جرت الانتخابات التشريعية العراقية في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري في جو أمني لم تعكر صفوه أية خروقات أمنية، بعد قيام حكومة مصطفى الكاظمي بتأمين الإجراءات التي تضمن أمن الانتخابات وسيرها بسلاسة ويسر خلافاً للفعاليات السابقة التي جرت منذ 2003 والتي كانت ترافقها إجراءات مشددة ومع ذلك لم تسلم من اختراقات أمنية عرضت سلامة المواطنين إلى الخطر.
وجرت هذه الانتخابات، وللمرة الأولى، من دون إعلان حظر التجوال وهو ما يشير إلى اطمئنان الحكومة للتدابير التي اتخذتها القيادة العامة للقوات المسلحة، والأجهزة الأمنية مما دفعها إلى عدم إعلان الحظر أو اعتماد إجراءات استثنائية قد تثير مخاوف المواطنين وتشيع القلق بين الناخبين.
حكومة الكاظمي
في هذا السياق، صرّح مصدر سياسي قريب من النخبة الحاكمة لـ "اندبندنت عربية"، رفض ذكر اسمه، أن السمة البارزة في هذه الانتخابات والنتائج الإيجابية التي ترتبت عليها، إنما تحسب للكاظمي وحكومته والأجهزة الأمنية والعسكرية التي أشرف عليها شخصياً.
يذكر أن الحكومة الانتقالية شُكلت بعد ضغط مستمر لعدة أشهر من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي طالبت برحيل حكومة عادل عبد المهدي وتشكيل حكومة انتقالية تأخذ على عاتقها مهام التحضير لانتخابات مبكرة، وقد جرى التأكيد في سياق الدعوة لتشكيل الحكومة الانتقالية على مجموعة من المهمات، في مقدمتها إجراء انتخابات مبكرة للاتيان ببرلمان قادر على تلبية تطلعات الحركة الاحتجاجية الشعبية. ومن المعروف أن تكليف الحكومة الانتقالية اقترن بتحديد سقف زمني، وهذا الموعد المحدد للانتخابات تغير بضغط من القوى السياسية لكن رئيس الحكومة عاد وأكد على الالتزام بإجرائها في 10 أكتوبر.
واستطاعت الحكومة في فترة التحضير للاستحقاق المبكر اتخاذ التدابير اللوجستية والأمنية والقانونية لضمان سير الانتخابات. وفي هذا الإطار جرى تشكيل المفوضية العليا للانتخابات للمرة الأولى من القضاة، وتم تشريع قانون الانتخاب على أساس دوائر مصغرة بعدد 83 دائرة وبواقع 100 ألف صوت لكل مقعد، واستطاعت الحكومة تأمين الميزانية المطلوبة من المفوضية دفعاً لأي مبرر للتأجيل أو الإلغاء. كما طالبت الحكومة رسمياً من مجلس الأمن الرقابة على الانتخابات بعد إعلان بعض القوى النافذة رفض طلب إشرافها خشية أن يسمح ذلك بالتدخل في الانتخابات.
ووفقاً لهذه المعطيات يبدو أن الإجراءات المتخذه من قبل حكومة الكاظمي كان لها الدور الأكبر في إجراء الانتخابات في موعدها وإنجاح العملية بالشكل النموذجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مقاطعة الانتخابات
ومع ذلك يمكن الإشارة بوضوح إلى ظاهرة سلبية رافقت الانتخابات تجسدت في عزوف المواطنين وبعض القوى السياسية عن المشاركة فيها وذلك بسبب سلسلة الأزمات المتوالدة منذ 2003 وما تسببت به سياسة الحكومات المتعاقبة من تعديات ونقص في الخدمات وإشاعة للفساد والنهب وانتشار السلاح المنفلت. وتُشكل نسبة المقاطعة والعزوف في الواقع أكثر بكثير مما أعلنته المفوضية حيث اعتمدت معياراً لا يساعد على إظهار النسب الحقيقية وهو الاعتماد على عدد المشاركين حاملي البطاقة البايومترية.
وهذا يعني أنها لم تأخذ بالاعتبار نسبة من يحق لهم التصويت في الانتخابات ومن عزفوا عن المشاركة لأسباب سياسية وأسباب أخرى تتعلق برفضهم المحاصصة الطائفية واستشراء الفساد وتعديات السلاح المنفلت.
وقد أشار المصدر السياسي في رده على سؤال عن تقييم النتائج الأولية التي أعلنت بعد الانتخابات "أن النتائج الأولية التي تمحضت عنها الانتخابات حتى الآن تشير بوضوح إلى فوز كاسح للتيار الصدري، والأرقام المنشورة تشير إلى تفوقه بصورة ملحوظة حيث فاز بـ 73 مقعداً، كما وتشير إلى تراجع ملحوظ للكتل الأخرى النافذة بشكل خاص مثل كتلة الفتح بقيادة (هادي العامري) التي تضم الحشد الشعبي والمليشيات التي يشار إليها باعتبارها مليشيات تحمل سلاحاً خارج إطار الحشد والدولة".
السلاح المنفلت
واستطرد قائلاً إن "النتائج تؤشر إلى أن اصطفاف الناخبين إلى جانب التيار الصدري ليس منعزلاً عن موقف التيار الصدري من السلاح المنفلت، وحتى من وجود الحشد الشعبي كإطار مستقل خارج آليات القوات المسلحة. وهو ما جرت الإشارة إليه والمطالبة به من قبل أوساط مقربة من التيار، بضرورة البحث عن إمكانية دمجه بالقوات المسلحة، مما أثار اعتراضات صارخة من كتلة الفتح وزعيمها هادي العامري ومن قيادات في المليشيات الولائية الأخرى".
وفي هذا الاتجاه أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في خطابه بعد إعلان النتائج الأولية على رفض استمرار المليشيات والسلاح المنفلت خارج إطار الدولة.
وأضاف "في نفس الوقت، لايمكن عزل هذا الميل من الناخبين للتيار الصدري، عن الاستقلالية النسبية للتيار عن إيران، وموقفه المعروف ضد الميليشيات التي تسمى بـ"الولائية". ومن جانب آخر فان الخسائر الكبيرة "للفتح" التي تضم كل هؤلاء، يؤشر أيضاً إلى تأكيدها الواضح بمواقفها السياسية وبسلوكها العملي إلى موالاتها لإيران وحمايتها للسلاح المنفلت، والنشاط الذي تقوم به المليشيات بين فترة وأخرى خارج أُطر الدولة وقرارات القيادة العامة للقوات المسلحة. وفي كل الأحوال من الممكن التأكيد على أن الانتخابات ونجاحها والنتائج التي أفرزتها تصب من جانب معين، في صالح فرصة ثانية لمصطفى الكاظمي لتولي ولاية اعتيادية ثانية. وقد تعزز هذه الإمكانية الفوز الذي حققه الصدر، وهو من الداعمين لحكومة الكاظمي، وبنفس الوقت النجاح الذي حققه للمكونات الأخرى المتعاطفة مع استمرار حكومته مثل محمد الحلبوسي، والمكون الكردي كالحزب الديمقراطي، والاتحاد الوطني الكردستاني".