لا يزال حديثنا في اللغة

آخر تحديث 2021-06-07 00:00:00 - المصدر: وكالة الانباء العراقية

ياسين طه حافظ
مقالتي القصيرة «للغة مسعى آخر» أثارت حديثا ممتعا ونافعا مع أصدقاء مهتمين أبدوا جميل حرصهم على، وعنايتهم في موضوع عزيز على الجميع.  ولست أقل حرصاً من غيري، لكنه العلم واتجاهات الدرس وما جد من مفاهيم علينا احترامها إن لم نأخذ بها. الكلمة كانت بعنوان للغة مسعى آخر، ولا نريد ان نستعرض ثانية فحواها، نكتفي بالقول إنها كانت عن الحاجة المستجدة لأدلة اللغة، واستشهدنا بملحق قاموس اوكسفورد الصادر في 1985 والذي ضم 7500، 18 كلمة جديدة. أعود اليوم للكلام في هذا الموضوع لأقول لست داعياً لشيء طارئ مستنكر. فلنا من السلف ما يؤكد السبق لهذا والانتباه لفائدته. فقد وضعوا معجمات في فروع اللغة ومفردات العلوم والآداب كالفقه والطب والفلسلفة، وقد ابتدؤوا بغريب القرآن وغريب الحديث ثم جاء «ألفاظ الفقه للشافعي» وهو دليل خاص او معجم لموضوع واحد حصراً. 
ومن المعجمات الخاصة -والتي سميناها معاجم أدلة للغة– قياساً على ملحق اوكسفورد وما يهدف إليه من جمع ما استجد من مفردات. وتمثل كتب قطرب 304هـ وابن المستنير وابن سلام وابي عبيد القاسم بن سلام. الدفعة الاولى في هذا المضمار.
 ومن الواضح أن أوسع الأبواب مدخلاً الى المعجم الخاص أو الى دليل اللغة كانت بأنواع اللغة وظواهرها ولهجاتها، فألفوا معجمات صغيرة. كالاضداد والمترادف والمشترك اللفظي والمقصور والممدود والمذكر والمؤنث. وسوى ذلك مما يحسن معرفته المتخصصون باللغة ودرسها.
وانصافاً لسلفنا الصالح الكريم نقول إن مؤلفاتهم في هذا الشأن لم تقتصر على اللغة وما يتفرع منها ولا اقتصرت على  لغة القرآن والحديث، ولا اقتصرت على الفقه ومسائله، فلنا معجمات ضمت مفردات الطب والحيوان والنبات والأمكنة والبلدان. صحيح انهم لم يلتزموا دائماً منهجاً معجمياً، لكنها اتخذت طريقها وبدأ الاتجاه الى المعجمية في التأليف. كمفردات العلوم عند البيطار والراغب الاصفهاني والدميري والجرجاني.
أما وقد كان حديثنا عن ملحق اوكسفورد وما ضم  من جديد وغريب الكلمات ودعوتنا اليوم الى معجم او دليل لغة يعين مايتيسّر من معجمات وقواميس مما استجد وحضر من لغات العالم ومما جاءت به العلوم ومفردات العيش الجديدة، فاللغة تغتني بالجديد الذي يصل وما يستولد ويشتق فضلاً عن المصطلح وما يسمى بالتعبير الخاص مما يراه ويتداوله اصحاب الصناعات والمهن والحرف في المصانع والمصارف والمختبرات وفي الطب والمعسكرات. وفي هذا ايضاً لنا أمثلة خيرة منها «المعرّب»، «للجواليقي» (540هـ) وشفاء العليل للخفاجي، وفي الجغرافية لنا «معجم البلدان» لياقوت الحموي، وسبق أن ذكرنا مفردات ابن البيطار في الطب والـ «الدكان» و «التعريفات للجرجاني» وحياة الحيوان للدميري»، ولا بد من ذكر امتياز المعرّب للجواليقي 540هـ شفاء العليل للخفاجي بأنهما نهجا في تأليفهما نهجاً  معجمياً متقدماً.
وبعد هذه السياحة، وقد فاتنا الكثير فعذرا لاصحاب التخصص، ونأمل منهم التوكل على الله والعزم على تأليف ملحق «دليل لغة» او معجم بالغريب الجديد لما يحتاجه ناسُنا وصارت تحتاج له لغتنا فقد أعوزنا منها ما لم نجده اذا ما استعنا بما تيسر. الحاجة اليوم الى  معجم حديث «يغتني» بجديد المفردات مما تجيء به الحضارة والفضاء والبحار وماصار يعمل عندنا من آلات ومكائن واجهزة وكذا ما يتولد او ينتج عرضا من تعابير، كل ذلك يجعل من دعوتنا دعوة سليمة وراءها الدعوة لما ينفع في الدرس والحياة، ولكي لا يفوتنا ذكر من اسهم بعض اسهام في هذا الشأن نقول، صدرت عندنا معاجم متخصصة في الزراعة والطب والدبلوماسية، وصارت لنا معاجم أو كتب متخصصة في «الاعلام» فضلاً عما يتوزع في التأليف من  مفردات الغناء والموسيقى وشهدنا جهودا طيبة في عروض الشعر وموسيقاه أسهم فيها أساتذة معاصرون يعرفهم طلبتهم ودارسو الأدب العربي وقارئوه. نذكر منهم، لتأكيد الفضل، أحمد الهاشمي وحكمت البدري وصفاء خلوصي ورشيد العبيدي والمختار والذي جاء بجديد وهو الذي حفزني لكتابة ما كتبته اليوم، ليكون مزيداً لما كتبه وشهادة بفضل..
لا موضوع من العلوم ولا من الآداب والفنون، يقف عند حد ونقول اكتفينا، وانه قد اكتمل ولا مزيد. وهذا المبدأ أو هذا النظر كان دافع دعوتنا لمعجم ملحق يستوفي ما استجد، ومثل هذا الملاحق هي أيضاً نتجدد كل قرن أو نصفه بسبب التقدم السريع، وازدحام الحياة بالجديد.
والآن أختم كلامي بأني اشتريت قبل أيام معجماً خاصاً، بالانجليزية، عن الكومبيوتر ومفرداته!، هل من يقول لسنا بحاجة لمثل هذا وفي كل بيت أكثر من حاسوب واحد، وتظهر شاشته مفردات بمعنى جديد ليس ذاك الذي اعتدنا عليه في اللغة التي
تعلّمناها؟.
تحية لمن عمل وأفاد وتحية لمن استكمل ما لدينا ومن أاغنى لغتنا ومكتبتنا والحياة، فنفعنا ونفع العالمين.