ألترا عراق ـ فريق التحرير
منذ انطلاق احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، وسقوط مئات الضحايا، إثر قنابل الغاز المسيل للدموع، والاغتيالات التي لم تتوقف، وكان آخرها اغتيال الناشط الكربلائي إيهاب الوزني في 9 أيار/مايو 2021، دخلت ممثلة بعثت الأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، دائرة المواجهة مع المحتجين، إذ يعتقد كثيرون أنها لم تقم بواجباتها، وتخادمت مع السلطة تجاه الضحايا.
خيبة أمل
مثلت الاحتجاجات الاختبار الحقيقي لدور بعثة الأمم المتحدة في العراق، إذ لم يحدث قبلها، ما يجعل مواقفها وتحركاتها من أزمة ضمن اهتمامات المواطنين، ولا يخفي الكثير خيبة أملهم بالبعثة وممارسة دورها، فيما يذهب آخرون إلى منطقة أبعد ويتهمونها بـ"التخادم مع السلطة"، خاصة وأن للحكومة العراقية قانونيًا لها الحق في طلب استبدال الممثل الخاص بالأمم المتحدة وفريقه.
ناشطون وجهوا لبلاسخارت اتهامات بـ"التواطؤ" مع النظام و"مشاركته في جرائم القتل والفساد"
ويقول أحد النشطاء في الاحتجاجات "منذ انطلاق الجولة الثانية للاحتجاجات في 25 تشرين الأول أكتوبر 2019، مارست بلاسخارت دورًا كبيرًا، إذ التقت بالعشرات من الناشطين من مختلف الساحات، وكانت هي حامل الرسائل بيننا، وبين فريق رئيس الوزراء السابق عادل المهدي".
اقرأ/ي أيضًا: "شريكة القتلة" في العراق.. شهادات ضد بلاسخارت وحملة لطرد "يونامي"
ويضيف الناشط الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية لـ"ألترا عراق"، أن "فكرتنا للوهلة الأولى عند التواصل معها، كانت أنها ناصر ومعين للشباب في الساحات، وستمارس ضغطًا على الحكومة، أو على أقل تقدير، تنقل إلى المجتمع الدولي حقيقة القمع والملاحقات وعمليات الاغتيال التي كانت تطال الجميع، خيبة أمل".
ويتابع الناشط في سرد مقتطفات من سلسلة لقاءات له مع بلاسخارت أو أعضاء المكتب السياسي للبعثة في أحد اللقاءات، أن "الساحات كانت وقتها تطالب بإسقاط الحكومة، طلب منا أحد مساعدي بلاسخارت خفض سقف المطالب، مؤكدًا استحالة استقالة حكومة عبد المهدي، فيما نصحنا بالتواصل مع أطراف مؤثرة لها دور فاعل أكثر رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وبعد أيام من لقاء آخر قدم تسوية تتضمن إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المخطوفين، ومعالجة الجرحى، وشمول الضحايا بقانون الشهداء، مقابل الانسحاب من الساحات ومنح عبد المهدي فرصة لإجراء إصلاحات حقيقية"، بحسب وصفه.
وبعد نحو سنة ونصف من الاحتجاجات، توالت المصاديق على ما يسميه نشطاء "الدور السيئ لبلاسخارت"، ما دفع مدونون عراقيون لإطلاق حملة ضد بعثة الأمم المتحدة في العراق، ووجهوا إليها اتهامات بـ"التواطؤ" مع النظام و"مشاركته في جرائم القتل والفساد".
يونامي "شريكة القتلة"
ودشن نشطاء الحملة، بوسم "يونامي شريكة القتلة"، في 26 أيار/مايو الجاري، على موقع "تويتر"، ونشر متفاعلون شعار البعثة بصورة مقلوبة تعبيرًا عن "إدانتهم لمواقف البعثة المتماهي مع أحزاب السلطة والميليشيات".
وكتب أحد المدونين، "المنظمة العالمية العمياء عن ما يحدث من قتل للعراقيين من قبل نظام سياسي قمعي"، فيما قال آخر إنّ "المجتمع الدولي الذي يعترف بديمقراطية هذه الحكومة هو شريك في هذه الدماء التي سقطت في ساحة التحرير"، فيما نشر آخرون صورًا لمسؤولة البعثة في العراق تجمعها بمسؤولين وزعماء كتل وفصائل مسلحة، فيما طالبوا بإنهاء عمل البعثة في البلاد بوصفها "جزءًا من النظام الفاسد".
مصاديق التخادم
وبعد أيام من الحملة، كشف تقرير لبعثة الأمم المتحدة في العراق، (يونامي)، عن مضمون رسالة قُدمت إلى مجلس القضاء الأعلى العراقي، بشأن تحقيقات تتعلق بحوادث سابقة، منها ما يتعلق بالمظاهرات التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية، ومنها ما يتعلق بآلية عمل الجهات القضائية في البلاد، لكن الناشط أشار إلى أن "يونامي أنقذت نفسها بتقديم التقرير بعد الحملة".
وهذا التوثيق، لعدد الاغتيالات والجرائم التي ارتكبت، والقضايا التي لم تحسم، بالإضافة إلى التهديدات التي يتعرض لها ذوو الضحايا، يؤكد بحسب ناشطين، تخادم بلاسخارت مع السلطة، وعدم قيامها بدورها المطلوب، فيما تجاهل التقرير ذكر قضية الناشط المختطف سجاد العراقي.
ويوثق التقرير، رفع 8163 قضية تتعلق بتهم مرتبطة بالمظاهرات إلى لجان التحقيق في الفترة من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019 إلى 31 آذار/مارس2021، مشيرًا إلى أنه "من بينها 3897 قضية لا تزال قيد التحقيق، و783 قضية أحيلت إلى محاكم جنائية أو "محاكم متخصصة '، و37 قضية أحيلت إلى محكمة جنح وقد بُرئت أو غرمت، و345 حالة إفراج مشروط ، و13 قضية تتعلق بإلحاق أضرار بالممتلكات في مرحلة الاستئناف أو قيد التنفيذ حاليًا وأغلقت 1122 قضية، فيما لم تقدم معلومات عن الحالات المتبقية البالغ عددها 1966 حالة".
ويشير التقرير، إلى أن مجلس القضاء الأعلى لم يقدم السبب وراء إغلاق جميع القضايا لكنه أبلغ عن إغلاق 451 قضية على الأقل بسبب نسبتها إلى "جناة مجهولين".
ويلمح التقرير إلى "المعلومات التي تم تقديمها سابقًا لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق من قبل مصادر أخرى إلى أنه تم تسجيل 1831 حالة على أنها منسوبة إلى جناة مجهولين في بغداد وحدها، بالإضافة إلى أنه ما لا يقل عن 508 قضية أُحيلت إلى محاكم أخرى من أجل أصدار الأحكام".
لم تفرق المعلومات التي قدمها مجلس القضاء الأعلى بين القضايا التي تنطوي على جرائم ارتُكِبَت ضد المحتجين والتي تشمل القتل والإصابة، وتلك التي ارتكبها المحتجون، والتي تتعلق عادةً بحرق الإطارات ورشق الحجارة وإشعال النار في المباني، مما يمنع البعثة من إجراء المزيد من التحليل.
ويوثق التقرير، وقوع عدة اعتقالات، في الأشهر الأخيرة، تتعلق بعمليات شن هجمات وعمليات القتل المستهدفة، ففي "مدينة العمارة بمحافظة ميسان اعتقلت القوات الأمنية واحتجزت متهما بقتل والد أحد الناشطين الذي اختفى في مدينة ميسان في تشرين الأول/أكتوبر 2019، وجاء الاعتقال بعد وقت قصير من الحادثة بتاريخ 10 آذار/مارس 2021 ولا يزال هذا الشخص قيد التحقيق".
يقول تقرير يونامي إنه تم تهديد ذوي ضحايا الاحتجاجات الذين يطالبون بشكل علني بالمساءلة
وحول قضية الناشط الكربلائي إيهاب الوزني، يقول التقرير، "ألقت قوات الأمن العراقية القبض على شخص، في 26 أيار/مايو 2021، يشتبه في أنه أمر بقتل ناشط في كربلاء في وقت سابق من الشهر، بالإضافة إلى اعتقال شخصين آخرين، في 28 أيار/مايو في كربلاء".
إفراج لعدم كفاية الأدلة
ويوثق التقرير، اعتقال عصابة الموت، في 13 شباط فبراير 2021، في البصرة، ويقول "اعتقلت قوات الأمن واحتجزت أربعة أفراد متهمين بارتكاب عدة عمليات قتل مستهدفة، بما في ذلك إطلاق النار على اثنين من الصحفيين مما أدى إلى مقتلهم أثناء تنقلهم بسيارة في وسط مدينة البصرة في 10 كانون الثاني/ يناير 2020 وذلك أثناء تغطيتهم للتظاهرات ونفوذ الميليشيات في البصرة، ويخضع المشتبه بهم الأربعة للتحقيق الجنائي وما زالوا رهن الاحتجاز، بالإضافة إلى اعتقال واحتجاز شخصين متهمين بارتكاب عدة جرائم، في 16 آذار/ مارس 2021، بما في ذلك الهجوم على متظاهرين وناشطين".
اقرأ/ي أيضًا: بلاسخارت تبتسم لـ"أبو فدك".. غضب عارم وسخرية من "تبرير" الأمم المتحدة
ويشير التقرير إلى "الإفراج عن ثلاثة أشخاص لعدم كفاية الأدلة، من أصل خمسة اعتقلوا، في أيار/ مايو 2020، يشتبه في قيامهم بإطلاق النار على متظاهرين قاموا بالتجمع أمام مكتب حزب سياسي ورشقوه بالحجارة، مما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين وإصابة خمسة آخرين".
تعدٍ على سلطة الدولة
ويصف التقرير، استعراض فصائل مسلحة ومحاصرتها للمنطقة الخضراء، على خلفية اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، بـ"تعدٍ على سلطة الدولة"، معلقًا بـ"يفسر هذا السلوك من قبل الجهات المسلحة، مرة أخرى، عن البيئة العراقية المعقدة، ويزيد من تضاؤل الثقة العامة، ولا أحد فوق القانون ولا ينبغي لأحد أن يلجأ إلى استعراض القوة لتحقيق أهدافه".
ويتابع التقرير، "وهذا وثيق الصلة بشكل خاص بالقضايا المتعلقة بالتظاهرات المنسوبة إلى العناصر المسلحة المجهولة الهوية، حيث أبلغت ثلاث عائلات على الأقل من أهل القتلى، أنهم تعرضوا للضغط للتنازل عن القضايا مقابل الدية أو تهديدهم بسحب شكواهم ضد جماعات مسلحة معينة".
ويؤكد التقرير، أن "البعثة لم تستطع تأكيد عدد القضايا المغلقة مؤقتًا من قبل قضاة التحقيق بعد أن نسبت إلى جناة مجهولين، والمعلومات التي زودتنا بها مصادر قضائية تشير إلى أن العدد مرتفع".
وينقل التقرير عن مصادر لم يسمها، تقول إن "التحقيقات الأولية في الحوادث التي تورطت فيها جماعات مسلحة مجهولة الهوية قد أجريت وأن ملفات القضايا قد أحيلت إلى بغداد، فيما يشير آخرون إلى التحديات في تحديد هوية الأفراد المسؤولين بسبب عدم رغبة أو قدرة بعض الجهات والقوات الأمنية من مشاركة المعلومات أو الأدلة وخاصة في ما يتعلق بالقضايا الحساسة بما فيها تلك المنسوبة إلى الجماعات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة".
أوامر قبض لم تنفذ
ويشير التقرير، إلى أن "البعثة تلقت تقارير تفيد بأنه في بعض المحافظات لم يتم تنفيذ أوامر القبض الصادرة من القضاء، وخاصة تلك المتعلقة بمقتل المتظاهرين في جسر الزيتون في الناصرية، ولا تسمح المعلومات المقدمة من مجلس القضاء الأعلى للبعثة أن تقارن عدد أوامر القبض الصادرة مع المنفذة".
ولفت التقريرإلى أنه "غالبًا ما أعرب الضحايا الذين قابلتهم البعثة عن انعدام الثقة في نظام العدالة الرسمي، وقد أدى الافتقار إلى الثقة هذا إلى جانب نمط من التهديدات والترهيب المرتبط بمحاولات الضحايا للحصول على مساءلة جنائية للقضايا المتعلقة بالمتظاهرين، أدى إلى قيام البعض باللجوء إلى آليات عرفية قبلية غير رسمية"، مشيرًا إلى أنه "من بين 47 أسرة تم مقابلتهم، أبلغت خمس أسر عن عرض الدية بما فيها - وكما ذكر أعلاه - على الأقل ثلاث أسر تنازلت عن قضايا في المحاكم الجنائية نتيجة ذلك".
تهديد ذوي الضحايا
وبحسب التقرير، تم تهديد ذوي الضحايا الذين يطالبون بشكل علني بالمساءلة. فيما أفاد الضحايا ومحامون بوجود بيئة يسودها الخوف والترهيب فيما يتعلق بمتابعة المساءلة عن الجرائم المتعلقة بالتظاهرات خاصة تلك المنسوبة "للعناصر المسلحة المجهولة الهوية".
ويوثق التقرير، أنه "في تشرين الأول/أكتوبر 2020، هربت من العراق والدة أحد المتظاهرين الذي قتل في شباط/فبراير 2020 في النجف خلال إطلاق النار في ساحة الصدرين بعد تلقيها عددًا كبيرًا من التهديدات ردًا على حملتها العلنية والفاعلة التي تحث السلطات العراقية على محاسبة المسؤولين جنائيًا عن الحادث، بالإضافة إلى أنها وثقت البعثة حالتين من المحامين على الأقل الذين تلقوا تهديدات لمحاولتهم العمل على القضايا التي تزعم المساءلة الجنائية لمسلحين منسوبين إلى أحزاب سياسية لإطلاقهم النار على المتظاهرين، ما دفع المحامون إلى الامتناع عن العمل على مثل هذه القضايا وفي إحدى الحالات، غادروا محافظاتهم بصورة مؤقتة".
الإفلات من العقاب
ويختتم التقرير بالقول إن "استمرار الإفلات من العقاب وغياب الشفافية بصورة واضحة فيما يتعلق بالمسؤولين عن هذه الجرائم، بالإضافة إلى حوادث القتل المستهدف والمضايقات والتخويف المستمرة ضد الأفراد الذين ينتقدون هذه الأفعال بصرف النظر عن المساءلة، أو عدم المساءلة، تشكل تهديدًا غير مباشر".
اقرأ/ي أيضًا:
قضية "سجاد العراقي" تعود مجددًا.. "خاطف معروف" وتماهل حكومي
لجنة تقصي الحقائق "الصامتة" أمام التساؤلات.. هل يقع "الحدث المنتظر" في تشرين؟