بلاسخارت.. مواقف مثيرة للجدل.. زيارتان هامتان الى اربيل وكربلاء

آخر تحديث 2021-07-04 00:00:00 - المصدر: الاتحاد الوطني الكردستاني

زيارتان للسيدة جينين بلاسخارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، الاولى الى اربيل والثانية الى كربلاء تفصل بينهما مدة قصيرة، اثارتا الكثير من الجدل مثل مواقفها حيال الاحداث والتطورات في اقليم كوردستان والعراق.

وتواجدت السيدة بلاسخارت التي تسنمت مسؤولية مهامها في العراق عام 2018، بين المتظاهرين المطالبين بتوفير الخدمات والحرية والعيش الكريم، كما زارت المرجعية الدينية للقاء المرجع الديني الاعلى علي السيستاني ووصلت طهران، بما تعكس حيوية بلاسخارت كابرز شخصية سياسية في تاريخ العراق الحديث بعد الخاتون " مس بيل" ودورها في رسم سياسية البلاد، رغم اختلاف الادوار والمهام والزمن.                                  ٍ

فمن هي بلاسخارت؟

تسلمت الهولندية جينين هينيس-بلاسخارت مهامها كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في 17 كانون الأول 2018، حيث خلفت في المنصب  يان كوبيش من سلوفاكيا.

 وتمتلك السيدة هينيس-بلاسخارت خبرة تمتد أكثر من 20 عاماً في المجالين السياسي والدبلوماسي، بعد أن خدمت في عدّة مناصب حكومية وبرلمانية رفيعة المستوى. إذ تولت منصب وزير الدفاع في هولندا (2012-2017)، وكانت أول امرأةٍ تمّ تعيينُها في ذلك المنصب. وكوزيرةٍ، أشرفت على هيئة الأركان المركزية وقيادة الدعم وهيئة المواد الدفاعية والقوات المسلحة الملكية الهولندية الأربعة: الجيش والبحرية والقوات الجوية والشرطة العسكرية وحرس الحدود. وخلال توليها ذلك المنصب، أشرفت على المشاركة الهولندية في العمليات العسكرية في مالي وأفغانستان والعراق، وبناءِ تعاونٍ وثيقٍ مع الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي وشركاء الأمم المتحدة.

كما كانت بلاسخارت عضواً في مجلس النواب في هولندا (2010-2012) وعضواً في البرلمان الأوروبي (2004-2010). وعملت في المفوضية الأوروبية في بروكسل وفي ريغا عاصمة لاتفيا وفي إدارة شؤون مدينة أمستردام.

بلاسخارت تنجز 30 ـ 35% من مهامها

وتعد الامم المتحدة من المؤسسات العالمية المهمة ولا تخلو اي قضية سواء كانت داخلية او خارجية في العام من دور او موقف، ولم تمر العلاقات بينها والعراق بانسجام خاصة خلال حرب الخليج الثانية بوضع لعراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المعني بالانتهاكات الشديدة للنظام الدولي، فأصدر مجلس الأمن بالاستناد إلى هذا الفصل عدة قرارات كان أهمها القرار ذي الرقم 687 في 1990م، الذي أباح استخدام القوة العسكرية وتحميله المسؤولية المباشرة وغير المباشرة التي تعرضت لها الكويت فضلاً عن أن الأمم المتحدة فرضت عقوبات مشددة وشاملة ضمن عشرات القرارات الصادرة بموجب الفصل السابع من الميثاق تضمنت فرض العقوبات الاقتصادية الشاملة على العراق ورتبت أعباءً اقتصادية ومالية كبيرة عليه، بعدها جاء القرار 1770 في اب 2007، ليحدد ولاية بعثة الأمم المتحدة في العراق ويوسع دورها في المجالات السياسية والإنسانية داخليًا وإقليميًا ودوليًا وذلك بناءً على طلب الحكومة العراقية لتصبح مهامها في :"تقديم المشورة والدعم والمساعدة للحكومة العراقية من أجل: تنفيذ مختلف أنواع الأنشطة ذات الصلة بالإجراءات الوطنية لتحقيق المصالحة الوطنية والأمن والاستقرار وإجراء تعداد شامل للسكان، تعزيز ودعم عدد من التدابير الهادفة إلى إعمار البلاد ومؤسساتها بما في ذلك توفير الخدمات الاجتماعية والتنسيق بين الأنشطة الإنمائية والصناديق المتصلة، وكذلك القيام بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني من أجل تعزيز سيادة القانون في العراق.

وفي عام 2019، اصدر مجلس الأمن القرار المرقم 2470 الذي نص على أن يقوم الممثل الخاص للأمين العام والبعثة بناءً على طلب الحكومة العراقية بإعطاء الأولوية لتقديم المشورة والدعم والمساعدة للعراق بشأن تعزيز الحوار السياسي الشامل للجميع والنهوض بشأن وضع الاجراءات المناسبة لعقد الانتخابات والاستفتاءات، وبشأن مراجعة الدستور وتنفيذ الاحكام الدستورية، وكذلك بشأن وضع إجراءات تقبل بها الحكومة العراقية من أجل تسوية موضوع الحدود الداخلية المتنازع عليها داخليًا، فضلاً عن الدعم والمساندة في مجال إصلاح قطاع الأمن، وتيسير الحوار والتعاون على الصعيد الإقليمي.

ولعل من أهم المجالات التي ينصب عليها اهتمام الأمم المتحدة ووكالاتها في العراق تتمثل بـ:الشؤون السياسية، الانتخابات، حقوق الانسان، العدالة، الدعم الإنمائي والإنساني، التعليم ومحو الأمية ، والبيئة والمياه / الصرف الصحي، التوظيف، الصحة، الإسكان، الكهرباء، اللاجئون والنازحون داخليًا، الشباب والمرأة، ومكافحة الفساد.

يقول الخبير القانوني طارق حرب لـPUKmedia: ان دور السيدة بلاسخارت كبير ومهم حيث تأسست المنظمة الدولي من اصل قرار مجلس الامن الدولي 770 لعام 2007 الذي انشىء مكاتب يونامي في العراق، ويلفت الى ان الدور ليس مستجيبا لمتطلبات الشارع العراقي وان تغطيتها جزئي وليس كامل.

ويؤكد ان بلاسخارت لا تستطيع ان تلعب دورا اكبر وفق الظروف العراقية الراهنة بتواجد السلاح المنفلت والميلشيات، يشير الى انها حققت نسبة 35% ولم تصل الى نسبة 50% من المهام.

وردت بدورها انها لا تنحاز الى اي طرف وقالت " "الأمم المتحدة شريكة كل عراقي يحاول التغيير. بوحدتهم يستطيع العراقيون أن يحولوا بلدهم إلى مكان أفضل ونحن موجودون هنا لتوفير الدعم اللازم".

وايضا: "إن عرقلة عمل منشآت البنية التحية الأساسية يثير قلقنا البالغ. الجميع يتحمل مسؤولية حماية المنشآت العامة. إن إغلاق الطرق المؤدية إلى المنشآت النفطية والموانئ أو التهديد بإغلاقها يكبد البلاد خسائر بالمليارات".

اعتذار في كربلاء

 ويرى الكاتب والصحفي سوران علي لـPUKmedia: ربما تكون الأمم المتحدة المنظمة الدولية الوحيدة التي أخذت على عاتقها التصدى لمشاكل الدول في شتى أرجاء العالم وكان الله في عونها في مهمتها فالأزمات لا عدّ لها ولا حصر، أما في العراق فحدث ولا حرج، وما تحدثت عنه السياسية الهولندية ذات (49) عامًا في ردها على شقيق الوزني من وجود تحديات ومعوقات كثيرة وكبيرة يواجهونها ومن أنهم شركاء مع العراقيين ولا بد لهم من الحوار مع جميع الأطراف، ومن أنهم رفعوا الصوت خلال اجتماعاتهم مع الجهات السياسية والأمنية، كان فيه الكثير من الحقيقة، إلا أن وقف النزيف العراقي ووضع حدٍ للاستهانة بمبادئ شعبه وكرامة مواطنيه، يضع السيدة بلاسخارت والمنظمة التي تمثلها أمام مسؤولية كبرى تتطلب موقفًا أكثر وضوحًا وممارسة ضغوطٍ أكثر صرامة مع الأطراف المعنية في سبيل الوصول إلى إجراءات تطمئن المواطن وترضي السياسيين ولا تتهاون مع المتورطين في افتعال الأزمات ومرتكبي الجرائم.

ويضيف، ان الحوار القصير الذي دار بين بلاسخارت وشقيق الوزني خلال زيارتها الاخيرة، كشف مدى مظلومية المواطن العراقي العادي الذي لا يريد أكثر من الحرية والعيش الكريم والأمن والسلام، ومدى مطاطية ردود بلاسخارت وضعف موقف المنظمة التي تدعي وقوفها إلى جانب تطلعات الشعوب ومطالبها الحقة، وكشف أيضًا أن زمن المجاملات والمداراة والتملّق ولّى وقد آن للمنظمة الدولية أن تضع النقاط على الحروف وتعيد الأمور إلى نصابها بإتخاذها مواقف لمصلحة المظلومين تحفظ لها ماء وجهها وتعيد ثقة الشعوب بها، ومع كل ذلك تبقى المنظمة مدينة للشعب العراقي بإصدار توضيح رسمي يبين توجهها وبرنامجها الواضح والصريح وإنجازاتها في العراق، كما تبقى السيدة بلاسخارت مدينة للعراقيين برد رسمي تنفي الاتهامات الموجهة لها وتبرئ ذمتها من "تلقي ملايين الدولارات من السياسيين العراقيين" كما قال شقيق الشهيد الوزني.

وكان ردها على شقيق الشهيد ايهاب الوزني، ان هناك تحديات ومعوقات كثيرة وكبيرة يواجهونها ومن أنهم شركاء مع العراقيين ولا بد لهم من الحوار مع جميع الأطراف، ومن أنهم رفعوا الصوت خلال اجتماعاتهم مع الجهات السياسية والأمنية.

ويؤكد مكتب PUKmedia في كربلاء، ان زيارة السيدة بلاسخارت الى منزل سميرة الوزني والدة ايهاب، اتت للاعتذار لما بدر من وفد الامم المتحدة خلال اعتضامها أمام المحكمة ومحاولتها الحديث الى الوفد، حيث طرقت زجاج السيارة المصفحة، لكن أحدا لم يعرها أهمية ليسير الموكب وتبقى هي في الشارع تحاول معرفة قتلة ولدها.

ويشير الى ان هدف الزيارة الاعتذار لما بدر من افراد الموكب وليس الاعتذار لمواقف السيدة بلاسخارت حيال التظاهرات وما نجم عنها من اغتيالات وضحايا.

بلاسخارت من اربيل: الوحدة والدستور 

بشأن رسالة رئيسة بعثة الامم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، الى الاطراف السياسية في اقليم كوردستان خلال مؤتمر الوحدة والدستور باربيل، تباينت آراء المثقفين والسياسيين في ان بلاسخارت وضعت النقاط على الحروف وكلمتها تصب لمصلحة اقليم كوردستان، فيما يرى اخرون ان لغتها كانت للتهديد والتخويف، وربما القرارات السياسية تعالج احيانا بلغة شفافة واضحة وكما يقول ملا بختيار عضو المجلس الاعلى السياسي ومصلحة الاتحاد الوطني الكوردستاني لـPUKmedia: ان السيدة بلاسخارت، وهي هولندية صديقة للكورد ومدافعة في المحافل الدولية شخصت مكامن الخلل والضعف، ويوضح، انه سبق ان تناول تحديات البيت الكوردي قبل 5 اعوام بجامعة السليمانية بنفس الطرح، كما اعاد نفس الحديث قبل نحو عام، داعيا الى مؤتمر وطني بمشاركة ضئيلة للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي،

ويلفت الى ان مجلس الامن قمة الادارة السياسية في العالم، وان كلامها" لا تأخذوا الحكم الذاتي اليوم كأمر مسلم به، ومن أجل استدامته، فإن الوحدة هي أمر ضروري جدا"، والموجه لاطراف السياسية في اقليم كوردستان ليس، كتهديد او تخويف، وانما هي دئما مع حل المشاكل بين بغداد واربيل وتفعيل الدستور والموازنة، مستدركا، ان كلمة رئيسة بعثة الامم المتحدة في العراق، فزز الجميع، ولم تقصد بلاسخارت التخويف، انها الحقيقة.

ويلفت ملا بختيار الى ان مصطفى الكاظمي تحدث بنفس الوتيرة مؤخرا، ولكن بشكل غير مباشر حينما اشار الى "انه في حال استمرار الهجمات التركية وتواصل اخطاء القيادة الكوردية يصبح الاقليم بيد الحكومة المركزية".

ويؤكد، وجود توجه في بغداد نحو دولة مركزية، ومحاولات لتعميق المشاكل مع الاقليم وعدم الوصول لاية نتيجة، لافتا الى ان الاحزاب الكوردستانية لم ترد على كلمة سيدة بلاسخارت، وان المسؤولية تقع قبل بغداد على حكومة وبرلمان اقليم كوردستان، وعدم التحسب، داعيا القوى الكوردستانية الى طرح مشاكلها جانبا ومعالجة تحديات البيت الكوردي، كما كانت العلاقات اثناء تأسيس الجبهة الكوردستانية في احلك الظروف، خضم الانفالات، وعلى القوى الكوردستانية الوحدة والعمل المشترك والاستعداد لاي طارىء، مؤكدا ان تحذير بلاسخارت للقوى الكوردستانية ليس تكتيكا او حرب نفسية .

نص كلمة بلاسخارت في جامعة كوردستان 19 ايار 2021

أصحاب المعالي،

أيها السيّدات والسادة"

الضيوف الكرام،

اسمحوا لي أن أبدأ بتوجيه الشكر إلى جامعة كردستان على دعوتي للمشاركة في حدث هذا اليوم. إنه لشرف عظيم لي ويسعدني أن أكون هنا.

إذا سمحتم لي، سأتحدث اليوم بصراحة، والهدف من وراء تعليقاتي هو أن تكون مثيرة للتحدي ومثيرة للتفكير في ذات الوقت كي نتمكن من بذل المحاولات- بإخلاص وبشكل بناّء - لمعالجة بعض المشكلات والمخاوف العامة.

بعبارة أخرى: قد يعتبر بعضكم وجهات نظري صريحة للغاية وربما بشكل مفرط. لكن كما يقول المثل الكردي "صديقك هو الذي يجعلك تبكي.. “

ودعونا نواجه الأمر، في حواراتي العديدة في إقليم كوردستان، الآراء المعبر عنها بشكل عام صريحة للغاية - سواء أحببتها أم لا. وفي ذات الوقت، هذه هي أحد الأشياء التي أقدرها كثيرًا. نتبادل الآراء ليس فقط من أجل الحديث ولكن للغوص في جوهر الأشياء - في محاولة لإيجاد الحلول.

(…)

أيها السيّدات والسادة، إن التحكم في مصير المرء هو صراع دائم في حد ذاته لأي فرد. وبالنظر إلى تاريخ وجغرافية هذه المنطقة، أعتقد أنه من الآمن القول إن هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة لشعوب إقليم كوردستان. وهذا ما يخبرنا به الماضي، وكذلك هو الحاضر والمستقبل، التي يكتنفها عدم اليقين.

ما نعرفه هو أن الأمر استغرق وقتًا طويلاً لتحقيق مستوى الاستقلال الذاتي اليوم. ليس الوقت فقط. بل كان الثمن غالياً، حيث دفع الكثير من الناس حياتهم من أجل ذلك. ولكن مثل أي مكان آخر في العالم، فإن الحقوق والحريات اليوم لا تعطى على الإطلاق.

ما أقوله هو الاتي: لا تأخذوا الحكم الذاتي اليوم كأمر مسلم به، ومن أجل استدامته، فإن الوحدة هي أمر ضروري جدا.

في الواقع، وكما أوضحت أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، فإن النظام الفيدرالي لا يقوى إلا بقوة الروابط بين مكوناته - ويتم تعزيز هذه الروابط من طريق المصالحة والتماسك المجتمعيين.

وفي حالة العراق، هذا يعني أن البلد يكون قوياً كلما كانت الروابط التي توحد شعوبه المتنوعة قوية. وغالبًا ما تكون هذه الشعوب المتنوعة بحاجة إلى مصالحة داخل المجتمع أيضًا.

الآن، إقليم كوردستان متنوع بطبيعته. فهو موطن لمجموعة واسعة من الشعوب واللغات والأديان. وقد تجسد احتضانه لهذا التنوع مؤخرًا وبشكل ملحوظ خلال الزيارة التاريخية للبابا فرانسيس.

يمكن للمرء أن يقول إن القوة والقدرة على الصمود اللافتة لإقليم كوردستان تنبع من هذا التنوع.

بل أن المرء يمكن أن يقول إن "الوحدة في التنوع" هي الوصفة التأسيسية التي سمحت لإقليم كوردستان بالوجود. وهذا هو بالتأكيد المبدأ الذي سيضمن مستقبله.

ونعم، التنوع السياسي موجود أيضًا في إقليم كوردستان. كما هو الحال في الكثير من البلدان الأخرى. في حين أن الكثير من هذه الديمقراطيات المتنوعة تبدو قوية ومستقرة اليوم، فقد تميز تاريخها أيضًا بالحروب الدموية والمعاناة.

وغني عن القول: إن إقليم كوردستان القوي هو الأفضل استعدادا وجهوزيةً لحماية مصالحه. وعلى العكس من ذلك، مع الانقسام يأتي الضعف.

كما أن إقليم كردستان القوي والموحد يقوّي العراق الاتحادي، ليس فقط على الصعيد المحلي ولكن أيضًا على الصعيد الدولي. القوة في الخارج تبدأ من القوة في الداخل.

(…)

أيها السيّدات والسادة، بصفتي سياسيًة أوروبيًة وعلى المستوى الوطني سابقا، يمكنني أن أخبركم، من تجربتي، أن الديمقراطية، وخاصة الديمقراطية ذات المستويات المتعددة من الحكم، هي عمل شاق.

والمجتمعات الديمقراطية المستدامة الحقيقية للغاية هي عكس المعجزات التي تحدث بين عشية وضحاها - فهي تتطلب صبرًا هائلاً واستعدادًا ثابتًا لتقديم التنازلات.

نفاد الصبر مفهوم بالطبع. أنا أعرف كل شيء عن ذلك. بل قد يكون أمراً مرغوب فيه من أجل تحريك الأشياء في اتجاه الصالح العام الأكبر.

لكن لا محالة من وجوب إعطاء العملية الديمقراطية الوقت لتترسخ.

وبينما يحدث هذا الأمر، يجب السماح للتفاعل الصحي بين المعارضة والحكومة وتشكيل الأحزاب والائتلافات بالعمل على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية.

وخلال كل هذا، يجب أن يكون الاهتمام النهائي للقيادة السياسية هو: خدمة مواطنيها. ويجب أن يكون التركيز على الحلول التي تمثل مصالح جميع الشعوب التي تعيش في إقليم كوردستان. فالحلول التي تخاطب الأغلبية فقط لا يمكن الدفاع عنها على المدى الطويل.

والآن، كما قلت: حتى مع تحقيق الوحدة، لا يمكن أبدًا اعتبار الوحدة أمرًا مسلماً به خشية أن تضيع. بل يجب أن يتم رعايتها بها باستمرار.

ويتضمن "عمل الإدامة" هذا التواصل المستمر على مستوى القاعدة الشعبية والحوار والإجراءات الملموسة التي توضح أنه يتم الاستماع إلى المجتمعات والمكونات في جميع الأوقات.

وعندما تُهَدَّد الوحدة بالانقسام، تقع على عاتق القيادة مسؤولية توجيه وقيادة التوعية، لتوحيد المصالح المتعارضة.

في ذات الوقت، تقع على عاتق كل مواطن مسؤولية الاعتراف والقبول بحقيقة أن الموازنة بين الآراء والمصالح المختلفة تتطلب حل وسط دائم، كما هو الحال في أي مجتمع متنوع.

توصف السياسة أيضًا بأنها " فن الممكن". وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن تقديم التنازلات هو السبيل لتسوية الخلافات. أنا لا أنكر أن التسوية يمكن أن نتذوقها فجأة كخيبة أمل. ولكن حبة التنازل المرُّة ستفتح في النهاية الباب أمام النجاح الدائم.

وبما أن السياسة محلية في نهاية المطاف، فمن الضروري ممارسة روح الوحدة والشراكة أولاً وقبل كل شيء على هذا المستوى. فالنظام المتوازن هو النظام الذي يتم فيه ضمان تقديم الخدمات بشكل كامل في جميع المجالات وفي جميع الأوقات - وبغض النظر عن التكوين السياسي الذي قد يكون في السلطة.

وبعد كل ما قلته، فمن الأهمية بمكان ان نميز ما بين الوحدة والتوحيد.

لمجرد أن مجموعةً ما يمكنها أن تتحد ككتلة واحدة، فهذا لا يعني أنه لا يمكن إجراء مناقشة داخلية نابضة بالحياة وسليمة، أو أنه لا يمكن الاستماع إلى عدد كبير من الأصوات المختلفة. بل على العكس. فإن تنوع الآراء هو مصدر للقوة والإثراء وليس تهديداً.

والشيء الذي يكتسب نفس القدر من الأهمية هو: ان الأفعال ابلغ من الأقوال. فللإعلانات والخطب المنمقة مكانها، ولكن في نهاية المطاف فالأمر كله يتعلق بإنجاز الأشياء.

ومن محاربة الفساد والنأي عن المصالح الحزبية الضيقة الى التحرك الجاد نحو توحيد البيشمركة والإصلاحات. أجل، رؤية البيشمركة لعام 2025 هي أحد أفضل وأوضح الأمثلة. إذ انها توقد المخيلة. لا ينبغي ان يبقى إقليم كردستان منقسماً بين "أخضر" و "أصفر". أو أي مسميات لونية في هذا الشأن.

لقد آن الأوان لتحقيق مصالحة حقيقية، وليسود الاستقرار السياسي.

وانتقل الى السيادة الوطنية، فمن الواضح وبشكل مؤلم أن الجغرافية لا تصب دوماً في مصلحة العراق، وبالتأكيد فإقليم كردستان ليس استثناءً. وبكلمة أخرى، أنتم تواجهون ظروفاً جيوسياسية فريدة. وهذه الحقيقة لوحدها ينبغي ان تكون سبباً كافياً لجعل المرء يفكر مرتان.

(…)

أيها السيّدات والسادة، من أجل ان تجرى الانتخابات في 10 تشرين الأول، فان العراق على مفترق طرق. ان اجراء عملية انتخابية تحظى بالمصداقية وذات مشاركة حرة وواسعة من شأنها المساعدة في توجيه دفة البلاد نحو مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً. وبالطبع، فأن نتائج هذه الانتخابات هي الأخرى لها أهمية عظيمة للعلاقات الحيوية بين بغداد وأربيل.

وفي الوقت نفسه، ان إقليم كردستان لديه خيار. ويمكنه أن يتوحد ويزيد من تعزيز احترامه للحقوق والحريات الأساسية وأن يحرز تقدماً مجدياً في مجال الأمن والإصلاح الاقتصادي اللذان طال انتظارهما وأن ينخرط في حوار رغم الخلافات الداخلية التي تبدو أحياناً مستعصية (انا اعترف بذلك).

أو...أو ربما يفشل في ترتيب بيته، ويخاطر في ضياع منجزاته.

(…)

أيها السيّدات والسادة، مؤخراً – برز من جديد نقاش بشأن إمكانية ان يكون هناك دستور إقليمي. الآن، فأن معظم الناس لن يشككوا في القيمة المضافة لمثل هكذا دستور.

إن لم أكن مخطئة، عُرِضَ مشروع أولي في عام 2009. وتلته بضع محاولات بيد انه تعطل في مراحل مختلفة بسبب انعدام التوافق السياسي.

والآن، اسمحوا لي أن أكون واضحة: ان كل ما تعنيه القيادة السياسية هو الشعب. وكذلك الدستور. فالأمر يتعلق بالناس وبحقوقهم وكيفية حماية حقوقهم. فهو يبين حدود صلاحيات السلطات. الدستور عبارة عن عقد اجتماعي.

وبالفعل، ومن المؤكد ان إعادة تفعيل هذه العملية سيتيح فرصة هامة لجميع المكونات والطوائف في إقليم كردستان لتتآزر.

فمن شأن ذلك أن يساعد على رأب الخلافات والمظالم وقبول الآخر - عند الاقتضاء - وأن يعتذر له وأن يحترم التاريخ الفريد لبعضهم البعض. فمن الممكن أن يساعد في التغلب على التنافس السياسي والتحزب فضلاً عن الجمود بين النخب الحاكمة.

ويمكن أن يوفر فرصة رائعة لخلق إحساس تطلعي بالفخر والاعتزاز.

وهو فرصة أيضا لتحديد السلطات والمسؤوليات المؤسساتية بوضوح. ان الغموض القانوني ضار على المستوى الاتحادي مثلما هو ضار في إقليم كردستان.

لذا: إذا اردتم ان تفعلوا ذلك، إعادة تفعيل العملية، فقوموا بها على نحو صحيح. الإرادة السياسية شرط أساسي. ان الوعود الفارغة او المنكوثة ستزيد من تصدع ثقة الجمهور ليس إلا. ولا تستهينوا بالسهولة التي يمكن ان يتعاظم بها الغضب.

ان الاقتتال والشقاق السياسيين هما آفتان سامتان - ومع ذلك، فهما موجودتان عند كل منعطف. فهل من المدهش ان الناس لا يؤمنون بأن العملية السياسية تخدمهم، او انها يمكن ان تحقق التغيير؟

ومرة أخرى، إذا اردتم ان تفعلوا ذلك، فقوموا به على النحو الصحيح.

ولا حاجة لكي اقول، ينبغي إن تتوافق الوثيقة النهائية مع الدستور الاتحادي للعراق.

ويمثل هذا تحدياً آخر، إذ ان الدستور الاتحادي يفتقر إلى توجيهات استرشادية واضحة. ففي الوقت الذي كتب فيه الدستور الاتحادي، كُرست المبادئ العامة في النص بينما ترك تنفيذها الى تشريع داعم لاحق يحدد ذلك.

ولكن بعد ستة عشر عاماً، لا يزال هذا الافتقار إلى التحديد يشكل النقاش بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. إن التوصل إلى حلول دائمة أمر ملح. وإنني متيقنة من أننا يمكن أن نتفق جميعا على أن الوقت قد حان لكي يصبح العراق أكثر من مجموع مكونات.

(…)

أيها السيّدات والسادة، في الختام اسمحوا لي ان أؤكد مرة أخرى على أهمية ما تم إنجازه على يد شعوب إقليم كردستان في القرون الماضية.

والسؤال الآن: كيف يمكن إدامة وتوطيد هذه المنجزات؟!

وبينما تقف الأمم المتحدة إلى جانبكم، فمن المهم إدراك أنه - أولاَ وقبل كل شيء - أنتم جميعاً معنيون في هذا الأمر.

الوحدة في التنوع. المفتاح في ايديكم.

PUKmedia ماجد محمد مصطفى