الكرة لا تزال في ملعب الأمم المتحدة وهي مطالَبة بتوضيح أو رد رسمي يبرئ ساحتها والممثلة الخاصة لأمينها العام في العراق السيدة جينين هينيس-بلاسخارت، أو يدافع عمّا تفعله وتقدمه المنظمة الدولية للشعب العراقي منذ سقوط النظام عام 2003، وذلك بعد أيام من الانتقادات اللاذعة التي وجهها شقيق الشهيد إيهاب الوزني لها في لقاءٍ اجتماعي وجهًا لوجه قد تكون المرة الأولى التي تتعرض لها بمثل هذا الجلاء.
ربما يرى البعض أن ما طرحه شقيق الوزني عن دور الأمم المتحدة في العراق في ذلك اللقاء وهو في فورة غضب مطلقًا العنان لنفسه وتعبيره كان فيه شيئًا من الغلاظة والإجحاف والافتقار إلى الأدلة الدامغة على الرغم مما جمعه في طياته من تساؤلات جريئة واستفسارات منطقية حول وقوف المنظمة مكتوفة الأيدي في أزمات حادة تعصف بالعراق تمس الإنسان العراقي وحقوقه الأساسية في حياة بسيطة وكريمة متخذة موقف متفرج غير آبه.
ولا أحد ينكر ما تقوم به الأمم المتحدة منذ حوالي عقدين في مساعدة العراقيين من أجل تأسيس نظام ديمقراطي مؤسساتي يستند إلى التعددية السياسية والعدالة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وما قدمته من تضحيات جسام ولكن مهمتها هذه اصطدمت بواقع صعب وتحديات جمة حالت خلال فترات دون إنجاز ما تخطط لها وتريد تنفيذه على الأرض، فبدت عليها التراجع أحيانًا والخمول أحاين أخرى.
والمواطن العراقي معذور حين يطالب بوضع حدٍ لمعاناته اليومية في ظل انعدام الأمن والاستقرار وعمليات اغتيال واعتقال الناشطين والصحفيين المتكررة والجرائم السياسية المستمرة دون ملاحقة جدية لمرتكبيها أو محاسبة من يقفون وراءها وتقديمهم للقضاء، فقد ضاق بالوضع ذرعًا وهو يجد الحكومة عاجزة عن القيام بواجبها الوظيفي والأخلاقي والإنساني لإيقاف معاناته ووضع حدٍ للفوضى مكتفية بأطلاق شعارات رنانة وإصدار بيانات جوفاء تقف عند القول من دون أن تأخذ بالفعل.
ربما تكون الأمم المتحدة المنظمة الدولية الوحيدة التي أخذت على عاتقها التصدى لمشاكل الدول في شتى أرجاء العالم وكان الله في عونها في مهمتها فالأزمات لا عدّ لها ولا حصر، أما في العراق فحدث ولا حرج، وما تحدثت عنه السياسية الهولندية ذات (49) عامًا في ردها على شقيق الوزني من وجود تحديات ومعوقات كثيرة وكبيرة يواجهونها ومن أنهم شركاء مع العراقيين ولا بد لهم من الحوار مع جميع الأطراف، ومن أنهم رفعوا الصوت خلال اجتماعاتهم مع الجهات السياسية والأمنية، كان فيه الكثير من الحقيقة، إلا أن وقف النزيف العراقي ووضع حدٍ للاستهانة بمبادئ شعبه وكرامة مواطنيه، يضع السيدة بلاسخارت والمنظمة التي تمثلها أمام مسؤولية كبرى تتطلب موقفًا أكثر وضوحًا وممارسة ضغوطٍ أكثر صرامة مع الأطراف المعنية في سبيل الوصول إلى إجراءات تطمئن المواطن وترضي السياسيين ولا تتهاون مع المتورطين في افتعال الأزمات ومرتكبي الجرائم.
الحوار القصير الذي دار بين بلاسخارت وشقيق الوزني كشف مدى مظلومية المواطن العراقي العادي الذي لا يريد أكثر من الحرية والعيش الكريم والأمن والسلام، ومدى مطاطية ردود بلاسخارت وضعف موقف المنظمة التي تدعي وقوفها إلى جانب تطلعات الشعوب ومطالبها الحقة، وكشف أيضًا أن زمن المجاملات والمداراة والتملّق ولّى وقد آن للمنظمة الدولية أن تضع النقاط على الحروف وتعيد الأمور إلى نصابها بإتخاذها مواقف لمصلحة المظلومين تحفظ لها ماء وجهها وتعيد ثقة الشعوب بها، ومع كل ذلك تبقى المنظمة مدينة للشعب العراقي بإصدار توضيح رسمي يبين توجهها وبرنامجها الواضح والصريح وإنجازاتها في العراق، كما تبقى السيدة بلاسخارت مدينة للعراقيين برد رسمي تنفي الاتهامات الموجهة لها وتبرئ ذمتها من "تلقي ملايين الدولارات من السياسيين العراقيين" كما قال شقيق الشهيد الوزني.
سوران علي
صحافي من كوردستان العراق