، وهذا سيمنح الحزبين متسعًا جغرافيًا لكسب مزيد من الأصوات في تلك المناطق، فضلًا عن أن التحالف سيعيد الثقة المفقودة بين الحزبين والتي كانت سببًا في تعميق الخلاف بينهما سابقًا كما سيطمئن الأحزاب الأخرى التي تنوي التنسق معهما قبل الانتخابات، يضاف إلى ذلك أن التحالف سيجلب استقرارًا ووئامًا اجتماعيًا للزون افتقر إليه منذ سنوات بسبب الصراعات السياسية المحتدمة والمشاداة الكلامية الحادة والجدل البيزنطي الذي لا يؤدي إلى شيء.
علاوة على ذلك سيسدل التحالف الستار على حقبة من تشتت وتشرذم الصوت الكوردي في أروقة مجلس النواب بعد الضعف والتراجع الجلي الذي كان يطغى على موقف الكورد ونوابهم خلال سنوات ولا سيما عند مناقشة مشاريع قوانين مهمة والمصادقة عليها حيث كانت نية تهميش المكون الرئيسي الثاني في العراق وإقليمه الفدرالي ومؤسساته القانونية حاضرة فيها كما رأينا خلال تمرير قانون الموازنة وقانون الانتخابات الجديد وقانون المحكمة الاتحادية، وما يعزز ذلك هو ما أُعلن عن وجود تفاهم وتنسيق مع أحزاب أخرى خارج التحالف يُنتظر حصولها على مقاعدها التي تملكها من جديد.
ويحسب للتحالف دخوله المعترك الانتخابي بقيادة شابة مرحب بها عراقيًا وكوردستانيًا وهو لاهور جنكي الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكوردستاني المدعوم من قبل بافل طالباني النجل الأكبر لجلال طالباني الرئيس العراقي السابق والرئيس المشترك للاتحاد الوطني والمكتب السياسي للحزب ويمثل ذلك نقطة قوة إضافية للتحالف نظرًا لما يتمتع به الرجل من شعبية واسعة في جميع مناطق الإقليم والعراق ومقبولية لدى الأطراف العراقية والكوردية الأخرى وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي.
والتنسيق المتزامن مع تشكيل التحالف سيقدم للكورد خدمة كبيرة في مدينة كركوك قد تعيدهم إلى المقدمة مرة أخرى والفائز الأكبر في المعادلة سيكون الاتحاد الوطني الذي يتحكم في أكثرية مقاعد المدينة النيابية في الدورة الحالية، أما الخاسر الأكبر وفق الترجيحات فسيكون الحزب الديمقراطي الذي يغرد خارج السرب الكوردي وقد رفض جميع الدعوات للعودة إلى الصف الكوردي وعدم الخروج عن الإجماع في المناطق المتنازع عليها.
ومثل كثير من المجالات الأخرى لم يسلم التحالف الطموح من الانتقادات، تارة بدعوى ضعف أحد طرفيه وتراجعه الواضح في الانتخابات الأخيرة والأصوات المناهضة لطريقة إدارته السياسية، وتارة أخرى بدعوى سرية المباحاث التي جرت لتشكيل التحالف وعدم شفافيتها، ولكن جميع الانتقادات وإن كانت صادرة من شخصيات قيادية إلا أنها كانت نابعة من توجهات شخصية لا تمس جوهر التحالف وأهدافه ولا تعترض عليه بل ترجو له النجاح والتوفيق وتدعو إلى رفعه إلى درجة الاندماج والوحدة أيضًا.
تحالف كوردستان جاء عبر محادثات ومباحثات مكثفة ودراسة دقيقة للوضع السياسي والانتخابي ويقف على أرضية قوية وثابتة ويستند إلى مشتركات سياسية وفكرية كثيرة فالحزبان ينحدران من أصل واحد وقاعدة جماهيرية واحدة، وقد سبق التحالف اتفاق سياسي طموح بين الجانبين (اتفاق دباشان) بإشراف المرحومان الرئيس ماجلال ونوشيروان مصطفى ولكن ظروف معينة حالت دون تكلله بالنجاح، وللحزبين أيضًا نقاط اتفاق كثيرة حول أسلوب الحكم والإدارة والقضايا السياسية تفوق نقاط الخلاف بينهما بكثير وكذلك يشتركان في تجربة حكم مشتركة منذ سنوات، كما أن التحالف ليس موجهًا ضد طرف معين مثلما أُعلن بل يهدف أولًا وأخيرًا إلى إعادة ترتيب البيت الكوردي وتوحيد صوته من جديد وتعزيز مكانته عراقيًا للزود عن مكتسباته ومصالحه والدفاع عن حقوقه الدستورية في عراق ديمقراطي اتحادي ليس إلا.
PUKmedia سوران علي/ايلاف