تجري القوى الكردية مشاورات مضنية تهدف إلى تحقيق إجماع لتوحيد المواقف قبل الدخول في مفاوضات "ماراثونية" مع القوى السنية والشيعية لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، في ظل خلافات متوقعة حول صيغتي "الأغلبية" و"التوافق" في تقاسم المناصب، يعززها اتساع فارق المقاعد بين الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان.
وحل الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني أولاً على صعيد الإقليم وبفارق كبير عن أقرب منافسيه بحصوله على 33 مقعداً، يليه منافسه التقليدي حزب "الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني بـ16 مقعداً، وجاءت حركة "الجيل الجديد" بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبدالواحد ثالثة بتسعة مقاعد، ثم "الاتحاد الإسلامي" 4 مقاعد، ومقعد وحيد لـ"جماعة العدل" الإسلامية، لتصل مقاعد القوى الكردية مجتمعة إلى 63 مقعداً، بزيادة خمسة مقاعد عن الدورة الانتخابية السابقة، من مجموع مقاعد البرلمان الاتحادي البالغة 329 مقعداً.
مشاورات أولية
وقال مسؤولون في حزب بارزاني بعد لقاءات مع نظرائهم في حزبي "الاتحاد" و"التغيير" أن "الحوارات الآنية لن تتعدى عن كونها لقاءات روتينية، ولن نتطرق إلى محادثات سياسية، التي نأمل أن تجرى في وقت لاحق".
وأعلن مفاوضون عن حزب بارزاني أنهم يجرون "اتصالات مع جميع القوى، ولم نحصر خياراتنا في فئة محددة"، ورغم أن التصريحات المعلنة من قبل قيادات الحزبين تؤكد على وحدة مواقفها حيال "القضايا الاستراتيجية التي تصب في مصلحة الكرد"، إلا أنها قد تواجه انقساماً على صيغة تقاسم المناصب الاتحادية، في نسخة معادة عن انتخابات الدورة السابقة، خصوصاً على منصب رئاسة الجمهورية الذي يتمسك به حزب طالباني كاستحقاق بموجب التفاهمات السابقة مع حزب بارزاني، فيما يرفض الأخير الآلية السابقة، ويتمسك بإعادة صياغة المعادلة وفق معيار "الثقل النيابي".
كما تدخل المناصب في محافظة كركوك ضمن الصراع، مع تحقيق حزب بارزاني لأول مرة مكاسب بحصوله على مقعدين مقابل ثلاثة لحزب طالباني، ومقعد واحد لحركة "الجيل الجديد" المعارضة، وبدورهما سيواجهان عقبات إضافية وسط معارضة القوى العربية والتركمانية التي حصدت 6 مقاعد من مجموع 12 مقعداً مخصصاً للمحافظة.
وقال الناطق باسم حزب بارزاني محمود محمد للصحافيين عقب اجتماع مع قادة حزب طالباني في السليمانية "ربما حصلت بعض التراشقات بين حزبينا خلال الحملات الحملة الانتخابية، لكن ليس هنالك خلافات فيما بيننا"، وأضاف "لا يمكن القول إن منصب رئاسة الجمهورية هو من نصيب الاتحاد أو غيره، وقد بحثنا في الشراكة الحقيقية فقط، ولم نتطرق إلى المناصب، ولا يجوز أن نجعل من المناصب عقدة".
كما التقى وفد "الديمقراطي" بقادة من حركة "التغيير" التي تعرضت بدورها لصدمة غير متوقعة إثر خروجها خالية الوفاض في نتائج الانتخابات، بعد أن كانت أقوى المنافسين لحزب طالباني، وقد غاب عن اللقاء زعيمها عمر سيد علي الذي أعلن أخيراً عقب صدور النتائج استقالته مع جميع أعضاء الهيئة القيادية.
المصلحة الكردية أولاً
وللوقوف على ما إذا كان "الديمقراطي" سيتخذ معيار الأغلبية منطلقاً لمشاوراته، قال مستشار بارزاني، مسعود حيدر لـ"اندبندنت عربية"، إن "أولويتنا تكمن في تأمين الحقوق الدستورية لشعب كردستان على صعيد إدارة الدولة العراقية ورسم السياسات وتطبيق المادة 140 (مناطق موضع الخلاف بين أربيل وبغداد)، فالبلد بحاجة إلى رسم مرحلة تختلف تماماً عن سابقاتها التي شهدنا فيها خروقات للدستور وتفرد في القرارات، هذه تمثل نقطة جوهرية"، لافتاً إلى أن "التطرق للمناصب وبقية التفاصيل سيأتي ما بعد الاتفاق على خارطة طريق واضحة فيما يتعلق بإدارة الدولة الفدرالية والتأكيد على مبادئ وأسس الشراكة والتوزان والتوافق".
وتبقى نتائج اللقاءات بين القوى الكردية معلقة لحين تبيان مخرجات التفاهمات بين نظيراتها الشيعية الرامية لرسم ملامح الكتلة النيابية الأكبر المنصوص عليها دستورياً، والتي تكلف بمرسوم جمهوري، قبل البدء الفعلي بمشاورات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، حيث يقتضي العرف السياسي السائد في العراق منذ إجراء أول انتخابات عام 2005، تولي الشيعة رئاسة الوزراء، والسُنّة رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية.
ولم يستبعد مسعود حيدر أن "يلعب الثقل النيابي دوراً حاسماً في التفاوض داخل البيت الكردي"، لكنه استدرك أن "هناك مطلب من الرئيس مسعود بارزاني وقيادات الحزب لتشكيل تجمع أو تحالف للقوى الكردستانية حتى تلك التي لم تحصل على مقاعد نيابية، لدعم الورقة الكردستانية التفاوضية"، وأضاف "حزبنا يمثل أكثر من 52 بالمئة من مقاعد القوى الكردستانية، رغم ذلك سنكون موحدين من أجل حقوق الإقليم الدستورية، كما ندافع عن حقوق الكرد والمكونات في الإقليم، وكذلك المواطنين الشيعة والسنة أيضاً".
وسبق أن أكد قادة في حزب طالباني أن موقع ودور الحزب لا يحدد وفق المقاعد النيابية بل وفق دوره التاريخي والعسكري، وأعلنت وسائل إعلام تابعة لحزب طالباني "الوقوف بوجه أي محاولة من حزب بارزاني لجعل كركوك ضمن صفقاته السياسية، فهي تعتبر خطاً أحمر ولن نقبل مجدداً أن تخضع للمزايدات من أجل تحقيق مكاسب سياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإزاء هذا الموقف قال حيدر إن "العملية السياسية بمجملها مبنية على التوافقات، وفي داخل البيت الكردي التوافق مطلوب أيضاً، في النتيجة الكل سيمثل شعب الإقليم، وفق مقاعده، أما بخصوص تقاسم المناصب وفي مقدمتها منصب رئاسة الجمهورية، فهو استحقاق كردي وفقاً للعرف السياسي السائد وهو خاضع للتوافق أيضاً، لكن ليس من الضرورة أن يكون من حصة الأخوة في الاتحاد، وليس حكراً على أحد، والرئيس بارزاني هو الذي سيمي من سيكون مرشح الكرد للمنصب بعد التوافق مع الكتل الكردستانية"، وشدد على أن "منصب محافظ كركوك أيضاً يجب أن يكون من نصيب المكون الكردي مع مراعاة مبدأ التوافق والتوازن المكوناتي في إدارة المؤسسات، فالكرد يحوزون على الأغلبية في التمثيل النيابي على مستوى المحافظة، والأهم هنا هو تحقيق الاستقرار فيها، وسندافع عن حقوق الكرد كما العرب والتركمان والمسيحيين، فهي مدينة كردستانية لكن بصبغة متعددة الأطياف".
مكامن الضعف والقوة
وتداولت تسريبات إعلامية الأسماء التي يتوقع أن تطرح لتولي منصب رئاسة الجمهورية من قبل الحزبين الرئيسين، من بينها القياديان في حزب طالباني، ملا بختيار ولطيف رشيد، يقابلهما ثلاثة من حزب بارزاني، هم: فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي الحالي، وهوشيار زيباري وزير المالية السابق، وأزاد برواري.
وحول مدى قدرة "الديمقراطي" على فرض شروطه، يرى المحلل السياسي الكردي مسعود عبدالخالق إن "هناك نقاط تصب في صالح حزب بارزاني في فرض مبدأ الأغلبية في تقاسم المناصب، وأخرى تبدو مؤثرة تقف عائقاً أمام هذا المسعى لتصب في صالح حزب طالباني"، مشيراً إلى أن "نقاط القوة، إضافة إلى تفوقه نيابياً، تكمن في إزاحة الرئيس المشارك لحزب الاتحاد لاهور شيخ جنكي عن المشهد لصالح نظيره ونجل عمه بافل طالباني، وإلا لكنا شهدنا اليوم نتائج مختلفة، فضلاً عن تراجع في مجموع أصوات الحزب انتخابياً".
لكن عبدالخالق يعتقد أن نقاط الضعف تبدو الأكثر تأثيراً على عرقلة مساعي حزب بارزاني في اتباع مبدأ الأغلبية بالصيغة التي يتمناها، وقال إن "موقف الديمقراطي على مستوى العراق وعلى الصعيد الإقليمي والدولي يبدو أقل قوة من ما كان عليه في السابق، صحيح أن عدد مقاعده ازداد، لكنه خسر أكثر من 300 ألف صوت بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، وهناك أيضاً أحزاب تلقت خسائر في الانتخابات مثل حركة التغيير وجماعة العدل والاتحاد الإسلامي وهي بدورها تلقي أسباب هذا الفشل على حزب بارزاني، وقد لا تنسجم مع مسعى الأخير، وهذه نقاط قوة لصالح حزب طالباني".
اتفاقية استراتيجية
واستبعد عبدالخالف في أن "تحل الخلافات وفق عدد المقاعد كما يحصل في الديمقراطيات المتقدمة، لارتباط الحزبين باتفاقية استراتيجية توافقية تم بموجبها التقسيم الإداري في الإقليم، إذ سبق أن أكد القيادي في الاتحاد ملا بختيار أن معيار نفوذ الحزب يكمن في ثقله السياسي والعسكري والتاريخي، وليس الثقل النيابي". وعلى صعيد "الاتحاد" أكد أن "عدد ناخبيه تراجع بشكل ملحوظ أيضاً رغم احتفاظه بعدد المقاعد عموماً، وانخفاضها على مستوى كركوك، مقابل زيادتها لغريمه الديمقراطي، وربما سيحاول الأخير أن يساوم بين منصبي محافظ كركوك ورئاسة الجمهورية، لكن في أصل التفاهمات السابقة فإن منصب رئيس الجمهوية يقابله منصب رئيس الإقليم، في وقت من المتوقع، أن يتقاطع فيه الحزبين مرة أخرى في فرض مرشح كردي لمنصب المحافظ، ولا شك أن السجالات ومحاولات الشد والجذب ستأخذ وقتاً ليس بالقصير".
قوى رافضة
من جهتها استبعدت حركة "الجيل الجديد" المعارضة في برلمان الإقليم (9 مقاعد)، مشاركة الحركة الحكومة الجديدة، وقالت الحركة في بيان "لا نريد أية مناصب في بغداد"، مبينة أن "مطالب الشعب تعد أساس للمشاورات"، ورهنت الحركة استجابتها لوحدة الموقف الكردي بعدة شروط مسبقة، منها "تحديد موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والمحافظت في الإقليم، وتشكيل مفوضية انتخابات مستقلة واستبدال مجلس القضاء الحالي بآخر منتخب، بعيداً عن المحاصصة الحزبية، وإطلاق سراح المعتقلين من السياسيين والنشطاء والصحافيين"، وأضافت أنه "عوضاً عن الاقتتال من أجل المناصب في بغداد، يتوجب استعادة مناطق موضع الخلاف مع بغداد، وحل مشكلة قوات البيشمركة (الكردية)، وتثبيت حصة الإقليم في الموازنة الاتحادية".
كما وضع "الاتحاد الإسلامي" (4 مقاعد) شروطاً لم يكشف عن فحواها حيال توحيد الموقف الكردي، لكنه أبدى رغبته للمشاركة في الحكومة العراقية، بينما أكدت "جماعة العدل" الإسلامية الكردية (مقعد واحد) رفضها المشاركة، وقال الناطق باسمها محمد حكيم "لن نشارك في أي حوار أو تحالف".
وتذهب الترجيحات إلى وجود تفاهمات مبدئية بين الأكراد، وتحالف تقدم بقيادة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي عن السنة (43 مقعداً)، والتيار الصدري الشيعي (73 مقعداً)، إلا أن الترقب يسود مواقف القوى من احتمال عودة زعيم "دولة القانون" رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وبقوة إلى الواجهة عندما يحقق مكاسب قد تتجاوز الصدريين، بدعم من قوى شيعية تتصادم مع التيار الصدري، والتي قد تصل إلى 73 مقعداً، قبل استمالة الأكراد وأطراف سنية فضلاً عن مستقلين.