معتقلو بهدينان.. طعنة في ظهر التجربة

آخر تحديث 2021-05-29 00:00:00 - المصدر: الاتحاد الوطني الكردستاني

أدخلت قضية معتقلي بهدينان حكومة كوردستان العراق في منعطف خطير يكاد ينهي شهر العسل بينها وبين المجتمع الدولي الذي طالما كان يتغنى بديمقراطيتها والحريات المكفولة فيها ونموذج التجربة الكوردية المثالية الذي قدمته منذ سنوات مثّل علامتها الفارقة، فلأول مرة في تاريخ الإقليم الناصع برأي الكثيرين، بدأت الأمم المتحدة ودول متنفذة (الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وكندا، وبلجيكا، والاتحاد الأوروبي) والتي كانت تتبنى دعم هذه التجربة الواعدة ومساندتها من أجل التطوير، بدأت توجه لها انتقادات لاذعة ولا سيما فيما يتعلق بسجلها في دعم الحريات وحقوق الإنسان.

القضية إلى جانب آثارها السلبية العديدة وإضرارها البالغ بسمعة الإقليم وتشويهها سجله التاريخي في الحريات التي أصبحت سانحة منذ عام 1991، أصابت حكومة الإقليم أيضًا بالإرباك وعرضتها لتناقض واضح منذ الوهلة الأولى، إذ استبق رئيس الحكومة حكم القضاء وكال تهم التجسس ونية القيام بأعمال تخريبية ومحاولة الاخلال بالوضع الأمني للمعتقلين المعروف عنهم العمل في النشاطات المدنية والصحفية، فيما جاء قرار المحكمة ثم قرار محكمة التمييز تاليًا ليُكملا ويؤكدا على ما تبنته الحكومة في نص الحكم الذي قوبل برفض واستنكار داخلي وخارجي واسع النطاق، وما زاد الطين بلة أن الحكومة الكوردية وتحديدًا جناح من الحزب الديمقراطي الذي يتحكم بالأغلبية في مجلس وزرائها أصر متعنتًا عبر قنواته السياسية والإعلامية على التسويق والترويج لموقفه واتهاماته من غير إيلاء أدنى اهتمام للاعتراضات والانتقادات الكثيرة، وقبل ذلك لاستقلال القضاء الذي يشدد عليه باستمرار، ما فُسر على أنه تدخل سافر في شؤون المحاكم وسير القانون الذي كثيرًا ما يتهم به معارضيه السياسيين.

وكان لرفض العديد من الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بما فيها الحزبان المشاركان في الحكومة (الاتحاد الوطني الكوردستاني وحركة التغيير) وجميع أحزاب المعارضة تقريبًا، التهم ومجريات المحاكمة والحكم التمييزي، دلالات واضحة على أن في القضية أبعاد أخرى تدخلت فيها المصالح السياسية بل والتحكم الشخصي أيضًا، ليتحول الحكم إلى طعنة في ظهر هيبة القضاء والتجربة برمتها.

الانتقادات لم تقف عند هذا الحد بل وصلت إلى أبعد من ذلك إذ ارتفعت أصوات بارزة ومؤثرة في الحزب الديمقراطي نفسه لتعبر عن عدم رضاها من الحكم منهم نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم وهو نائب رئيس الحزب الديمقراطي الذي اعتبر أن الحكم سيضر بسمعة الإقليم، الموقف نفسه صدر عن شخصيات أخرى مسؤولة في الحزب كفاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي للحزب وهوشيار زيباري عضو المكتب السياسي، ما أنذر بوجود رؤى مختلفة وانقسام داخل قيادة الحزب حول القضية.

كما كان لاعتبار الاتصال بالقنصليات وزيارتها وقبول منح مالية منها جريمة ترقى إلى مصاف التجسس والتآمر كما ورد في لائحة الاتهام، دورًا كبيرًا في استفزاز الدول الغربية والمنظمة الأممية، ونكرانًا لجميلها لا تستسيغه قريحة الفرد الكوردي، لتهرع تلك الدول إلى إصدار بيانات حادة اللجهة رافضة للحكم ولتضييق الحريات المدنية لم تعهد حكومة الإقليم مثلها من أصدقائها القدامى المقربين.

أما الآن وبعد مرور أكثر من شهر على صدور قرار محكمة التمييز بتوقيع أعضائها الثلاثة التابعين للحزب الديمقراطي، يبدو أن الحكومة ورئيسها قد أدركا أخيرًا فداحة ما اقترفا وخطورة الموقف الذي وضعا نفسهما فيه، فقد أثبت إصرارهما غير المبرر على معاقبة المعتقلين بالتهم التي ساقاها لهم ودفاعهما المستميت عن الحكم وحيثياته التي جاءت مطابقة لما ترددانه، أن المحاكمة سياسية بامتياز ولا تمت للإجراءات القانونية المستقلة بصلة، وهما بذلك ضربا باستقلالية القضاء وسيادة القانون ونزاهة المحاكم والتي يُنادى بها منذ ثلاثة عقود وتُعد من أسس التجربة الديمقراطية الكوردية، عرض الحائط ووضعا عليها علامة استفهام كبيرة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع.

وأخيرًا يبدو أن الضغوط والمواقف الحازمة المحلية والدولية قد أتت بنتيجة فحسب تسريبات صحفية لم تُأكد بعد هناك مساعي لإيجاد مخرج للنزول عند هذه الرغبة المحلية والدولية والاستجابة للدعوات الملحّة المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وحفظ ماء وجه الحكومة ورئيسها من خلال تعديل الحكم القضائي أو إصدار عفو من قبل رئيس الإقليم، وإن صحت التسريبات فلن يكون الأمر من باب (الاعتراف بالخطأ فضيلة)، وإنما سيكون بمثابة تراجع واضح يكلف الحكومة الكثير ابتداءً من ظهورها بمظهر من لا حول له ولا قوة وصولًا إلى اهتزاز مكانتها وإثارة تساؤلات جدية حول استغلال قراراتها ومواقفها لتحقيق رغبات وأهواء شخصية لا تصب في الصالح العام، أما القضاء فسيظهر في نظر الجميع كسلطة مسيسة تديرها أجندات تابعة للاحزاب بل للأفراد كيفما شاءت ومتى أرادت، وسيُمسي المعتقلون أبطالًا يحظون برد الاعتبار ويتحولون إلى رمز للمظلومية وإحقاق الحق.

سوران علي / عن موقع ايلاف الالكتروني