تضغط طهران لمغادرة القوات الأميركية العراق (زيد العبيدي/فرانس برس)
رفعت السلطات العراقية، منذ فجر أمس الخميس، إجراءاتها الأمنية في العاصمة بغداد، وكذلك في محافظتي صلاح الدين والأنبار، حيث تقع قاعدتا "بلد" الجوية قرب تكريت، و"عين الأسد"، وهما من أبرز المواقع العسكرية التي تضم قوات أميركية في البلاد، وذلك عقب هجوم هو الأوسع من نوعه نفذته مساء الأربعاء (أول من أمس) مليشيات مسلحة ضد المصالح الأميركية في العراق. ونُفّذ الهجوم بواسطة صواريخ كاتيوشا وطائرات مسيّرة، انطلقت في وقت متزامن باتجاه قاعدة "فيكتوريا" الملاصقة لمطار بغداد غربي العاصمة، وقاعدة "بلد".
ويأتي الهجومان بعد أقل من 8 ساعات على زيارة قائد "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، ولقائه مسؤولين عراقيين، من بينهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. كما التقى قاآني زعماء مليشيات مسلحة، من بينهم القيادي في "الحشد الشعبي" عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ"أبو فدك"، والذي برز عقب اغتيال الولايات المتحدة لقائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بداية العام الماضي، في بغداد، إذ تولى المنصب الذي كان يشغله المهندس، وهو رئيس أركان "الحشد الشعبي".
معلومات عن هجوم وشيك على قاعدة "عين الأسد"، على غرار هجومي قاعدتي "بلد و"فيكتوريا"
وبحسب بيانات عسكرية صدرت عن بغداد، فإن هجوماً بثلاثة صواريخ كاتيوشا استهدف قاعدة "بلد" الجوية في محافظة صلاح الدين (80 كيلومتراً شمالي بغداد)، سقطت داخل القاعدة من دون أن تسفر عن أي خسائر بشرية أو مادية، أعقبها بنحو 50 دقيقة هجوم آخر على قاعدة "فيكتوريا"، الملاصقة لمطار بغداد الدولي غربي العاصمة، بواسطة صاروخ كاتيوشا، وأعقبها استهداف القاعدة بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة. وعلّق المتحدث باسم "التحالف الدولي"، العقيد واين ماروتو، أمس عبر "تويتر"، على الهجمات الجديدة، محذراً من أن "الهجوم ضد حكومة بغداد وإقليم كردستان والتحالف الدولي سيقوض سلطة المؤسسات والسيادة الوطنية العراقية".
وأكد مصدر أمني في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن الهجوم الذي استهدف قاعدة "بلد" لم يسفر عن خسائر بشرية، لكن أحد الصواريخ ضرب برج اتصالات تابعا لسلاح الجو العراقي ما تسبّب بأضرار فيه، بينما سُجلت فعلاً خسائر مادية في الهجوم الذي استهدف قاعدة "فيكتوريا". وهذه القاعدة هي عبارة عن معسكر صغير يحوي مهبط مروحيات ومقراً لوحدة مهام أميركية خاصة ضمن جهود "التحالف الدولي" للحرب على الإرهاب بقيادة واشنطن. وبحسب المصدر، فإن الهجوم الذي نُفّذ بواسطة ثلاث طائرات مسيّرة مفخخة، انطلق من حي الجهاد القريب من موقع مطار بغداد، وجرى إسقاط طائرة منها من قبل الجيش الأميركي بينما سقطت اثنتان وانفجرتا داخل القاعدة، إحداهما على سقف معدني في إحدى القاعات المخصصة لتجمع الجنود. وأوضح المصدر أن هجوم قاعدة "بلد" نُفّذ من منطقة قريبة يسيطر عليها "اللواء 42" التابع لمليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، أبرز الفصائل المسلحة الحليفة لإيران.
وعقب الهجمات، بدأت السلطات العراقية عملية انتشار واسعة في مناطق وسط وغربي بغداد، فضلاً عن مناطق محيطة بقاعدتي "بلد" و"عين الأسد"، في صلاح الدين والأنبار، شمال وغربي البلاد. وشوهدت وحدات عسكرية تنتشر في مناطق مختلفة بمحيط القاعدتين، فضلاً عن محيط مطار بغداد الدولي. كما رصد طوال نهار أمس تحليق طائرات أميركية مسيّرة على علو منخفض فوق المنطقة الخضراء وسط بغداد. وقال القيادي في قوات "الحشد العشائري" في الأنبار، محمد الجغيفي، لـ"العربي الجديد"، إن الإجراءات شملت للمرة الأولى طائرات مروحية مشّطت مناطق واسعة تمتد إلى 40 كيلومتراً من محيط قاعدة "عين الأسد" تحسباً لهجمات جديدة. وأضاف أن هناك معلومات عن هجوم وشيك على "عين الأسد"، على غرار هجومي قاعدتي "بلد و"فيكتوريا"، مضيفاً أن الجيش العراقي يتولى مهمة مواجهة هذه التهديدات، ولم يسمح لغيره بالانتشار في محيط القاعدة.
ترافقت الهجمات مع تصاعد الضغط على حكومة الكاظمي من أجل حسم ملف الوجود الأميركي في العراق
وتعليقاً على الهجمات، لفت الخبير في الشأن الأمني والسياسي العراقي، أحمد النعيمي، إلى أن عدد الهجمات التي استهدفت القواعد والمنشآت التي تضم قوات أميركية أو قوات التحالف منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، بلغ 19 هجوماً، ثلاثة منها بواسطة طائرات مسيّرة والأخرى بواسطة صواريخ كاتيوشا وغراد، طاولت قواعد "حرير" في أربيل، و"فيكتوريا" غربي بغداد، وقاعدة "بلد" الجوية في صلاح الدين، وقاعدة "عين الأسد" في الأنبار، فضلاً عن 28 هجوماً بواسطة عبوات ناسفة استهدفت أرتالاً تعمل لصالح التحالف الدولي وتحمل معدات غير حربية. وأضاف الخبير أن هذه الهجمات بالمجمل أسفرت عن مقتل 10 أشخاص، بينهم 8 عراقيين ومتعاقدان اثنان من جنسيتين أجنبيتين، فضلاً عن إصابة ما لا يقل عن 30 آخرين، بينهم عناصر شرطة.
واعتبر النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهجمات قد تكون لها صلة مباشرة بزيارة قاآني إلى العراق ولقائه بعدد من زعماء الفصائل المسلحة إضافة إلى الكاظمي، إذ تؤكد تسريبات من مصادر عدة، أن قاآني صعّد من الضغط بملف انسحاب القوات الأميركية من العراق، إذ تعتبر طهران إصرار حكومة الكاظمي على التفريق بين القوات القتالية وقوات التدريب، نوعاً من التحايل والخداع، وأن المطلوب هو خروج آخر عسكري أميركي من البلاد".
وبالتزامن مع التصعيد الأمني، شهدت الساحة السياسية العراقية تصعيداً سياسياً مماثلاً في ما يتعلق بالوجود الأميركي العسكري في العراق، وتكثيف الدعوات للحكومة من أجل حسم ملف انسحاب القوات الأميركية من البلاد. وفي هذا الإطار، وصف النائب عن كتلة "صادقون" في البرلمان، جابر الفتلاوي، الوجود الأميركي في العراق بأنه "غير شرعي"، مشدداً على أن "الحديث عن بقاء قوات أجنبية أمر مرفوض، ولن نسمح به". وأضاف الفتلاوي، في تصريحات صحافية، أن "الحاجة انتفت نهائياً لوجود قوات أميركية أو غير أميركية على الأراضي العراقية".
وبالتزامن مع ذلك، اعتبر النائب محمد الصيهود، القيادي في تحالف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الوجود الأميركي في العراق بأنه "مصدر قلق للعراقيين"، متحدثاً عن "وجود مخطط أميركي يهدد الوحدة والنسيج الاجتماعي مع قرب الانتخابات التشريعية المبكرة" في العراق، والمقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. بدوره، أصدر النائب عن تحالف "الفتح"، عدي الشعلان، بياناً، طالب فيه حكومة الكاظمي بالعمل على طرد القوات الأميركية من العراق، معتبراً أن "بقاء القوات الأميركية فترة أطول يشكل خطورة على الشعب العراقي، كونها تتدخل في كلّ صغيرة وكبيرة، ما يوجب على الحكومة وضع حد لها".
وحول ذلك، ربط عضو التيار المدني أحمد حقي، أيضاً، التصعيد الأمني والسياسي، بزيارة قاآني. وأضاف حقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تزامن الهجومين مع التصعيد السياسي ضد الحكومة بشأن الوجود الأميركي وزيارة قاآني، جاءت لتعزيز الضغط على الحكومة بشأن الملف العسكري الأجنبي في البلاد، خصوصاً مع معلومات زيارة الكاظمي إلى واشنطن في شهر يوليو/تموز المقبل لبحث مستقبل العلاقة الأمنية بين البلدين ودور "التحالف الدولي" ككل. ورأى حقي أن "الفصائل المسلحة تتحرك بتوصيات إيرانية واضحة في هذا الإطار، والأمر ذاته بالنسبة للقوى السياسية الحليفة لها في البرلمان"، معتبراً أن استمرار التصعيد قد يهدد فعلا إجراء الانتخابات، خصوصاً إذا ما قررت واشنطن أن ترد على الهجمات.